لماذا تدعم جنوب إفريقيا البوليساريو؟

نزار بولحية

أي منطق قد يفسر الموقف الجنوب إفريقي من الصحراء؟ وهل من مصلحة الدولة التي تطمح إلى لعب دور قيادي في القارة السمراء، والبعيدة آلاف الكيلومترات عن شمال إفريقيا، أن تقوم فيه دولة سادسة؟ ألا يكفيه الآن وجود خمس دول تعيش صراعات وانقسامات حادة، وتعجز عن تحقيق الحد الأدنى من التواصل والتكامل في ما بينها؟
سيقول البعض إن الأمر بالنسبة إلى جنوب إفريقيا يتعلق فقط بالدفاع عن مبدأ، وأن لا صلة له مطلقا بالحسابات والمنافع والمصالح القريبة والبعيدة، لكن لم لا يبرز ذلك بوضوح وجلاء في باقي سياساتها وتوجهاتها الخارجية؟ ولم يكد يصوب على زاوية واحدة لا غير، تتمثل في نزاع إقليمي لا يزال معروضا حتى الآن على أنظار هيئة الأمم، وطرفاه بلدان إفريقيان جاران ما يجمعهما أكثر مما يفرقهما؟
لقد أرجع بيان صادر عن اتحاد الكرة المغربي، جزءا من الضجة التي أثارها تصريح شيف زوليفيل قبل أيام، إلى تعمد الأخير «إلقاء كلمة خارج السياق لتمرير مغالطات سياسية لا تمت بأي صلة للشأن الكروي»، حسب نص البيان. ومع أن كثيرين قد يقولون الآن إن زوليفيل بالغ في مجاملة مضيفيه الجزائريين، وإنه أسمعهم كلمات تمنوا طويلا أن تخرج، ربما في وقت من الأوقات، من فم جده الراحل، وإن حديثه الجمعة الماضي أمام آلاف الجماهير الرياضية التي حضرت حفل افتتاح بطولة أمم افريقيا للاعبين المحليين في العاصمة الجزائرية عن «تحرير الصحراء..» ووصفها بـ »آخر مستعمرة إفريقية»، كان باختصار فصلا جديدا من فصول المناورات الدبلوماسية المعهودة بين الجانبين الجزائري والمغربي، في إطار صراعهما المفتوح والمستمر، إلا أن البعض ينسى ربما أن حفيد مانديلا كان ينفذ وبالدرجة الأولى توجهات وخطط بلاده، ويخدم أجندتها قبل أي شيء آخر. ألم يقل رئيس جنوب إفريقيا مثلا قبل شهور قليلة، إنه يدعم ما يعتبره «نضالا مشرفا لشعب يريد تقرير مصيره»، في إشارة إلى الصحراء؟ ثم ألم يفرش السجاد الأحمر لزعيم البوليساريو في القصر الرئاسي، ويرحب به ويقول أمامه إننا «نشعر بالقلق حيال الصمت المتواصل في العالم إزاء النضال من أجل تقرير المصير لشعب الصحراء …»، وإننا «نرى أن نضالات أخرى يتم التعبير عنها بصوت أعلى.. ولهذا السبب نحن كجنوب إفريقيين واضحون، نحن حازمون وبلا تردد في ما يتعلق بدعمنا للشعب الصحراوي»، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو، ما الذي تريده بريتوريا بالضبط؟ ولماذا أقحمت نفسها بشكل اعتبرته الرباط منذ 2004 «منحازا ومفاجئا وغير ملائم» في نزاع معقد يبعد عن مجالها الجيوسياسي آلاف الكيلومترات، ويهم أكبر بلدين في الشمال الإفريقي؟ سيكون من الصعب جدا أن يصدق أحد الأفارقة الجنوبيين إن هم كرروا المبررات نفسها التي قالها الرئيس الجزائري في سبتمبر الماضي وهو يفسر سبب وقوف بلاده مع البوليساريو وهي، «إننا لسنا في القرن التاسع عشر فالشعوب تحررت، والشعب الصحراوي يناضل ويحارب الاستعمار وهو ما قمنا به في السابق، فمن غير الممكن إذن أن نؤيد الاستعمار، ولا أطماع لنا في أرض الغير، فنحن ندافع عن أرضنا فقط»، إذ أن المقارنة بين نضالهم من أجل التحرر من الميز العنصري، والوضع في الصحراء تبدو ولعدة اعتبارات غير ممكنة أو منطقية، كما أن محاولة الجمع بين مبدأ تقرير المصير، ومحاربة الاستعمار وتصويرهما على أنهما متماثلتان في جنوب إفريقيا وفي الصحراء، تبدو بعيدة عن الواقع. وإن كان المحدد الأول والوحيد اليوم للسياسة الخارجية لجنوب إفريقيا هو تخليص القارة السمراء من الاستعمار، فلم تتطلع بريتوريا بعيدا ولا تنظر مثلا إلى بلد صغير لا يبعد عنها سوى مسافة قصيرة جدا بالمقارنة مع الصحراء وهو، جزر القمر فتؤيد وتدعم وبالقوة نفسها مطالبه بالتحرر والتخلص من الاستعمار الفرنسي لإحدى جزره التي لا تزال محتلة وهي جزيرة مايوت؟ أليست تلك الجزيرة فضلا عن سبتة ومليلية والجزر الجعفرية هي آخر وأقدم المستعمرات الإفريقية؟ أم أنها تكيل بمكيالين ولا ترى الاستعمار إلا في مكان محدد هو الشمال الإفريقي؟ لقد قالت وزيرة العلاقات الدولية والتعاون ناليدي باندر في مايو الماضي، وهي تعرض أمام البرلمان الخطوط العريضة لدبلوماسية بلادها، إنها «ستواصل ترسيخ مساهمة سياستها الخارجية في إفريقيا والعالم بشأن دعم القضايا التحررية للشعوب التي ما زالت تعاني القمع بسبب الاستعمار»، وكررت أن «الصحراء …هي آخر مستعمرة في إفريقيا لم تتحرر بعد ما جعل مواردها الطبيعية عرضة للنهب المستمر»، لكن هل كانت ناليدي تتقمص في تلك الحالة دور جيفارا أم باتريس لومومبا في عصر يختلف تماما عن عصرهما ولمبررات وغايات بعيدة جدا عن تلك التي حركتهما في زمن ما للدفاع عن الشعوب الإفريقية؟ لا شك بأن أدوات النضال الجنوب إفريقي الدبلوماسية والإعلامية لدعم انفصال الصحراء عن المغرب، قد لا تبدو مختلفة فقط عن الأساليب التي اعتمدها الثوار الأفارقة، بل إن تأثيرها يبدو محدودا وهذا ما يدركه المغاربة أنفسهم. فقيام جنوب إفريقيا في 2004 بالاعتراف بجبهة البوليساريو وضعها بالفعل في مأزق. فهي بدلا من أن تسعى لتقريب الشعوب الإفريقية من بعضها بعضا ظهرت كمساهم بارز في توسيع الشرخ القائم أصلا بينها، وبدلا من أن تلعب دورا متقدما في التوفيق والمصالحة بين الفرقاء، باتت عاجزة تماما عن جمع الأفارقة وتوحيدهم، اللهم إلا من خلال الشعارات. لقد نظرت في الواقع إلى مصلحتها الضيقة فحسب، وهي الدخول بقوة إلى السوق الجزائرية من جهة، وتغذية التوتر والخلاف بين أكبر بلدين في الشمال الإفريقي من جهة أخرى، حتى لا يمكنهما التفرغ لمنافستها في السباق على الزعامة القارية. وربما يدل وصف وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة في أكتوبر الماضي استقبال الرئيس الجنوب إفريقي لزعيم جبهة البوليساريو في مراسم كتلك التي تقام عادة لرؤساء الدول بـ»البهرجة والسينما» وإرجاعه اتخاذ بريتوريا لمثل تلك المواقف التي وصفها بالمتشددة إلى عجزها عن التأثير في محيطها، إلى وعي كبير من جانب الرباط بالدوافع الحقيقية التي جعلتها تقدم على ذلك. كما أن تشديده على أنه «عندما اعترفت بريتوريا بجبهة البوليساريو، كانت تظن أن دول العالم ستسير وتتخذ الخطوة نفسها، لكن ما حصل هو أن أكثر من عشرين دولة سحبت الاعتراف من الجبهة الوهمية»، وعلى أن «جنوب إفريقيا دخلت مجلس الأمن أكثر من مرة، لكنها لم تنجح في تنفيذ أجندتها، حيث إنها باتت تعي أن 90 دولة تعترف بمقترح الحكم الذاتي ـ للصحراء- بما فيها 30 دولة إفريقية، وهذا يعكس بعمق عجزها عن التأثير في هذا الملف»، ويؤكد أيضا أن المغاربة يقللون من أهمية ذلك الموقف ويعتبرون أن لديهم أوراقا أهم لاحتواء أي تداعيات له على ما يعتبرونه قضيتهم الوطنية الأولى. لكن هل يدرك الجزائريون بدورهم ما يريده أحفاد مانديلا من وراء الكلام المعسول لهم؟ ربما سيكشف التاريخ يوما ما عن خفايا الصراعات والمناورات التي جرت بين الشمال الإفريقي وجنوبه.

كاتب وصحافي من تونس

الكاتب : نزار بولحية - بتاريخ : 23/01/2023

التعليقات مغلقة.