ما هي المبررات الحقيقية وراء تأخر وزارة التربية الوطنية في الإعلان عن نتائج مباراة أستاذ التعليم العالي المساعد بالمراكز الجهوية؟

توفيق سعد الدين
لقد مرت أكثر من ثلاث سنوات على عدم الإفراج عن نتائج مباراة أستاذ التعليم العالي مساعد بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين لحوالي 23 منصبا من بين 200 منصب(دورة شتنبر 2021)، وقد حرك تلكؤ وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة طيلة هذه المدة مجموعة من المياه الراكدة المتمثلة أساسا في ما تم الترويج له من افتراءات على أصحاب هذه المناصب. لقدطرح المشكل على مجموعة من الشخصيات وتدخل النقابات والأحزاب السياسية والوسطاء والهيئات، وأعربت كلها عن عدم قبولها الاحتجاز غير القانوني لنتائج مناصب 23 المتبقية من دورة شتنبر 2021، بل استغربت عدم الإفراج عن جميع النتائج، وطالبت بالطي النهائي لهذه القضية المفتعلة، وإنصاف الدكاترة المتضررين بإعلان النتائج، وفي أقرب وقت ممكن، المتضمنة في محاضر اللجان العلمية والتي تتوفر عليها المصالح المركزية للوزارة.
وأمام هذا التلكؤ التجأ المتضررون إلى الفرق البرلمانية بغرفتيه من أغلبية ومعارضة، وقد طُرح في هذا المشكل 24 سؤالا وملتمسا يتعلق بمآل 23 منصبا، ويُحَمِّل الوزارة الوصية مسؤولية عدم إعلان النتائج والتملص من ذلك، مما طرح استغرابا وشكوكا لدى الجميع، من متضررين وفرق برلمانية ونقابات وهيئات وشخصيات…، خاصة بالتبريرات الواهية غير المقبولة التي روجت لها الوزارة شفهيا، واحتواء فضيحة احتجاز النتائج بمحاصرة الأصوات الحرة من داخل القطاع بل وتهديدها في استمرار فاضح لمنطق المناكفة والاستعلاء والتعاطي مع الإدارة العمومية باعتبارها ملكية خاصة.
بعد تعنت الوزارة وصمّ أذنها اضطر بعض المتضررين بتدخل من برلمانية في المعارضة إلى الالتجاء إلى السيد وسيط المملكة الذي تبنى بنفسه هذا الملف، وقد اعترى إعلان نتائج المباراة مجموعة من الخروقات القانونية، تتمثل أساسا في طريقة تقطير إعلان نتائج هذه المباراة التي استمرت من بداية نونبر إلى وسط شهر دجنبر 2021. وبعد مراسلة السيد وسيط المملكة للوزارة المعنية واستفسارها، سجل الموقف السلبي لها، يتمثل في رفضها الرد على تلك الاستفسارات، بذلك أوصى السيد الوسيط وزير التربية الوطنية بالتعجيل والإفراج عما تبقى من نتائج المباراة، أو ما يكون تمّ تخصيصه بشأنها، داعيا إياه إلى إخبار المؤسسة بما تم تخصيصه للموضوع داخل أجل ثلاثين يوما، إلا أن صمت الوزارة والهروب إلى الأمام كان هو الجواب عن هذه الاستفسارات.
لقد ثمن المتضررون مواقف كل المتدخلين السابقين والهيئات التقريرية والتنفيذية للنقابة الوطنية للتعليم العالي التي أدانت «سياسة صم الآذان والمراوغة وربح الوقت» التي تنهجها الوزارة الوصية، وطالبتها بالإفراج عن النتائج المحتجزة لـ 23 منصبا بالمراكز الجهوية، والابتعاد عن المناورة في أجوبتها تفاديا للتلاعب بالحقائق والوقائع المثبتة.
وقد توصل مجموعة من المتدخلين في هذه القضية بتصريحات مختلفة ومتناقضة تكرس منطق الالتفاف وربح الوقت، وتحاول إضفاء العصمة على مسؤولين حاولوا إعدام المسار المهني للدكاترة المتضررين، خارج كل المقتضيات الدستورية والمقومات القانونية التنظيمية؛ فهذه القضية المفتعلة تثبت بالملموس، غياب الحكامة في تدبيرها؛ ويتعلق الأمر بتسريب «مغالطات» وتلفيق تهم «خطيرة» لهذه الفئة المتضررة دون موجب حق، مما جعلها تتساءل هل فعلا تشكل خطرا على هذه المنظومة؟ وأين يكمن هذا الخطر؟ ولماذا إقصاء هذه النخبة من حقها الدستوري؟
كفى من هذه التلاعبات وهذه الافتراءات، فمن بين هذه الأطر من يعد أعضاء نشيطين في مؤسساتهم وفي المديريات الإقليمية وفي الأكاديميات وفي الوزارة نفسها، ومنهم من له عضوية في بعض اللجن بقرار وزاري. فهم في حالة اشتغالهم مع الجهات المختصة يعتبرون من الذين رضيت عنهم الوزارة، وفي عدم إعلان النتائج هم من المغضوب عليهم.
بعد مرور ثلاث سنوات من التماطل وأكثر من 24 سؤالا برلمانيا بالغرفتين يأتي جواب الوزارة المثير للجدل بأن المشكلة ترتبط بالحاجة الآنية من الأساتذة لتدريس بعض التخصصات، كان أول رواية رسمية عن الوزارة رقم 714-24، هو أن أسباب عدم الإعلان عن النتائج الكاملة، التي اختلقت لها مناورة جديدة في الجواب والذي تمثل في «اعتبارات مرتبطة بالحاجة الآنية من الأساتذة لتدريس بعض التخصصات»، وهو ما يعتبره الدكاترة المتضررون ومجموعة من المتدخلين، منهجية الوزارة في التلاعب بالحقائق وزيف التبريرات التي حاولت التستر على الأسباب الريعية الحقيقية وراء افتعال هذه الفضيحة.
تعد «الحاجة الآنية» مفهوما ملتبسا ومبهما ومعدوما قانونا، تضع مصداقية الوزارة على المحك، خاصة أمام النقابات التي رفض مسؤولو القطاع -مرارا- تزويد بعضها بالأسباب، في حين أفصحت لبعضها الآخر -سرّا- عن أجوبة مغايرة تماما، تستهدف إقصاء الدكاترة المعنيين بالجملة والتشويش عليهم مجانا، إضافة إلى عدم تقديم الجواب نفسه للسيد وسيط المملكة وتوصياته، وعدم اعتبار جميع المبادرات والشخصيات التي حاولت حل هذا المشكل المفتعل بطريقة حبية.
إذا اعتبرنا أن هناك «اعتبارات مرتبطة بالحاجة الآنية من الأساتذة لتدريس بعض التخصصات»، ألا يطرح هذا سؤالا يتمثل في أن المسؤولين في الوزارة أعلنوا مباراة توظيف أساتذة التعليم العالي المساعدين بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين (دورة شتنبر 2021)، وحددوا المناصب في 200 منصب بناء على الخصاص في كل مركز على حدة، هم أنفسهم من أوعزوا السبب إلى «الحاجة الآنية»بعد انتظار دام ثلاث سنوات.
إن المعطيات الواقعية والرسمية، سواء تلك الصادرة عن النقابات أو القطاع الوزاري نفسه، وبالخصوص تلك التي واكبت الحد من الخصاص بالمراكز على ثلاث دفعات، تؤكد بالملموس وجود خصاص مهول في الموارد البشرية، وفي جميع التخصصات بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، وهو الخصاص الذي على أساسه تم إقرار المباراة أصلا وبالتخصصات والمراكز المشمولة بقرارها، وما زال هذا الخصاص قائما وفق المعطيات المحيّنة بشكل دوري، وهو ما تحاول الوزارة معالجته جذريا عبر الدفعة الأولى المندرجة في حل ملف دكاترة القطاع (600 منصب)، مما يجعل غياب «الحاجة الآنية»عبارة عن تبرير لا يرتبط بأي حجة واقعية ولا دليل موضوعي، وما يؤكد هذا المعطى هو عدد الساعات الإضافية التي ينجزها الأساتذة المكونون بالمراكز وعدد المتعاقدين معها في كل سنة تكوينية، واستمرار تدبير الوزارة للخصاص بمنح التكليفات المعلن عنها رسميا، ومن ضمنها التخصصات المقرصنة نتائجها.
رغم كل مساعي هذه الفئة المتضررة التي سلكتها من أجل حل المشكل المفتعل بطريقة حبية وأمام الإصرار على مواصلة تجاهل الوزارة كل الحقوق الدستورية والقانونية للدكاترة المتضررين «وعدم القيام بالواجب هو نوع من أنواع الفساد» كما شدد على ذلك جلالة الملك في خطاب العرش بتاريخ 30-07-2016، وإصرار بعض مسؤولي قطاع وزارة التربية على معاكسة كل مقومات دولة الحق والقانون والمؤسسات بشكل غير مفهوم، كما ورد في الخطاب الملكي السامي أثناء افتتاح البرلمان بتاريخ 14- 10- 2016: «… فمن غير المفهوم أن تسلب الإدارة للمواطن حقوقه، وهي التي يجب أن تصونها وتدافع عنها. وكيف لمسؤول أن يعرقل حصوله عليها وقد صدر بشأنها حكم قضائي نهائي؟» اضطر هؤلاء المتضررون الالتجاء إلى القضاء الذي أنصفهم، إلا أن الوزارة رفضت تنفيذ الأحكام القضائية المكتسبة لقوة الشيء المقتضي به. فمتى سيفرج عن نتائج هذه الفئة المتضررة، وفق محاضر اللجن العلمية، وحل هذا المشكل المفتعل وطيه نهائيا؟
الكاتب : توفيق سعد الدين - بتاريخ : 17/02/2025