«مشروع قانون المالية لسنة 2021 (قراءة دستورية قانونية تحليلية)»

البشير الحداد الكبير

إن قانون المالية السنوي بمثابة العقد الاجتماعي ما بين الدولة والمجتمع، إذ يتم بموجبه تحمل العديد من الالتزامات لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وقانون المالية لسنة 2021 يعتبر آخر قانون مالية في عمر الحكومة الحالية.
شكلت سنة 2020 سنة استثناء بكل المقاييس، حيث أن الجفاف أثر على الاقتصاد الوطني بالإضافة إلى جائحة كورونا التي شلت اقتصادات معظم الدول بما فيها المغرب نتيجة تطبيق الإجراءات الاحترازية الوقائية، مما أثر كذلك على الاقتصاد الوطني بشكل كبير.
إن الحكومة في سنة 2020 وجدت نفسها أمام عبء كبير، فالدستور المالي أي القانون التنظيمي 130.13(1) المتعلق بالمالية العمومية قسم المالية إلى أربعة أقسام، القسم الأول ابتداء من فاتح يناير إلى غاية 30 يونيو لتنفيذ قانون المالية السنوي وهنا وجدت الحكومة نتيجة جائحة كورونا الحاجة لتعديله مما طرح مشكل ضيق الوقت فبموحب المادة 51 من القانون التنظيمي 130.13 نجد أن البرلمان له أجل 15 يوما من أجل التصويت على قانون المالية المعدل ابتداء من تاريخ إيداعه من طرف الحكومة بمجلس النواب،نجد أن المغرب بدأ يطبق الاجراءات الاحترازية لمواجهة جائحة كورونا منذ شهر مارس وبالتالي بدأت الحاجة لتعديل قانون المالية لسنة 2020، فإذا كان أجل 15 يوما غير كافي للتصويت على قانون المالية المعدل فحتى الحكومة كانت تواجه مشكل ضيق الوقت في تعديله وعرضه على المجلسين الوزاري والحكومي، وبخصوص القسم الثاني يبتدئ من 30 يونيو إلى غاية 31 يوليوز، ويتعلق بإعداد الإطار العام لمشروع قانون المالية للسنة المقبلة وتقديم عرض حوله أمام اللجنتين المكلفتين بالمالية في البرلمان قبل 31 يوليوز، أما القسم الثالث فيبتدئ من 31 يوليوز إلى 20 أكتوبر عرض مشروع قانون المالية للسنة المقبلة على المجلس الوزاري ثم المجلس الحكومي، وإيداعه بالأسبقية بمجلس النواب تفعيلا للفصل 75 من دستور 2011(2) داخل أجل أقصاه 20 أكتوبر، وأخيرا القسم الرابع ابتداء من 20 أكتوبر لغاية نهاية السنة للدراسة والمناقشة والتصويت على مشروع قانون المالية للسنة المقبلة،وبالتالي هذه السنة لم تكن سهلة على الحكومة إذ تطلب الأمر بذل مجهود مضاعف.
وبالتالي فالسؤال المطروح ما هي أهم مضامين مشروع قانون المالية لسنة 2021؟
للإجابة عن هذا السؤال فقد اعتمدنا التقسيم التالي:

المحور الأول:
هيمنة الحكومة على قانون المالية السنوي

قبل الخوض في مضامين مشروع قانون المالية لسنة 2021،لابد من التطرق لمسألة لا تقل أهمية، وهي أن دستور 2011 والقانون التنظيمي 130.13 المتعلق بالمالية العمومية منحوا امتيازات مهمة للحكومة في الهيمنة على قانون المالية السنوي وسنوضح التدخل الحكومي الشديد في قانون المالية السنوي من خلال ما يلي:
-قبل 15 مارس، يقوم رئيس الحكومة بإعداد منشور موجه للآمرين بالصرف قصد تقديم مقترحاتهم حول البرمجة الميزانياتية لثلاث سنوات؛
-قبل 15 ماي، يتم تجميع ودراسة تلك المقترحات؛
-قبل 15 يونيو، يقدم وزير المالية داخل المجلس الحكومي عرضا حول تنفيذ قانون المالية للسنة الجارية وبرمجة الموارد والنفقات لثلاث سنوات والخطوط العريضة لمشروع قانون المالية للسنة الموالية؛
-قبل 31 يوليوز، يقدم وزير المالية عرضا حول الإطار العام لمشروع قانون المالية للسنة المقبلة أمام اللجنتين المكلفتين بالمالية في البرلمان تفعيلا للمادة 47 من القانون التنظيمي 130.13 المتعلق بالمالية العمومية،ويتضمن هذا العرض تطور الوضعية الاقتصادية الوطنية وتنفيذ قانون المالية للسنة الجارية في حدود 30 يونيو، والمعطيات المتعلقة بالسياسة الاقتصادية والمالية وكذا البرمجة الميزانياتية لثلاث سنوات؛
-بعد هذا العرض، يقوم رئيس الحكومة بتوجيه منشور للآمرين بالصرف لتقديم مقترحاتهم حول المداخيل والنفقات للسنة المالية المقبلة؛
-خلال شهر شتنبر، يتم تجميع ودراسة هذه المقترحات المتعلقة بالمداخيل والنفقات لكل قطاع وزاري وإعداد مشروع قانون المالية للسنة المقبلة والتقارير المرفقة له(14 تقرير حسب المادة 48 من القانون التنظيمي 130.13) ويتم إعداد هذا المشروع من طرف وزير المالية تحت إشراف رئيس الحكومة تفعيلا للمادة 46 من القانون التنظيمي 130.13؛
-بداية شهر أكتوبر، تتم المصادقة على مشروع قانون المالية للسنة المقبلة بالمجلس الوزاري بعد تطعيمه بالتوجهات العامة تفعيلا للفصل 49 من الدستور، بعدها تتم المصادقة عليه أيضا في المجلس الحكومي تفعيلا للفصل 92 من الدستور؛
– 20أكتوبر،إيداع مشروع قانون المالية للسنة المقبلة بالأسبقية لدى مكتب مجلس النواب تفعيلا للفصل 75 من الدستور، إلا أنه تجدر الإشارة إلى أنه يمكن للحكومة تجاوز هذا الأجل وليس هناك أي جزاء على التأخير في الإيداع.
-عقد جلسة عمومية مشتركة بين مجلسي البرلمان ليقدم وزير المالية عرضا حول مشروع قانون المالية للسنة المقبلة؛
-اجتماع لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب ليقدم وزير المالية عرضا حول مشروع قانون المالية للسنة المقبلة؛
-عقد اجتماع مشترك بين لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب ولجنة المالية والتخطيط والتنمية الاقتصادية بمجلس المستشارين ليقدم وزير المالية عرضا حول مشروع قانون المالية للسنة المقبلة،دون أن ننسى بأن كل وزير يقدم مشروع قانون المالية الفرعي للسنة المقبلة أمام اللجان المعنية،نلاحظ أن الحضور القوي لوزير المالية بالبرلمان يؤكد لنا هيمنة الحكومة على مشروع قانون المالية السنوي وكذلك التأثير في التصويت عليه من طرف البرلمان، فحضوره المتكرر ليس من أجل التكرار فقط وإنما من أجل تبرير مواقف الحكومة وإقناع البرلمان،فالتكرار يولد الإقرار، كما أن الوزير هو شخصية سياسية لذا من المحتمل أن يقنع البرلمان أو لا، لهذا نجد أن المشرع الدستوري فتح المجال للوزراء بموجب الفصل 67 بأن يستعينوا بمندوبيهم،وبالتالي للتأثير بشكل قوي في البرلمان، يتم إحضار بمعية وزير المالية، المدير العام للضرائب والمدير العام للجمارك والخازن العام للمملكة، وبالتالي فإحضار المسؤولين سيؤثر بشكل كبير على البرلمان لأنهم سيتكلمون بلغة الأرقام وسيكونون أكثر إقناعا؛
-إن الأجل القانوني المحدد في المادة 49 من القانون التنظيمي 130.13، وهو 58 يوما للدراسة والمناقشة والتصويت على مشروع قانون المالية السنوي من طرف البرلمان، 30 يوما بالنسبة لمجلس النواب، 22 يوما بالنسبة لمجلس المستشارين، 6 أيام للبت النهائي من طرف مجلس النواب، يطرح عامل امتياز للحكومة وهنا تظهر الهيمنة الحكومية على إعداد قانون المالية السنوي،إذ يصعب على البرلمان دراسة مشروع قانون المالية من كل النواحي مرفوقا ب14 تقريرا داخل أجل 58 يوما، وبالتالي يجد نفسه أمام قبوله أو تعديله أو رفضه، فمسألة التعديل شبه مستحيلة وإن كانت متاحة بموجب الفصل 83 من الدستور الذي يعطي للبرلمان إمكانية التقدم بمقترح للتعديل، لأن المشرع الدستوري أعطى للحكومة إمكانية رفض مقترح التعديلات بموجب الفصل 77 الذي حدد أسباب رفض مقترحات التعديل، وإذا تقدم البرلمان بمقترح تعديل خارج تلك الأسباب فهنا الحكومة ستجد نفسها مجبرة على قبول تلك المقترحات، إلا أن المشرع الدستوري قد فتح المجال للحكومة في التحكم في جدول أعمال البرلمان بموجب الفصل 82 من الدستور وبالتالي هي التي تتحكم في المشاريع والمقترحات التي ستعرض على أنظار البرلمان يعني هذا أنها يمكنها بسهولة إقبار تلك المقترحات البرلمانية التي تنوي تعديل مشروع قانون المالية السنوي، أما بخصوص رفض مشروع قانون المالية السنوي فمستحيل لأن الحكومة منبثقة من الأغلبية البرلمانية.
إن المشرع المغربي منزه عن العبث ولا ينطق عن الهوى، وإنما قام بوضع هذه الضمانات لخلق نوع من التوازن بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية ولتفادي الصراعات الحزبية السياسية، فالمشرع الدستوري المغربي بوضعه لهذه الامتيازات الحكومية يكون قد خطى نفس خطوات المشرع الدستوري الفرنسي إذ أن دستور الجمهورية الخامسة لسنة 1958 قام بتقليص سلطات البرلمان والتوسيع من صلاحيات الحكومة، عكس دستور الجمهورية الرابعة لسنة 1946.

المحور الثاني :أهم مضامين مشروع قانون المالية لسنة 2021

إن ما يميز مشروع قانون المالية للسنة المقبلة،أن المؤسسة الملكية تدخلت بشكل قوي من خلال تنزيل مضامين خطاب العرش وخطاب ثورة الملك والشعب وخطاب افتتاح البرلمان لهذه السنة، نظرا للموقع الدستوري الذي تحتله في النظام المغربي، وتتلخص أهم التوجيهات الملكية التي سينبني عليها مشروع قانون المالية للسنة المقبلة في ما يلي:
+-تسريع تنزيل خطة إنعاش الاقتصاد الوطني، من خلال دعم القطاعات الإنتاجية ورفع قدرتها على الاستثمار والحفاظ على مصادر الدخل وتوفير مناصب الشغل، ثم دعم المقاولات الصغرى والمتوسطة، بل أكثر من ذلك سيتم إحداث صندوق محمد السادس للاستثمار الذي ستخول له الشخصية المعنوية والإمكانات من أجل دعم القطاعات الإنتاجية وتمويل ومواكبة المشاريع الاستثمارية الكبرى بشراكة مع القطاعين العام والخاص، بل أكثر من ذلك سيركز هذا الصندوق على القطاعات ذات الأولوية حددها جلالة الملك في خطاب افتتاح البرلمان لهذه السنة.
ومن أجل إنعاش الاقتصاد الوطني ستعطى الأولوية للمقاولات والتعاونيات المغربية في إبرام أشخاص القانون العام للصفقات العمومية معها، كما سيتم تشجيع المنتوح الوطني.
كما سيتم تنزيل الاستراتيجية الملكية في القطاع الفلاحي بجعله رافعة للتنمية القروية من خلال تخصيص الأراضي السلالية والجماعية للاستثمار وخلق فرص الشغل للشباب القروي مما يسرع في إدماجهم المهني في سوق الشغل وتم التأكيد على هذا المعطى في خطاب افتتاح البرلمان لسنة 2018 وخطاب ثورة الملك والشعب لسنة 2019 وخطاب افتتاح البرلمان لسنة 2020، وبالتالي سيؤدي تنزيل هذه الاستراتيجية إلى الاستقرار بالعالم القروي والحد من الهجرة القروية نحو المدن.
-تعميم التغطية الاجتماعية، فجلالة الملك في خطاب العرش لهذه السنة أكد أن جائحة كورونا وإن كانت أبانت عن حجم التلاحم والتعاون والتضامن بين السلطات العمومية والمواطنات والمواطنين،إلا أنها أبانت كذلك عن المحدودية والضعف، لاسيما حجم القطاع غير الهيكل وضعف شبكات الحماية الاجتماعية خاصة الطبقات الهشة وهناك العديد من القطاعات تتأثر من تقلبات الظروف الخارجية، لهذا فقد أكد جلالة الملك أنه سيتم تعميم التغطية الاجتماعية وإعطاء الأولوية للمجالات المهمة لهذا نلاحظ أن مشروع قانون المالية للسنة المقبلة أعطى الأولوية لقطاع التعليم من خلال تنزيل الأوراش الملكية الإصلاحية الكبرى والرفع من ميزانية التعليم وإعطاء الأولوية كذلك لقطاع الصحة والرفع من ميزانيته، فهذا القطاع خصوصا نجد أن جلالة الملك انتقده في خطاب العرش لسنة 2018، وستتم إعادة النظر في المشاريع والبرامج الاجتماعية باعتماد مبادئ الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة، كما ستتم مواصلة تنفيذ باقي البرامج الاجتماعية كالنسخة الثالثة للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية 2019-2023.
-إصلاح القطاع العام عبر اعتماد مشروعي قانونين، الأول متعلق بإحداث وكالة وطنية مهمتها التدبير الاستراتيجي لمساهمات الدولة ومواكبة أداء المؤسسات العمومية،هذه الوكالة تم التنصيص عليها في خطاب العرش وخطاب افتتاح البرلمان لهذه السنة،أما المشروع قانون الثاني فيتعلق بإصلاح المؤسسات والمقاولات العمومية، كما ارتكز مشروع قانون المالية للسنة المقبلة في إصلاح القطاع العام على تنزيل القانون 55.19(3) المتعلق بتبسيط المساطر والإجراءات الإدارية، وتسريع رقمنة الإدارة، إذ هذين المعطيين أكدت عليهما المؤسسة الملكية في أكثر من مناسبة في خطاب افتتاح البرلمان لسنة 2016، في خطاب العرش 2018 وخطاب العرش لسنة 2019،وبالتالي تم تضمينهما ضمن المرتكزات الأساسية التي سيقوم عليهما مشروع قانون المالية للسنة المقبلة،دون أن ننسى تكثيف الجهود في ما يتعلق بالتنزيل السريع لميثاق اللاتمركز الإداري(4) من أجل مواكبة الجهوية المتقدمة.
نلاحظ أن المؤسسة الملكية تهتم بالطبقة الوسطى وتنوه بأهميتها في الحفاظ على تماسك واستقرار المجتمع، حيث قال جلالة الملك محمد السادس في خطاب ثورة الملك والشعب السنة الماضية :»… إن المجتمع مثل البيت، متكامل البنيان، أساسه المتين هو الطبقة الوسطى، بينما تشكل الطبقات الأخرى باقي مكوناته.
والمغرب ولله الحمد، بدأ خلال السنوات الأخيرة، يتوفر على طبقة وسطى تشكل قوة إنتاج، وعامل تماسك واستقرار.
ونظرا لأهميتها في البناء المجتمعي، فإنه يتعين العمل على صيانة مقوماتها، وتوفير الظروف الملائمة، لتقويتها وتوسيع قاعدتها، وفتح آفاق الترقي منها وإليها… « إلا أنه مع كامل الأسف حكومة العدالة والتنمية في مشروع قانون المالية للسنة المقبلة 2021،قامت بفرض ضريبة جديدة على الأشخاص الذاتيين الذي يفوق دخلهم الشهري 10 آلاف درهم وكذا الشركات التي يفوق ربحها الصافي 5 ملايين درهم، وإن كانت هذه المساهمة الضريبية التضامنية ستمكن من تمويل صندوق دعم الحماية الاجتماعية والتماسك الاجتماعي إلا أننا نجد فيه ضربا للطبقة المتوسطة، وكما يرى الدكتور» المنتصر السويني» بأن الطبقة السياسية التي تقود الحكومة كان عليها أن تبدع في البحث عن تمويلات من خلال حذف إزدواجية المهام والتعويضات والتقاعد، فإذا كان جزء من الطبقة السياسية يرفض المس بتعويضاته فعليه كذلك ألا يخضع أجور الطبقة المتوسطة إلى المزيد من الضرائب.
إن تمويل الميزانية حسب المادة 11 من القانون التنظيمي 130.13 يتم من المداخيل الضريبية وغير الضريبية، بالإضافة إلى المديونية، ويعتبر الدكتور «المنتصر السويني» أن الحكومة بفرضها الضريبة التضامنية على الموظفين والأجراء لم تبدع ولم تخرج عن الإطار العادي، بمعنى أنها لم تبحث عن حلول أخرى لتمويل الميزانية.
إن فرض هذه الضريبة التضامنية هو مساس بالطبقة المتوسطة خاصة في هاته الظروف الاستثنائية، وقد يرى البعض بأن البرلمان باعتباره نائبا عن الأمة سيرفض هذه الضريبة، لكن كما تطرقنا في المحور الأول أن الحكومة تملك امتيازات عليه، ومن الطرق التي يمكن للحكومة اللجوء إليها لتمرير هذه الضريبة نجد ما يلي:
-تقديم وزير المالية عرضا حول مشروع قانون المالية أكثر من مرة في قبة البرلمان إشارة واضحة من أجل تبرير موقف الحكومة وإقناع البرلمان،كما أن وزير المالية باستعانته بالمسؤولين في وزارته سيزيد من نسبة إقناع البرلمانيين؛
-تحكم الحكومة في جدول أعمال البرلمان بموجب الفصل 82 من الدستور، وبالتالي تضع المشاريع والمقترحات التي تراها هي مناسبة، بمعنى يمكنها تأخير المقترحات البرلمانية التي لا ترغب فيها؛
-الفصل 77 من الدستور يعطي للحكومة إمكانية رفض مقترح التعديلات البرلمانية، مما يجعل البرلمان مغلول الأيدي يناقش ويعارض وينتقد دون أن يغير أي شيء؛
-إذا عدنا للفصل 83 من الدستور، نجد أن الحكومة بإمكانها رفض التعديلات البرلمانية إذا لم تعرض من قبل على اللجنة المعنية بالأمر.
وفي نفس الفصل نجد أن الحكومة تملك امتيازا آخر يعزز من قبول الضريبة التضامنية، إذ يمكنها أن تعرض مشروع القانون المالية كله أو بعضه على المجلس ليبت فيه بتصويت واحد، مع الاقتصار على التعديلات المقترحة أو المقبولة من طرف الحكومة، ويمكن للمجلس المعروض عليه نص مشروع قانون المالية أن يعارض على هذه المسطرة بأغلبية أعضائه، وهنا يستحيل أن يعارض لأن الحكومة منبثقة من الأغلبية البرلمانية.
-إذا عدنا للفصل 103 من الدستور نجد أن الحكومة تملك امتيازا آخر وهو أن يطلب رئيسها أن يربط مواصلة الحكومة تحمل مسؤوليتها بتصويت يمنح الثقة بشأن تصريح يدلي به في موضوع السياسة العامة، أو بشأن نص يطلب الموافقة عليه. ولا يمكن سحب الثقة من الحكومة أو رفض النص إلا بالأغلبية المطلقة لأعضاء مجلس النواب، هنا نلاحظ أن الحكومة يستحيل رفض طلبها لأنها منبثقة من الأغلبية البرلمانية وبالتالي ستمرر مشروع قانون المالية دون مناقشة أو تصويت بكل سهولة؛
+إذا عدنا كذلك للفصل 75 من الدستور نجد امتياز آخر كذلك بحيث إذا لم يتم في نهاية السنة المالية التصويت على قانون المالية أو لم يصدر الأمر بتنفيذه بسبب إحالته على المحكمة الدستورية تطبيقا للفصل 132 من الدستور، فإن الحكومة تفتح بمرسوم الاعتمادات اللازمة لسير المرافق العمومية والقيام بالمهام المنوطة بها، وبالتالي في حالة ما امتنع البرلمان التصويت على مشروع قانون المالية بسبب الضريبة التضامنية فإن الحكومة ستفتح في نهاية المطاف الاعتمادات وستفعل مشروع قانون المالية بطريقة غير مباشرة،وبالتالي يبقى تصويت البرلمان عديم الجدوى؛
-إذا عدنا للمادة 52 من القانون التنظيمي 130.13، نجد أن البرلمان مفروض عليه أن يصوت على الجزء الأول من الميزانية المتعلق بالمداخيل،بعدها يصوت على الجزء الثاني المتعلق بالنفقات، وبالتالي هذا امتياز للحكومة، لأن الضريبة التضامنية تندرج في الجزء الثاني من الميزانية، وبالتالي بمجرد أن يصوت البرلمان على الجزء الأول فإنه بشكل أوتوماتيكي سيصوت على الجزء الثاني، لأن الحكومة أثناء إعدادها لمشروع قانون المالية تحترم أهم مبدأ تقوم عليه المالية العمومية وهو «التوازن»؛
-في حالة ما تم رفض هذه الضريبة التضامنية من طرف البرلمان وهذا الأمر مستبعد، فإن الدستور المالي أي القانون التنظيمي 130.13 فتح الباب للحكومة بفرض رسوم شبه ضريبية بمرسوم يتخذ باقتراح من الوزير المعني بالأمر ووزير المالية وذلك حسب المادة 67 من القانون التنظيمي أعلاه، وبالتالي ستقوم الحكومة حينها بفرض تكليف جديد دون الحاجة لإذن من المؤسسة التشريعية، لأن هذه الأمور من اختصاص السلطة التنظيمية وحتى إن تم التقدم بمقترح برلماني، للحكومة رفض هذا المقترح بموجب الفصل 79 من الدستور الذي يؤكد أن الحكومة يمكنها أن تدفع بعدم قبول كل مقترح أو تعديل لا يدخل في مجال القانون.
-كما أشرنا سابقا أن عامل الوقت المحدد للبرلمان ضيق جدا، سواء في الدراسة والتصويت على مشروع قانون المالية السنوي(58 يوم) أو قانون المالية المعدل(15 يوم) وبالتالي فالمؤسسة التشريعية سيصعب عليها دراسة مشروع قانون المالية لسنة 2021 من جميع الجوانب.
تبقى نقطة أخيرة أن المؤسسة الملكية يمكنها التدخل باعتبارها الساهرة على صيانة الحقوق والحريات للمواطنات والمواطنين والجماعات بموجب الفصل 42 من الدستور الجديد، وكما قال الدكتور «المنتصر السويني» في تعريفه للضريبة بأنها عنف مادي واقتطاع من الملكية، وبما أن الملكية حق من حقوق المواطنات والمواطنين وحق من حقوق الإنسان بصفة عامة منصوص عليه في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948،وبالتالي يمكن للمؤسسة الملكية صيانة وحماية هذا الحق من خلال رفض الضريبة التضامنية التي ستمس بالطبقة المتوسطة والتي هي عماد المجتمع، وذلك من خلال تفعيل الفصل 95 من الدستور إذ يمكن للملك أن يطلب من كلا مجلسي البرلمان أن يقرآ قراءة جديدة كل مشروع أو مقترح قانون،وتطلب القراءة الجديدة بخطاب ولا يمكن أن ترفض.
وفي الختام، بكل صدق وموضوعية، إن مشروع قانون المالية لسنة 2021 ما يميزه أنه سيتم تنزيل فيه جميع التوجيهات الملكية السامية، أما بخصوص الضريبة التضامنية وإن كانت الحكومة قد لجأت للفصل 40 من الدستور، لكن هذه الضريبة لا تعتبر حلا ناجعا، لأنها ستمس بالطبقة المتوسطة، فعلى الحكومة أن تستفيد من التدبير الحكيم للمؤسسة الملكية، لأنه في بداية جائحة كورونا، ظهر لنا جليا التدبير الجيد للمؤسسة الملكية، فهي لم تلجأ إلى فرض الضريبة التضامنية وإنما قامت بإحداث صندوق تدبير جائحة كورونا تفعيلا للفصل 70 من الدستور والمادة 26 من القانون التنظيمي 130.13 المتعلق بالمالية العمومية حيث أن حجم المساهمات فاق التوقعات، هنا يظهر لنا التدبير الجيد والحكيم للمؤسسة الملكية، وبالتالي على الحكومة أن تسير في نفس الاتجاه وأن تبتكر الحلول الناجعة للتخفيف على المواطنات والمواطنين تداعيات هذه الجائحة وليس فرض ضريبة ستثقل كاهل الطبقة المتوسطة.

الهوامش :

1-ظهير شريف 1.15.62 الصادر بتنفيذ القانون التنظيمي 130.13 المتعلق بالمالية،بتاريخ 2 يونيو 2015،الصادر في الجريدة الرسمية عدد 6370،بتاريخ 18 يونيو 2015،الصفحة: 5810.
2-ظهير شريف 1-11-91 الصادر بتنفيذ دستور 2011،بتاريخ 29 يوليوز 2011،الصادر في الجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر،بتاريخ 30 يوليوز 2011،الصفحة: 3600.
3-ظهير شريف 1.20.06 الصادر في 6 مارس 2020 بتنفيذ القانون 55.19 المتعلق بتبسيط المساطر والإجراءات الإدارية، الصادر في الجريدة الرسمية عدد 6866 بتاريخ 19 مارس 2020،الصفحة: 1626.
4-مرسوم 2.17.618 بمثابة ميثاق اللاتمركز الإداري الصادر بتاريخ 26 دجنبر 2018، والصادر في الجريدة الرسمية عدد 6738 بتاريخ 27 دجنبر 2018، الصفحة: 9787.

* باحث في القانون العام

الكاتب : البشير الحداد الكبير - بتاريخ : 27/10/2020

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *