مصير «لاسامير» امتحان للحكومة في وطنيتها وفي توجهاتها الاقتصادية والاجتماعية

محمد إنفي

أوحى لي بهذا الموضوع عنوان عمود الأخ عبد الحميد جماهري(مدير النشر والتحرير بجريدة «الاتحاد الاشتراكي») ليوم الثلاثاء 9 فبراير، «صمت الحكومة: لا سامير… لا مجي بكري»، الذي يلخص بامتياز وتميز الموقف السلبي للحكومة من قضية ذات أبعاد وطنية وسياسية واقتصادية واجتماعية.
فما هي هذه القضية؟ إنها، ببساطة وباختصار شديد، قضية مصير «معلمة صناعية مغربية دشنها المغفور له الملك محمد الخامس سنة 1960 (…) في إطار حكومة كان يقودها علمان من أعلام الحركة السياسية والوطنية المغربية المشمولان بعفو الله عبد الله إبراهيم وعبد الرحيم بوعبيد» (مصطفى الإدريسي، «الجبهة الوطنية لإنقاذ سامير: 10 تهم في حق الحكومة تدين التصفية القضائية للشركة»، جريدة «الاتحاد الاشتراكي»، السبت/الأحد، 13/14 فبراير 2021)، وتم تعطيل هذه المعلمة في عهد حكومة بنكيران. فالأمر يتعلق، إذن، بمُنشأة اقتصادية وطنية كبيرة؛ إنها المصفاة الوطنية الموجودة بمدينة المحمدية والمعروفة اختصارا بـ»سامير» (الشركة المغربية للصناعة والتكرير).
إن موقف الحكومة من هذا الصرح الوطني مريب للغاية وعلى أكثر من مستوى، خاصة وأن الجميع يعلم أن للمحروقات آثارا واضحة على ميزانية الدولة وعلى الأوضاع الاجتماعية. فهل نحن أمام مؤامرة ضد الاقتصاد الوطني؟ أم أمام فشل الاختيار السياسي والاقتصادي للدولة؟ أم أمام نموذج من سوء التدبير؟ أم…؟ أم…؟
فأن تتوقف «لاسامير» في شهر غشت 2015، ويتم تحرير قطاع المحروقات في شهر دجنبر من نفس السنة بدون اتخاذ أية ترتيبات تنظيمية أو قانونية تحمي المستهلك وتحافظ على القدرة الشرائية للمواطنين، أمر لا يمكن أن يُنظر إليه إلا بريبة وتوجس، إلى درجة الشك في وطنية البعض، وفي طوية البعض الآخر…إذ مثل هذا الخطأ السياسي والاقتصادي الفادح المرتكب من طرف حكومة بنكران، وعجز الحكومة الحالية، التي يقودها نفس الحزب، عن تصحيح هذا الخطأ، أمر مريب حقا. فهل نحن أمام تغلغل الليبرالية المتوحشة والسيطرة المطلقة للوبيات المحروقات التي تراكم الأرباح الفاحشة على حساب الدولة وعلى حساب المستهلك؟ أم أمام جهاز تنفيذي عاجز عن ابتكار الحلول، لكن «حاذق» في رفض المقترحات الإيجابية الهادفة إلى تحصين المصالح الوطنية؟ وهل بمثل هذه الحكومة يمكن أن ينجح المغرب في إنجاز الثورة الاجتماعية التي أعطى ملك البلاد انطلاقتها في المجلس الوزاري الأخير؟ وغير ذلك من التساؤلات التي تفرض نفسها على كل من يحاول أن يفهم الوضع السياسي والمؤسساتي بالبلاد.
وبالرجوع إلى الأرقام التي أوردها عبد الحميد جماهري في عموده، نكتشف حقيقة صادمة. فالخسارة التي تتكبدها الدولة بسبب تعطيل الإنتاج بشركة «سامير»، كبيرة وأرقامها مهولة(عشرات المليارات، وحوالي 4500 منصب شغل، منها أزيد من 1000 مباشرة)؛ ومع ذلك، فالحكومة تصم آذانها وتغمض أعينها عن هذه الحقيقة المرة؛ بل وترفض كل المبادرات الهادفة إلى إنقاذ هذه المعلمة الوطنية، سواء منها المبادرات التشريعية (مقترح قانون تقدم به الاتحاد الاشتراكي، تلاه مقترح الفريق الكونفدرالي والاتحاد المغربي للشغل، وساندته قوى سياسية تمثل «العصب المركزي لكتلة العمل الوطني الديمقراطي في أوساط الشعب المغربي») أو المبادرات النضالية والاجتماعية والحقوقية (الجبهة الوطنية لإنقاذ المصفاة المغربية للبترول) التي ترافع عن مصلحة البلاد من خلال مرافعتها عن «سامير».
أليس هذا فشلا في امتحان الوطنية بالنسبة للحكومة التي راهنت على توجهات اقتصادية واجتماعية لا تخدم المصلحة الوطنية في شيء، وإنما تخدم مصالح المستوردين الموزعين منذ تحرير القطاع بدون أية ترتيبات تنظيمية وقانونية تحمي المستهلك وتحافظ على القدرة الشرائية للمواطنين. وبما أن هذه الحكومة ترفض كل المبادرات الهادفة إلى إنقاذ منشأة اقتصادية تاريخية قادرة على ضمان التوازن داخل قطاع المحروقات، فإنها قد برهنت عن فشلها أم أن الأمر يتعلق باستسلام الحكومة لضغوطات اللوبي المتحكم في هذا القطاع بعد أن تم تحريره؟
ومما يزيد في الغموض وفي الشكوك، فإن الحكومة رفضت مقترح قانون يتعلق بتفويت أصول شركة «سامير» إلى الدولة المغربية، لكنها لم تقدم أي تبرير لذلك الرفض، رغم أن المقترح جاء من حزب يشارك في الحكومة.

الكاتب : محمد إنفي - بتاريخ : 17/02/2021

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *