ماذا بعد إنهاء الحظر الليلي؟ !

إسماعيل الحلوتي

بعد أن تأكد لديها بواسطة التقارير الصادرة عن وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، أن المغرب استطاع بفضل الإجراءات الاحترازية المتخذة والانخراط الكثيف للمواطنات والمواطنين في الحملة الوطنية للتلقيح، الخروج بأقل الخسائر من الموجة الثالثة للجائحة التي ضربت إلى جانب بلادنا العديد من بلدان العالم في الشهور الأخيرة، والتراجع الواضح في عدد الإصابات المؤكدة بفيروس كورونا المستجد والحالات الحرجة وتقلص نسبة ملء الأسرة في أقسام الإنعاش بالمستشفيات، لم تتأخر الحكومة في الاستجابة لتوصيات اللجنة العلمية والتقنية حول تخفيف القيود التي ظلت تخنق أنفاس المغاربة على مدى ما يقارب السنتين، من خلال إنهاء حظر التنقل الليلي بين العمالات والسفر إلى مختلف المدن دون الحاجة إلى أي وثيقة رسمية…
وهو القرار الذي لم ينفك المغاربة يترقبون بلهفة اتخاذه من قبل السلطات العمومية، والذي فضلا عن أنه خلف ارتياحا واسعا في جميع أنحاء المغرب، ساهم بشكل كبير في التخفيف من حالة الاحتقان الشعبي الذي عرفته بلادنا منذ إعلان الحكومة عن قرارها المتسرع وغير المدروس بدقة، القاضي بفرض «جواز التلقيح» كوثيقة رسمية وحصرية للإدلاء بها عند التنقل بين العمالات واستعمال وسائل النقل العمومي وولوج الإدارات العمومية وشبه العمومية والمؤسسات الخاصة والفنادق والمطاعم والمقاهي والفضاءات المغلقة.. مما أثار ردود فعل ساخطة وتصاعد موجة من الاحتجاجات الغاضبة في الشارع وعلى منصات التواصل الاجتماعي، للمطالبة بإلغاء القرار، باعتبار أن التلقيح عملية اختيارية وليست إجبارية.
وبصرف النظر عن استبشار المغاربة خيرا بالقرار الحكومي الذي أنساهم جزءا من مرارة سابقه، لكونه يسمح ابتداء من يوم الأربعاء 10 نونبر 2021 للمغاربة بالتنقل دون الحاجة إلى أي وثيقة ولاستئناف العديد من المهن أنشطتها التي ظلت معلقة طيلة الشهور الماضية، وخاصة منها تلك المرتبطة بتنظيم الحفلات وإقامة الأعراس. وبعيدا عما شاب البلاغ الحكومي من لبس في ما يتعلق بمواصلة إغلاق الفضاءات التي تحتضن التجمعات الكبرى أو تلك التي تعرف توافد أعداد كبيرة من المواطنين، دون تحديد طبيعة الفضاءات المقصودة إن كانت تعني الملاعب الرياضية أوالمهرجانات وغيرها، وعما إذا كان القرار يشكل انتصارا حقيقيا للأشخاص الرافضين لإجبارية «جواز التلقيح، فإن ما لا ينبغي أن يغيب لحظة واحدة عن أذهان المسؤولين، هو أن هناك مشاكل أخرى لا تقل ضررا عن «حظر التنقل الليلي» وإلزامية «جواز التلقيح»، تقتضي التعجيل بإيجاد حلول مناسبة لها وإنهاء المعاناة التي مافتئت تؤرق مضاجع الكثير من فئات المجتمع، ولعل أبرزها هما: الغلاء الفاحش والبطالة، حيث أن ارتفاع أسعار المحروقات في الشهور الأخيرة وما ترتب عنها من إنهاك القدرة الشرائية للطبقات الفقيرة والمتوسطة عبر الزيادات المتواترة في أثمان المواد الاستهلاكية الأساسية. ثم هناك كذلك معضلة البطالة التي ازدادت تفاقما بشكل صارخ في السنتين الأخيرتين مع تفشي جائحة «كوفيد -19».
فالحكومة على دراية واسعة ليس فقط بما فرضته الجائحة الخطيرة على بلدان العالم بما فيها بلادنا من قيود قاسية، وما تم اتخاذه من إجراءات احترازية للحد من انتشارها والحفاظ على صحة وسلامة المواطنات والمواطنين، بل كذلك بما خلفته من مآس اجتماعية وخاصة في أوساط تلك الفئات العريضة من المواطنين الذين تراجعت مداخيلهم بشكل فادح منذ إعلان السلطات العمومية عن سلسلة من التدابير الوقائية ومن ضمنها «الحجر الصحي» و»حالة الطوارئ الصحية»، مما أدى إلى إحالة قرابة مليون شخص على البطالة الجزئية خلال تلك الفترة الحرجة، ولنا أن نتصور مصير مليون أسرة مغربية بدون دخل أو مورد رزق في ظل الظروف العصيبة والاستثنائية التي تمر منها بلادنا.
من هنا يتضح أن أمام الحكومة رهانات كبرى تستدعي تضافر الجهود من أجل كسبها خلال ولايتها، من حيث تقوية الرأسمال البشري، السهر على تفعيل النموذج التنموي الجديد وتنزيل ورش الحماية الاجتماعية. إذ أنه من بين الأهداف الرامية إلى تكريس أسس الدولة الاجتماعية، العمل الجاد والمسؤول على حماية القدرة الشرائية للمواطنين، تحسين ظروف العيش الكريم وضمان نمو مستدام ومدمج، يكون بمقدوره استيعاب مجموع العاطلين من الجنسين بتوفير الشغل اللائق، لاسيما أن الحكومة جعلت من التشغيل إحدى القضايا الكبرى. ثم إنه طالما شدد ملك البلاد محمد السادس على ضرورة تحقيق العدالة الاجتماعية، مؤكدا على أهمية تحسين ظروف العيش المشترك بين جميع المواطنين، والحد من الفوارق الاجتماعية والمجالية، الارتقاء بأوضاع الشباب وتمكينهم من المساهمة في التنمية والانخراط في خدمة الوطن…
إن المغاربة ليسوا بحاجة إلى مزيد من التبريرات الواهية ومواصلة الحكومة هروبها إلى الأمام، بقدر ما هم أكثر حاجة إلى التواصل معهم، الانتباه إلى أهم القضايا التي تشغل بالهم والنهوض بأحوالهم الاقتصادية والاجتماعية المتردية، من خلال رفع الأجور والحد من الغلاء والبطالة. إذ من حق المواطن على الدولة أن تؤمن له الشغل القار والمناسب الذي يضمن كرامته، وأن تحرص الحكومة على جعل التشغيل قضية أساسية في صلب السياسات الماكرو- اقتصادية. وهو الهدف النبيل وغير المستحيل على همة المسؤولين إذا ما توفرت لديهم الإرادة السياسية القوية وتم استعمال الذكاء الجماعي، وانخراط كافة الفاعلين في مراقبة الأسعار ومحاربة البطالة، باعتبارهما سببين رئيسيين في الاحتقان الاجتماعي القائم، إن لم يكونا بمثابة «قنبلتين موقوتتين» يمكن لهما الانفجار في أي لحظة لا قدر الله…

الكاتب : إسماعيل الحلوتي - بتاريخ : 17/11/2021

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *