لماذا لا نتخذ المصالحة الفرنسية الألمانية مثالا يقتدى لإنهاء الصراع المغربي – الجزائري؟

عبد السلام البوسرغيني

كتب أخونا الجزائري فتحي بكار أن المغرب إعتدى على الجزائر سنة 1963 دون أن يكلف نفسه البحث فيما حصل بالضبط ، وأقول له: إن هذا ما لقنوه لكم يا أخي فتحي أولئك الذين يتعمدون إنكار ما سجله التاريخ من أحداث تتصل بمشكل الحدود المغربية الجزائرية، وهو مشكل كنا نحن المغاربة نعتقد أن معاهدة إيفران لسنة 1969 واتفاقية الرباط لسنة 1963 قد وضعتا حدا لذلك المشكل المزمن مشكل الحدود ، وبالتالي إنهاء الصراع المرير الذي كلف البلدين غاليا وحرمهما مما يمكن تحقيقه من التعاون بينهما والتوجه نحو المستقبل.
وأنه لمن المؤسف والمؤلم أن الجزائر على عهد بومدين وعهد من سار على نهجه ظلت تلعب على مشكل الحدود كلما تأزمت العلاقات بين المغرب والجزائر، لتأليب الرأي العام الجزائري ضد المغرب، مع أن المغرب أعلن على لسان الملك الحسن الثاني سنة 1972 طي ملف الحدود رغم ما أصاب المغرب من غبن في تخطيط فرنسا لجغرافية المنطقة المغاربية على عهد الإستعمار
عندما كان المغرب يتفاوض مع فرنسا على إنهاء العمل بمعاهدة الحماية التي كانت تتحكم بنودها في الوجود الفرنسي بالمغرب، رفض الملك الراحل محمد الخامس مناقشة مشكل الحدود مع الفرنسيين معتبرا رحمه لله ومصرحا بأن فرنسا لا تملك شرعية التفاوض في أرض لا تملكها.
وفي سنة 1961 توصل المغرب مع الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائر التي كانت تقود ثورة التحرير إلى إتفاق يقضي بتسوية مشكل الحدود عن طريق التفاوض بعد إستقلال الجزائر.
واعتبارا لذلك فانه لا يمكن القول إن ما حدث سنة 1963 كان اعتداء كما يصوره الذين لا يريدون الخير للعلاقات المغربية الجزائرية، ويصرون على أن يبقى الصراع قائما ينهك الطرفين.
وأقول لإخواني الجزائريين بصفتي مواطنا مغربيا ومواطنا مغاربيا أيضا لما عشته على عهد تلاحم النضال والجهاد أيام الثورة الجزائرية: إنه حتى وإن كان المغرب قد أخطأ فأن لنا في التصالح التاريخي الذي تم بين فرنسا وألمانيا نموذجا ومثالا يجب علينا نحن المغاربة والجزائريين أن نقتدي به وأن نأخذه كدرس وعبرة لمن يعتبر ، نظرا لما حققه للبلدين من إزدهار أمتد مفعوله إلى أوروبا.
لقد أقدمت فرنسا على طي ملف صراعها التاريخي مع ألمانيا، رغم العداوة التاريخية التي أسفرت عن كثير من المآسي، وذلك عندما قيض لله. لهما تلك الزعامة التاريخية المتمثلة في الجنرال شارل دوكول والمستشار. كونراد اديناور ٠فهل سيجود القدر على المغرب والجزائر بمثل تلك الزعامة ليتقمصها القادة الحاليون؟
إن علينا أن نرجع فقط إلى الحرب العالمية الثانية التي كانت فرنسا قد عانت من الإحتلال الألماني وما نتج عنه من إهانة لشرفها وتقتيل لأبنائها، خصوصا منهم اليهود
لقد طهر الفرسيون أنفسهم وقلوبهم من الأحقاد والضغائن والبغضاء التي خلفتها تصرفات الألمانيين أثناء إحتلالهم لوطنهم، وأقدموا على فتح صفحات جديدة من تاريخهم الحديث تميزت بالتعاون والتشارك في مختلف الميادين مع ألمانيا ، ومهدوا السبيل لتحقيق قيام السوق الأروبية المشتركة التي إنبثق عنها الإتحاد الأروبي الذي ذهب الى حد تبني وحدة نقدية وفتح الحدود على مصراعيها دون إجراءات جمركية بين أعضاء الإتحاد محققين معجزة الوحدة الجمركية والنقدية
إنني لا أعتقد أنه كان في وسع ألمانيا وفرنسا تحقيق ما وصلا إليه من تقدم وأزدهار ، لو لم تكن لهم الشجاعة والحس الوطني كي يقدما على فتح صفحات جديدة في علاقاتهما والنظر إلى المستقبل، ونبذ كل الأحقاد التي خلفتها جروح الماضي، وبالأخص منها ما نتج عن الإحتلال الألماني لفرنسا خلال الحرب العالمية الثانية
أفلا يكون في ذلك مثالا تحتم علينا ظروفنا الحالية المنذرة بالمخاطر الإقتداء به ونبذ كل خلاف ونزاع وصراع ؟ وفي هذه الحالة يمكن تلمس سبل تسوية النزاع الأساسي، نزاع الصحراء الذي أحيى ذالك الصراع المرير الذي نشأ عن مشكل الحدود
وإنني لعل يقين بأن ذلك ليس بعزيز على المغاربة والجزائريين.

الكاتب : عبد السلام البوسرغيني - بتاريخ : 09/09/2023

التعليقات مغلقة.