لنجعل إعادة الإعمار مشروعا متعدد الأبعاد…

عبد السلام رجواني

يبدو أن المغرب مصمم على إعادة إعمار المناطق المنكوبة بجبال الأطلس الكبير وتجاوز الدمار الذي أصابها جراء الزلزال، وهو قادر على ذلك نظرا لما أبداه الشعب المغربي قاطبة من روح وطنية عالية لما تعبأ وراء جلالة الملك لإغاثة الضحايا وتوفير أسباب عودة الحياة والأمل لمن أصابتهم الكارثة في الأرواح والأرزاق.
لا شك أن حجم الخسائر كبير وأن إعادة الإعمار تحد عظيم، وبالتالي لا يمكن ربح الرهان إلا بالجدية المطلوبة، والتي تعني التخطيط المحكم والإنجاز المتين، والنية الحسنة التي تعني الإرادة والنزاهة والصدق من قبل جميع الشركاء والفاعلين. ومما لاشك فيه أن الروح الوطنية العالية التي أبداها الشعب المغربي إزاء الدمار غوثا للضحايا ونجدة للمنكوبين ستكون خير ضمان لربح التحدي، فعلينا صونها من كل انحراف والتسلح بها في الشوط الثاني من ملحمة مغربية رائعة لم تنته.
وكي تكون معركة إعادة الإعمار التي أطلق شرارتها الأولى ملك البلاد ناجعة على المدى البعيد، وجب أن تشمل كل مناحي الحياة بالجبل المنكوب وبمختلف الأرياف والبوادي التي يجب أن نعترف أنها بقيت لعقود خارج دوائر التنمية الشاملة، ولم يتجاوز حظها من البنيات الأساسية والخدمات الاجتماعية وكل مقومات التقدم والتحديث إلا الفتات، فكان من بين نتائج ذاك التهميش الظالم حجم الخراب الذي أصاب دواوير حالت عزلتها دون وصول المساعدات وفرق الإنقاذ إلا بعد جهد جهيد.
ولذلك وجب أن ترتكز استراتيجية إعادة الإعمار على رؤية شمولية ومندمجة تسعى إلى تحقيق تنمية مستدامة قوامها الأساس تأهيل الإنسان القروي صحيا وثقافيا وتكوينا.
فليس خاف على أحد أن العنصر البشري المؤهل عنصر حاسم في إنتاج الخيرات المادية والمعرفية، وفي تثمين المنتجات المحلية وتطويع المجال بما يخدم أغراض التنمية ويلبي حاجات الساكنة، وإذا كان أهل الأطلس الكبير، أسوة بإخوانهم بجبال الريف والصحراء، يكنزون رأسمالا لا ماديا نفيسا، ممثلا في ما أبدوه، وهم تحت وطأة الفاجعة، من صبر وتضامن وعزة نفس وكرم وإباء، فإن تمكينهم من تعليم جيد وتكوين مهني ملائم وتأطير نفسي/اجتماعي، ومن دعم مالي تفضيلي، أمر بالغ الأهمية في صيرورة التنمية المنشودة.
هناك قاعدة عامة تقول إنه لا وجود لمجال عاقر لا يقدر على إعالة مستوطنيه، وفي هذا الصدد يمكن التذكير بمقولة الرئيس الصيني «أنهار الصين ذهبها وجبالها فضتها، من يعيش على الأنهار يجب أن يعيش من الأنهار ومن يعيش بالجبال عليه أن يعيش من الجبال»، وهي مقولة حكيمة تؤكد صحتها قدرة الشعوب والمجموعات البشرية على أن تعيش في منظومات بيئية ومناخية قاسية، وأن تتكيف معها من خلال إبداع أنماط حياتية متميزة وأساليب إنتاج متفردة. والحال أن جبال المغرب وبواديه تزخر بموارد اقتصادية هائلة من معادن ومراعي وتضاريس وأودية، فضلا عن تراث معماري أصيل ومآثر تاريخية وفنون شعبية وعادات وتقاليد وحرف، يجب حفظها من التبديد، وتوظيفها في عملية إعادة الإعمار التي يجب أن ننتهزها فرصة لمرحلة تنموية نوعية للجبل. هكذا قد يتحول الجبل إلى ورش اقتصادي ثقافي واعد، وأن يصبح مركز جذب للرأسمال المستثمر والبشر المؤهل بعدما كان ولأمد طويل موضع نفور وهجرة وتهميش.

الكاتب : عبد السلام رجواني - بتاريخ : 22/09/2023

التعليقات مغلقة.