مجالس العمالات والأقاليم : أي دور للتنمية وخدمة المواطنين؟

إسماعيل فيلالي

سبق أن تحدثنا في مقال سابق عن دور مجالس الجهات في التنمية وخدمة المواطنين وعن التعويضات التي يتقاضاها أعضاء مجالس الجهات عن التمثيل والتنقل، وأشرنا إلى الكتلة المالية الكبيرة التي يتم إنفاقها في الإطعام والحفلات والندوات والولائم والمنح المهداة للجمعيات والاستهلاك المفرط للبنزين واستغلال السيارات لأغراض شخصية دون حياء أو خجل، هذا في الوقت الذي يعاني المواطنون مرارة العيش وغلاء الأسعار وندرة الماء … والشيء نفسه يتم في مجالس العمالات والأقاليم، التي كانت الغاية من وراء إحداثها تأطير السكان ومراقبة المجال الوطني مع خلق محاور إدارية واقتصادية لضمان أسس التنمية الشاملة في المدن والقرى، إلا أن الملاحظ هو أن هذه المجالس أصبحت تهدر المال العام من دون أن تقوم بأي تنمية أو خدمة للمواطنين، وحتى يعرف الرأي العام كيف يهدر المال العام في تعويضات المنتخبين في هذه المجالس دون جدوى ودون منفعة يمكن سردها كالتالي:
فطبقا لمرسوم رقم 2.16.494 صادر في 6 أكتوبر 2016 يمنح لرئيس مجلس العمالة أو الإقليم ونوابهم وكاتب المجلس ونائبه ورؤساء اللجان الدائمة ونوابهم تعويضا صافيا شهريا عن التمثيل كما يلي :
رؤساء العمالات والأقاليم التي يقطنها أكثر من مليون نسمة
( 2 مليون سنتيم ) يتقاضى فيها الرئيس مبلغ: 20.000 درهم
أما العمالات والأقاليم التي يقطنها من 700.001 إلى مليون نسمة
يتقاضى فيها الرئيس مبلغ: 18.000 درهم ( مليون و 8 آلاف درهم ).
أما العمالات والأقاليم التي يقطنها من 500.001 إلى 700 ألف نسمة يتقاضى فيها الرئيس مبلغ: 16.000 درهم ( مليون و6 آلاف درهم ).
أما العمالات والأقاليم التي يقطنها من 300.001 إلى 500 ألف نسمة يتقاضى فيها الرئيس مبلغ: 14.000 درهم ( مليون و 4 آلاف درهم ).
أما العمالات والأقاليم التي يقطنها أقل من 300 ألف نسمة
يتقاضى فيها الرئيس مبلغ: 12.000 درهم ( مليون وألفي درهم ).
أما نوابهم وكاتب المجلس ونائبه ورؤساء اللجان ونوابهم يتقاضون نفس المبالغ، وهي كالتالي :
نواب الرئيس مبلغ : 7.000 درهم
كاتب المجلس مبلغ : 3.400 درهم
نائب كاتب المجلس مبلغ : 1.700 درهم
رئيس لجنة دائمة مبلغ : 3.400 درهم
نائب رئيس لجنة دائمة مبلغ : 1.700 درهم
كما يستفيد رئيس مجلس العمالة أو الإقليم ونوابهم وباقي أعضاء مجلس العمالة أو الإقليم من تعويضات يومية عن التنقل بمناسبة المهام التي يقومون بها داخل المغرب وخارجه لفائدة المجلس الذي ينتمون إليه، وتحدد على النحو التالي، مقادير هذه التعويضات :
يتقاضى رئيس مجلس العمالة أو الإقليم التعويض عن التنقل الممنوح لمديري الإدارة المركزية وفق النصوص التنظيمية الجاري بها العمل .
يتقاضى نواب رئيس مجلس العمالة أو الإقليم التعويض عن التنقل الممنوح لموظفي الدولة المرتبين في السلم 11 وفق النصوص التنظيمية الجاري بها العمل .
يتقاضى باقي أعضاء مجلس العمالة أو الإقليم التعويض عن التنقل الممنوح لموظفي الدولة المرتبين في السلم 10 وفق النصوص التنظيمية الجاري بها العمل. هذه التعويضات تهم المنتخبين في 75 عمالة وإقليم، وإذا قمنا بعملية حسابية، وأظن أن بإمكان أهل الحساب والرياضيات أن يقوموا بذلك، فسنجد أن المبلغ الذي يذهب إلى جيوب المنتخبين يعد بالملايير دون أن يقوموا بأي عمل يخوّل لهم فعلا هذا التعويض، والغريب والعجيب في الأمر أن هذه الفئة من المنتخبين لا تحضر إلى المجالس إلا في الدورات والولائم والمهرجانات، ومنهم من يغادر الوطن إلى بلد المهجر ولا يعود إلا في موسم الانتخابات، وتعويضاتهم المالية توجه إلى الأبناك في نهاية كل شهر ناهيك عن تعويضات جزافية في نهاية كل سنة مالية، ومنهم موظفون يتقاضون رواتب شهرية في القطاعات التي يشتغلون بها، وهذا يدخل في إطار التنافي، ومنهم أيضا تجار ومقاولون .. أما المهام في هذه المجالس، فحدث ولا حرج، فمن الأعضاء من يتحمل مسؤولية نائب الرئيس أو كاتب المجلس أو نائبه آو رئيس لجنة دائمة، وهو لا يحسن القراءة والكتابة، وهذا نتيجة للأمية السائدة بين المنتخبين من جهة، ومن جهة أخرى نتيجة توزيع المناصب على من هبّ ودبّ أثناء تشكيل مكاتب المجالس من أجل الحصول على رئاسة المجلس، وكما يعلم الكثير من المتتبعين فإن انتخاب مكاتب هذه المجالس تعرف فسادا لا مثيل له يتم فيه البيع والشراء وكأنك في سوق النخاسة …
وبالرغم من أن القانون التنظيمي 112 – 14 المتعلق بالعمالات والأقاليم عرف تطورا كبيرا في مقتضياته إلا أن ذلك لم يعكس هذا التطور على أرض الواقع والممارسة ؛ مما جعل هذه المجالس تخفق في تحقيق أهدافها وممارسة الاختصاصات الذاتية المنوطة بها في مجال تحقيق التنمية المحلية، من خلال القيام بمشاريع وتجهيزات القرب وأداء الخدمات الأساسية للمواطنين في مجال الصحة والتعليم والسكن والثقافة والرياضة وصيانة المسالك القروية والحد من الفقر والهشاشة، كما أنها لم تستطع القيام بالحد من التفاوتات المجالية وتحسين الخدمات العمومية المحلية بين مختلف المدن والقرى، حيث الغياب التام للبرامج المحلية الخاصة بها، وهذا ما أدى إلى إفراغها من جوهرها وأصبحت مجالس صورية تخدم جيوب المنتخبين والسلطة المحلية للإقليم، وكما هو معلوم فإن المتحكم في ميزانياتها هو عامل العمالة أوالإقليم لأنه هو الآمر بالصرف، ولا يمكن مناقشته أو محاسبته، عكس مجالس الجهات التي أصبح رئيس الجهة هو الآمر بالصرف فيها، ويبدو أن مجالس الجهات أصبحت هي المسيطرة على مختلف المشاريع والبرامج التنموية، وأن مجالس العمالات والأقاليم لا محل لها من الإعراب في هذه التنمية وخدمة المواطنين، كل ما في الأمر أنها أصبحت وكالة لتوزيع التعويضات المالية بالملايير على المنتخبين، والملاحظ أن الكثير من هؤلاء المنتخبين مندسّين في هذه المجالس يستفيدون منذ أعوام مضت من هذه التعويضات كما أن الكثير منهم معروفون في مناطق الفساد ومنهم من لا تزال ملفاتهم في المحاكم وهم يسيرون المجالس !؟
إن الرفع من مردودية مجالس العمالات والأقاليم ، يجب أن تصنعه النخب السياسية المحلية الصادقة والكفاءات الجيدة التي تخدم المصلحة العامة، وأن يكون الرئيس هو الآمر بالصرف حتى تتم محاسبته ويتم ربط هذه المسؤولية بالمحاسبة كما ينص على ذلك دستور البلاد، وألاّ تترك للعمال الذين يعيثون فسادا في ميزانية هذه المجالس دون رقيب أو حسيب، وذلك من أجل خلق مؤسسة منتخبة أكثر نجاعة تستطيع تنزيل مشاريعها ورؤيتها التنموية بشكل سليم وأكثر فعالية، وإعداد برامج شمولية تعزز موقعها في المنظومة المؤسساتية للامركزية بالمغرب للرفع من مستوى أدائها إلى مستوى فاعل حقيقي يشغل مكانة أساسية إلى جانب الدولة والجهات والجماعات في مجال التنمية الترابية في مختلف أبعاده، وإلا وجب تحويلها إلى مجالس استشارية معينة غير منتخبة تعفي الدولة من هذا الإضرار بالميزانية العامة، التي أصبح المواطن الفقير في أمس الحاجة إليها، كما يجب إعادة النظر في التعويضات الضخمة التي تصرف للمنتخبين بدون جدوى والتي تعتبر هدرا للمال العام بامتياز، والعمل على تحريك مسطرة الإقالة بسبب حالات التنافي والإقامة خارج الوطن والضرب على أيدي المنتخبين الفاسدين خاصة الذين تورطوا في الاختلاسات المالية والفساد الإداري والمخالفات المرتكبة في مجال التعمير، وضرورة ترشيد النفقات الخاصة بالإطعام والولائم والسفريات واستهلاك البنزين واستغلال سيارات المجالس لأغراض شخصية، ومراقبة المنح التي تصرف للزبائن والكائنات الانتخابية …
هذه هي الخطوات الأولى لوزارة الداخلية في رحلة تفعيل دور مجالس العمالات والأقاليم في التنمية وخدمة المواطنين، إذا كانت هناك فعلا نية حقيقية للإصلاح …

الكاتب : إسماعيل فيلالي - بتاريخ : 11/01/2023

التعليقات مغلقة.