مغاربة العالم.. بين المشاركة الواعية والاستعمال السياسوي
فيصل العراقي
في السنوات الأخيرة، تزايدت الأصوات داخل أوساط الجالية المغربية المقيمة بالخارج المطالبة بتفعيل الفصل 17 من دستور 2011، والذي ينص على الحق الكامل للمغاربة المقيمين في الخارج في المشاركة السياسية، بما في ذلك التصويت والترشح في الانتخابات. غير أن المتأمل في مضمون هذا الخطاب سيلاحظ أنه يركز أساسا على الحق في التصويت والمشاركة البرلمانية، متجاهلا بشكل شبه تام قضية جوهرية أكثر أهمية، والمتمثلة أساسا في إرساء تمثيل مؤسساتي حقيقي ودائم للجالية من خلال انتخاب مجلس خاص بها.
هل تكفي المشاركة في الانتخابات البرلمانية داخل المملكة المغربية كي نكون شركاء فعليين في صياغة السياسات الوطنية؟ أم أن الأمر لا يعدو أن يكون مشاركة رمزية ما لم يرافقه تمثيل مؤسساتي دائم؟ إن اختزال المشاركة السياسية في مجرد “التصويت” يحول مغاربة العالم إلى مجرد كتلة انتخابية موسمية، بدل أن تكون مكونا حيويا وشريكا دائما داخل منظومة القرار الوطني.
من جوهر القضية إلى هامش الخطاب: لعبة تحويل النقاش
ما يحدث الآن أشبه بما يمكن أن يسمى بـ “تحويل النقاش”، حيث يتم من خلاله إعادة توجيه الحوار من قضية جوهرية تتطلب إصلاحات هيكلية، إلى مطلب جزئي يُسهل استيعابه دون المساس بمراكز التأثير. فبدلا من أن يدور النقاش حول ضرورة انتخاب مجلس الجالية المغربية بشكل ديمقراطي، يتم اختزاله في المطالبة بحق التصويت البرلماني فقط، وهو ما يطرح تساؤلات حول ذلك.
إن إرادة تليين المطالب لتكون مقبولة سياسيا، حيث يتم استبدال المطالب الشاملة بمطالب محدودة. وإبعاد النقاش عن جوهر القضية الأساسية مهما كانت الأسباب، يقلل من فرص تحقيق تمثيل حقيقي للجالية، ويبقي الأمر في إطار تجميلي لا يلامس عمق المشكلة وليس من صالح لا مغاربة العالم بشكل خاص والمشروع الديمقراطي الحداثي بشكله العام.
المفارقة: بين النص الدستوري والفراغ التشريعي
الفصل 17 من دستور 2011 يضمن بشكل صريح حق المغاربة المقيمين بالخارج في التصويت والترشح، وتقديم لوائح انتخابية خاصة بهم. ومع ذلك، لم يتم إلى اليوم إصدار القوانين التنظيمية اللازمة لتفعيل هذا الحق. بل وأكثر من ذلك، فإن المجلس الاستشاري الحالي للجالية، الذي يفترض أن يمثلهم، غير منتخب، ويعين أعضاؤه خارج أي آلية ديمقراطية.
تصحيح مسار النقاش: لا ديمقراطية بدون تمثيل
إننا بحاجة إلى تصحيح جذري لمسار النقاش داخل الجالية. إن التصويت مهم، نعم، لكنه ليس بديلا عن التمثيل الديمقراطي المستقل، فلا يمكن أن تكون الجالية مجرد ناخب صامت، بل يجب أن تكون قوة اقتراحية ولها الحق في الرقابة والمسائل والمشاركة دائمة.
ولذلك، فإن مطلبنا لا ينبغي أن يتم اختزاله في مجرد تفعيل التصويت، بل يجب أن يشملانتخاب مجلس وطني للجالية، ومن طرف الجالية نفسها أولا، ثانيا يجب تشكيل دوائر انتخابية بالخارج تمكن من اختيار ممثلين شرعيين داخل المؤسسة التشريعية حتى يتمكن مغاربة العالم من ربط التمثيل بالمساءلة والشفافية، لا بالولاءات الشخصية مقابل التعيين.
من أجل تمثيل لا تصويت
فقط
إن مغاربة العالم في الخارج ليسوا مغاربة الحوالات المالية أو كفاءات يتم استعمالها حسب الحاجة، حتى وإن كان مغاربة العالم مستعدين لبذل الغالي والنفيسمن أجل هذا الوطن، إنهم جزء حي وواعٍ من الأمة المغربية ويفتخرون بانتمائهم لهذا الوطن والدفاع عن ثوابته، ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلا من خلال إسماع صوتهم داخل المؤسسات الوطنية، صوت ينبني على تمثيلية موضوعية، لهذا فالجالية المغربية بالخارج تستحق تمثيلا ديمقراطيا حقيقيا يفرز من خلال إرادتها لضمان تمثيل حقيقي يعكس الطبيعية الحقيقية لمغاربة العالم ويعبر عن قضاياها ورؤاها وتطلعاتها لوطن يتسع للجميع ويحتضن الجميع ويسهم الجميع في بنائه والدفاع عن قضاياه، وهذا الأمر لن يتحقق من خلال بناء فوقي معزول عن واقع مغاربة العالم أو من خلال صفقات سياسية.
واجبنا جميعا اليوم أن نقف ضد تحويل الخطاب، وضد بيع حق الجالية في التمثيل مقابل مناصب بالتعيين. فالوطن لا يبنى بالتأمل والصمت بل بالفعل، ولا ينصف بالتعيينات، بل يحترم بالصوت الحر والمؤسسات المنتخبة والخيار الديمقراطي، وهوخيار لا رجعة فيه، كما عبر عن ذلك جلالة الملك مرارا وتكرارا سواء بشكل مباشر أو بشكل ضمني كما هو الحال في خطاب العرش الأخير.
الكاتب : فيصل العراقي - بتاريخ : 06/08/2025

