متى يقنن النقل عبر التطبيقات الذكية؟!

اسماعيل الحلوتي

رغم أن المقتضيات القانونية والتنظيمية المعمول بها في بلادنا بخصوص النقل الطرقي للأشخاص، خاصة الظهير الشريف رقم: 260.63.1 الصادر في 24 من جمادى الآخرة 1383 الموافق ل»12» نونبر 1963 في شأن النقل بواسطة السيارات عبر الطرق، كما تم تغييره وتتميمه والنصوص الصادرة حول تطبيقه، تنص على إلزامية حصول مقدمي خدمات النقل الطرقي للأشخاص الموجهة للعموم على ترخيص مسبق لممارسة هذا النشاط، وعلى تراخيص خاصة لكل مركبة تستغل لهذا الغرض.
ورغم أن وزير النقل السابق محمد عبد الجليل سبق أن كشف في مجلس النواب عن نية الحكومة فتح باب الاستثمار في النقل بالتطبيقات الذكية مع ضمان المنافسة الشريفة، واعتزام وزارته إطلاق دراسة تتعلق بإعداد ميثاق وطني لتنمية حركية مستدامة وشمولية، وأنه يسعى إلى وضع المبادئ والأهداف الأساسية التي يجب أن تنبني عليها المنظومة المستقبلية للحركية والنقل بالمملكة، مشيرا في معرض رده عن سؤال كتابي لأحد النواب البرلمانيين، إلى أن من بين القضايا التي سيتطرق إليها هذا الميثاق، هناك تحديد كيفية التعامل مع هذه الطرق الجديدة في هذا التنقل. مؤكدا أن تقديم خدمات نقل الأشخاص باعتماد الأنظمة والوسائط الرقمية الحديثة دون ترخيص رسمي، يعتبر نشاطا مخالف للقوانين والأنظمة المعمول بها، لافتا إلى أن وزارته تقوم باعتماد مقاربة ترتكز على التنسيق مع المصالح المختصة التابعة لوزارة الداخلية والفاعلين المعنيين من أجل اتخاذ التدابير الضرورية لاحترام المقتضيات القانونية في هذا الشأن.
فإن الحرب ظلت مستعرة بين سائقي «الطاكسيات» الصغيرة ومقدمي خدمات النقل عبر التطبيقات الذكية في ظل غياب إطار قانوني ينظم هذا النوع من النقل الحديث، وفق ما توثق لذلك مجموعة فيديوهات من هنا وهناك عبر مختلف المدن المغربية وخاصة الكبرى، حيث يظهر في الكثير من المقاطع المصورة تعرض سائقي سيارات النقل الرقمي للاعتداء من قبل سائقي سيارات الأجرة، الذين يطاردونهم في الشوارع الرئيسية ويحاصرونهم أمام المحطات الطرقية والفنادق، مما أثار في عديد المناسبات جدلا واسعا بين المواطنين وعلى منصات التواصل الاجتماعي، وطالما تجدد النقاش حول ضرورة التعجيل بتنظيم القطاع قبل استفحال الوضع، وخاصة أن بلادنا مقبلة على تنظيم تظاهرات رياضية كبرى قارية وعالمية…
ففي تطور مفاجئ حدث ما لم يكن يدور في حسبان المسؤول الحكومي عن القطاع ولا غيره من المسؤولين في باقي القطاعات الأخرى وعلى رأسها وزارة الداخلية، عندما شاءت الأقدار أن يكون ضحية الصراع بين سائقي الطاكسيات وسيارات التطبيقات هذه المرة، أحد الدبلوماسيين الروسيين رفيع المستوى وزوجته وأحد سائقي النقل الذكي، بعد أن تم اعتراض سيارتهم ومحاصرتهم من قبل مجموعة من سائقي سيارات الأجرة أمام أحد فنادق شارع الجيش الملكي بمدينة الدار البيضاء في الساعات الأولى من صباح يوم الأحد فاتح دجنبر 2024. مما أثار حالة من الرعب لدى الدبلوماسي الروسي وزوجته…
وهو الحدث المروع الذي أدى إلى اعتقال صاحب سيارة الأجرة الذي اعترض سبيل سيارة التطبيقات الذكية، وإحالته على قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، الذي أمر مساء يوم الإثنين 2 دجنبر 2024 بإيداعه السجن المحلي بعين السبع «عكاشة»، فيما قرر متابعة ثلاثة سائقين آخرين في حالة سراح. ودخول السفارة الروسية على الخط الواقعة، من خلال حضور ممثلين عنها للمحكمة قصد مواكبة تفاصيل الملف، فضلا عما خلف هذا الحادث المؤسف من حالة امتعاض في أوساط المواطنين الذين يرفضون بشدة استمرار هذا التسيب، أو ما بات يعرف ب»شرع اليد» الذي يلجأ إليه بعض المنتسبين لقطاع سيارات الأجرة، ويطالبون من الجهات المسؤولة بضرورة التعجيل بتقنين النقل عبر التطبيقات الذكية.
فمما تجدر الإشارة إليه هو أن النقل بواسطة التطبيقات الذكية رغم عدم قانونيته في الوقت الراهن، يحظى بطلب عديد المواطنين الذين ضاقوا ذرعا من تصرفات وأمزجة الكثير من سائقي «الطاكسيات»، بينما يرفضه مهنيو قطاع النقل ويطالبون الجهات المسؤولة بوقف العمل به في غياب التنافس الشريف، ويعتبرونه مجرد نقل سري معصرن، يسحب منهم الزبناء دون أي سند قانوني، في حين تشتغل أصحاب سيارات الأجرة وفق ضوابط قانونية صارمة ويتوفرون على بطاقات مهنية ورخص الثقة.
وفي المقابل يرى بعض المدافعين عن النقل عبر التطبيقات الذكية أن الاعتداء الذي طال الدبلوماسي الروسي وزوجته، يدعو إلى تدخل وزير النقل الجديد عبد الصمد قيوح للقيام السريع بما فشل فيه سلفه، ولاسيما في ظل ارتفاع الأصوات المنادية بضرورة تقنينه لتيسير استخدامه وتجاوز الخلافات والمشاحنات بين سائقي الطاكسيات الصغيرة ومستعملي هذا النوع من النقل، والعمل على استصدار قرار جريء يقضي بتشجيع شركات عالمية للاستثمار في القطاع، واستقطاب أخرى لإنعاش مداخيل الدولة من ناحية، وتوفير فرص عمل للشباب العاطلين من ناحية أخرى.
إننا نستنكر بشدة الحادث «الهمجي» الذي تعرض إليه الدبلوماسي الروسي وزوجته، وما كان له أن يقع لو أن الحكومة قامت بتقنين النقل عبر التطبيقات الذكية كما سبق لوزير النقل السابق أن وعد بذلك، وندعو إلى تضافر جهود المعنيين في اتجاه التصدي للفوضى القائمة بين أصحاب الطاكسيات والنقل الرقمي، خصوصا في ظل استغلال الكثير من الأشخاص المجهولين سياراتهم الخاصة للقيام بهذا النوع من النقل غير القانوني، تفاديا لما يمكن أن يترتب عنه من خطر على الزبائن والسائقين أنفسهم.

 

 

 

الكاتب : اسماعيل الحلوتي - بتاريخ : 18/12/2024