مسألة فصل السلط في المغرب

نورالدين التقاوي

يعني مبدأ فصل السلط،عدم جمع هذه الأخيرة في يد واحدة،ومعروف في التاريخ السياسي أن الدعوة الى هذا المبدأ ترجع إلى الفيلسوف جون لوك، وكذا الكاتب و الفيلسوف الفرنسي مونتسكيو خصوصا في كتابه الشهير «روح القوانين».ومعروف أن تجميع السلطات يضاعف من خطر الاستبداد لأن السلطة بطبيعتها تغري بالانحراف والوسيلة المثلى لتجنب ذلك هي توزيع تلك السلطات بين هيئات مختلفة (تشريعية،تنفيذية،قضائية).وهذا الفصل هو الذي أصبح يميز الأنظمة الديمقراطية عن المستبدة، حيث تتولى السلطة التشريعية المهام الموكولة لها من تشريع و مراقبة للعمل الحكومي، بينما تهتم التنفيذية السهر على تنفيذ السياسات العامة والقوانين التي يجيزها البرلمان. في حين تستأثر السلطة القضائية بالبت في النزاعات. وتختلف درجة الفصل بين السلط من نظام سياسي لآخر، حيث يكون الفصل التام بينها في النظام الرئاسي، على العكس من البرلماني الذي يتميز بطابع من المرونة من خلال التوازن والتعاون بينها.ولقد سار الدستور المغربي على هذه العادة الديمقراطية من خلال النص على مسألة فصل السلط وتوازنها وتعاونها  واعتبارها أحد أسس النظام الدستوري للمملكة الى جانب الديمقراطية المواطنة والتشاركية ومبادئ الحكامة الجيدة بالإضافة الى ربط المسؤولية بالمحاسبة.
مما يوجب علينا رصد اشكالية فصل السلط بالمغرب ومحاولة المطابقة مع مبادئ الديمقراطية.اذن فكيف تناول الفكر السياسي المغربي هذه المسألة؟وماهي المعطيات التي كشفت عنها الوثيقة الدستورية لسنة 2011 في هذا المجال؟
المحور الأول:الفكر السياسي المغربي وتصور مسألة فصل السلط.
اعتبر الأستاذ علال الفاسي أن الديمقراطية تستدعي بطبيعتها تقسيم العمل بين الحاكمين،وهذه المسألة تدرس في فرنسا منذ القرن 18 على نحو تقليدي،مما حدا بهم الى تقسيم السلط الى ثلاث(تشريعية-تنفيذية-قضائية)،وهذا التقسيم لم يعد مطابقا للواقع العصري حيث يجب بناء التوزيع على نسبة النفوذ الحزبي في البلاد.
وبالنسبة للسلطة القضائية فقد أكد الفاسي على ضرورة توافرمجموعة من الأمور من أجل ضمان استقلالية القاضي في أحكامه:
•       اعتبار أن الإمام هو الذي يعينه وقيمته ليست أقل من الوزراء ورجال الدولة؛
•       أن لايكون لغير القانون عليه سلطان؛
•       أن لا يكون منصب القاضي في مهب الريح أي أنه يسهل عزله؛
•       أن يكون له من ميزانية الدولة ما يصلح حاله،حتى لا يمتلئ بالطمع و التطلع لما في أيدي الناس.
في حين اعتبر محمد بن الحسن الوزاني مبدأ فصل السلط أحد الثوابت السياسية التي يؤدي التنصيص عليه واحترامه الى التجسيد الفعلي لمفهوم الملكية الدستورية السائدة في أدبيات الفقه الدستوري الغربي.لأن هذا الفصل يحقق غايتين أساسيتين تتجليان في إشاعة الحرية في أبعادها المختلفة،والحسم في أمر لمن ترجع السيادة من جهة أخرى.وأكد محمد بن الحسن الوزاني أن مبدأ فصل السلط لا يتواجد إلا في الأنظمة الدستورية أي التي تقوم على الشرعية الدستورية كمرجعية فلسفية وسياسية لإدارة الشأن العام.
ولقد تأرجحت الآراء الفقهية بين مؤيد و معارض وذلك لاعتبار المعارضين أنه لا يمكن الفصل بين السلطات لأنها تؤدي وظائف متكاملة،وكما أن تعدد السلطات واستقلالها قد يؤدي إلى توزيع المسؤولية وتجهيلها،وهذا دون اغفال استحالة الفصل لأن الأمر لايعدو إلا أن يكون طوباويا.ويرد أنصار الفصل على أن الفصل يمنع الاستبداد ويصون الحريات،وكذا ضمان مبدأ المشروعية من خلال الفصل بين المشرع و المنفذ،بالإضافة الى تقسيم العمل و التخصص فيه.
المحور الثاني:موقع فصل السلط في دستور 2011.
تتميز العلاقة بين السلط بالمغرب بنوع من التعاون و التوازن ولقد عمل المشرع على هذا المعطى،في محاولة لتثبيت ركائز النظام البرلماني والذي يتميزبهذه الصفة، ولقد تعددت آليات التوازن بين السلطة التشريعية و التنفيذية.
v   تأثيرات البرلمان على الحكومة
Ø    اللجان النيابية لتقصي الحقائق: حيث أعطى الدستور للبرلمان امكانية تشكيل لجان نيابية لتقصي الحقائق،يناط بها جمع المعلومات المتعلقة بوقائع معينة،أو بتدبير المصالح أو المؤسسات والمقاولات العمومية،وإطلاع المجلس الذي شكلها على نتائج أعمالها،وذلك وفق مجموعة من الشروط كعدم تكوينها في الوقائع التي تكون موضوع متابعات قضائية،وكما أن مهمتها تنتهي بمجرد فتح تحقيق قضائي في تلك الوقائع،وكون عملها ذي طبيعة مؤقتة.
Ø    الأسئلة:حيث ألزم المشرع الدستوري على أن تخصص بالأسبقية جلسة في كل أسبوع لأسئلة أعضاء مجلسي البرلمان وأجوبة الحكومة.وذلك على أن تدلي الحكومة بجوابها خلال العشرين يوما الموالية لإحالة السؤال عليها وتقدم الأجوبة على الأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة من قبل رئيس الحكومة.وتخصص لهذه الأسئلة جلسة واحدة لكل شهر،وتقدم الاجوبة عنها أمام المجلس الذي يعنيه الأمر خلال الثلاثين يوما الموالية لإحالة الأسئلة على رئيس الحكومة.
Ø    سحب الثقة:لقد جاء في وثيقة 29 يوليوز2011 على أنه يمكن لرئيس الحكومة أن يربط لدى مجلس النواب،مواصلة الحكومة تحمل مسؤوليتها بتصويت يعطي الثقة بشأن تصريح يدلي به في موضوع السياسة العامة،أو بشأن نص يطلب الموافقة عليه.وذلك أنه اذا تم التصويت بالأغلبية المطلقة للأعضاء،الذين يتكون منهم مجلس النواب فان الأمر يؤدي الى سحب الثقة من الحكومة،مما ينتج عنه استقالة الحكومة استقالة جماعية.
Ø    ملتمس الرقابة:لقد منح الدستور لمجلس النواب أن يعارض في مواصلة الحكومة تحمل مسؤوليتها،بالتصويت على ملتمس الرقابة،ولا يقبل هذا الأخير الا اذا وقعه على الأقل خمس الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس.وتؤدي الموافقة على ملتمس الرقابة من طرف الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم المجلس،وتقود هذه الموافقة الى استقالة الحكومة استقالة جماعية9.
Ø    ملتمس المساءلة:لقد جاء في الوثيقة الدستورية على أنه يمكن لمجلس المستشارين أن يسائل الحكومة بواسطة ملتمس يوقعه خمس أعضائه.وفي هذا الصدد يبعث رئيس مجلس المستشارين،على الفور،بنص ملتمس المساءلة إلى رئيس الحكومة،ولهذا الأخير أجل ستة أيام ليعرض أمام المجلس جواب الحكومة،ويتلوه نقاش دون أم يعقبه تصويت10.
v   تأثيرات الحكومة على البرلمان:
Ø    جدولة مقترحات القوانين: أي عندما يضع كل من مجلسي البرلمان جدول أعماله،والذي يتضمن مشاريع ومقترحات القوانين،حيث يتم تداولها ومناقشتها وفق الترتيب الذي تحدده الحكومة،وذلك بفعل درايتها بالأمور وتولي التنفيذ11.
Ø    حل الحكومة لمجلس النواب: إن لرئيس الحكومة الحق في حل مجلس النواب،بعد استشارة الملك، ورئيس المجلس،ورئيس المحكمة الدستورية.وذلك بمرسوم يتخذ في مجلس وزاري.ويقدم رئيس الحكومة في هذا الصدد تصريحا يتضمن،بصفة خاصة،دوافع قرار الحل وأهدافه،أمام مجلس النواب12.
v   السلطة القضائية في دستور 2011: إن الدستور المغربي جعل من السلطة القضائية سلطة مستقلة عن السلطتين التشريعية والتنفيذية ويعتبر الملك هو ضامن استقلال السلطة القضائية.وذلك بفعل المكانة الكبرى التي تحتلها مؤسسة القضاء في ترسيخ سيادة القانون،وحماية الحقوق و الحريات للأفراد والجماعات.ونظرا لهذه الأهمية فلقد تم التنصيص على حظر التدخل في القضايا المعروضة على القضاء،وعدم تلقي القاضي بشأن مهمته أي أوامر أو تعليمات ولا يخضع لأي ضغط.ولذلك فإن الملك هو الذي يرأس المجلس الاعلى للسلطة القضائية،على اعتبار أن هذا الأخير هو الذي يسهر على تطبيق الضمانات الممنوحة للقضاة13.
المحور الثالث:المؤسسة الملكية: ضامنة فصل السلط أم عقدة فصل السلط.
تعد المؤسسة الملكية من أبرز المؤسسات داخل البناء الدستوري المغربي،وذلك بفعل الشرعيات المتعددة التي تنهل منها.وبالنسبة لعلاقتها بالسلط فان لها السمو الكامل لأن الملك هو مصدر السلط و مركزها.ودسترة الملكية ليس الا تنظيما لهذه السلطات.وفي المقابل فغنه لا يجب قراءة الدستور في بنيته السطحية بقدر ما وجب التغلغل في بنيته العميقة التي تكتنف طابعا تقليديا متعلقا بالاعتبارات الدينية التي تحل فوق الدستورية،حيث يبدو الملك مستعملا التقليد للتموقع بين الدستور والله وللمرور من حقل لآخر ولشغور أي فراغ قانوني.ولكن السؤال المطروح هل يمكن لمؤسسة لها رجل في الدستور و رجل خارجه أن تضمن استقلال مؤسسات داخل الدستور؟ مما قد يجعلنا نجزم أن المؤسسة الملكية لها السمو على جميع المؤسسات وذلك بفعل السلطات الواسعة للملك من خلال رئاسة المجلس الوزاري،والأمر بتنفيذ القانون، وطلب القراءة الجديدة لمشاريع القوانين ومقترحات القوانين،ورئاسة المجلس الأعلى للسلطة القضائية…،مما يوجب القول على أنه رغم التنصيص في الدستور على فصل السلط،فان تتبع الاختصاصات العديدة التي يمارسها الملك بموجب النص الدستوري،يؤدي الى القول بأن الدستور المغربي لايؤسس لفصل السلط ولا لملكية برلمانية على المستوى الأعلى،بل يجسد الملك رئيسا للدولة بسلطات واسعة في المجال التنفيذي والتشريعي والقضائي،ومؤسسة سامية على جميع المؤسسات.
خاتمة: إن وجود الفصل بين السلط في أي دولة لدليل على ديمقراطيتها،ودليل على نهج دولة المؤسسات، لأن تفتيت السلطة يرفع درجة الديمقراطية والتجميع يضاعف من ظهور شبح الاستبداد ومصادرة حقوق وحريات الأفراد.عبر الإقرار التام بأن السيادة للأمة والقانون هو أسمى تعبير عنها.

الهوامش:
1- عبدالقادر العلمي»في الثقافة السياسية الجديدة» منشورات الزمن الطبعة الثانية ص33-34.
2- الفصل 1 من دستور 2011 .
3- علال الفاسي «النقد الذاتي»الطبعةالثاتية _دون ذكر التاريخ-ص114-122.
4-بوبكر شقير»الفكر السياسي المغربي بين الاتجاهات السلفية والليبرالية «الطبعة الأولى 2009 ص99.
5- المصطفى قاسمي»القانون الدستوري الحديث»الطبعة الأولى 2004 ص75-76.
6- الفصل 67 من دستور 2011 .
7- الفصل 100 من دستور 2011 .
8- الفصل103 من دستور 2011 .
9- الفصل 105 من دستور 2011 .
10- الفصل106من دستور 2011 .
11- الفصل 82 من دستور 2011 .
12- الفصل 104 الفصل 1 من دستور 2011 .
13-الفصل 107-109-113- من دستور 2011 .
14-محمد أشركي «الظهير الشريف في القانون العام المغربي»الطبعة الأولى 1983 ص 168.
15-حسن طارق»الربيع العربي والدستورانية قراءة في تجارب المغرب تونس مصر م.م.ا.م.ت. الطبعة الأولى 2014 ص90.
16-محمد الرضواني «مدخل الى القانون الدستوري» سلسلة بدائل قانونية وسياسية1.الطبعة الثانية 2014 ص138.
* باحث في القانون العام والعلوم السياسية/ كلية الحقوق سطات

الكاتب : نورالدين التقاوي - بتاريخ : 27/06/2018