مقاربة النوع، «البوز » النافع ورقصة مايا الفنية في أعالي البحار

الحسين بوخرطة

إن نشر صورة وسط البحر، مع التعسف في تعمد ربط صاحب موقع مؤسساتي مسؤول مع اللوحات الفنية للراقصة مايا، يثير أكثر من تساؤل. من التقط هذه الصورة في يخت وسط البحر؟ من أعطى الأمر بنشرها وما الغرض من ذلك في هذه اللحظة السياسية التي يعيشها المغرب؟ هل هو محرم دينيا أو ثقافيا ربط صداقة بين فنانة رقص ومسؤول إداري أوسياسي؟ لماذا تم استهداف مصطفى التراب شخصيا بالرغم من بعده التام عن الصراعات السياسية المعهودة؟ لماذا تم تكذيب الإدعاء ونشر التعبيرات المدعمة لهذا الرجل باستحضار امتداد عائلته النضالي؟ لماذا نظمت لقاءات صحافية مع مايا واضطرارها للقسم أن الشخص الوارد في الصورة ليس هو التراب؟ لماذا تم افتراض أن هذا الإدعاء سيغضب الجمهور، وسيمس بالشرعية الإدارية والسياسية للمدير العام للمكتب الشريف للفوسفاط؟ هل تم استهداف كلمة «الشريف» في العملية برمتها؟ لماذا تم تعمد تشييئ الفنانة الراقصة ووضعها في موقع ضعف وبذل الجهد في الدفاع عن شخص التراب بدون التركيز على كونها فنانة كبيرة تتعب نفسها يوميا للحفاظ على جاذبية ورونق جسدها وجمالها وصقل لوحات حركاتها الفنية؟ لماذا تم ربط الحدث بانتشار وباء الكورونا، وإثارة مسألتي الحجر الصحي وحالة الطوارئ؟ لماذا لجأ عدد كبير من المدافعين عن التراب إلى استعمال الدين من خلال إثارة كونه ملتزم بالصلاة في وقتها حتى في الإدارة باجتماعاتها المكثفة والمتعبة؟ … إلخ.
بدون البحث عن تقديم الأجوبة عن الأسئلة أعلاه، يجد المتتبع نفسه أمام طرح سؤال جوهري وإشكالي : «من المستفيد من هذا الحدث؟». ففي كنه الأحداث التي راجت بقوة في كل الأوساط الشعبية، برز المثل «رب ضارة نافعة» بشكل واضح. لقد تمكن المغاربة، من خلال تعقيبات وتصريحات المدافعين عن مصطفى التراب، من الإطلاع بالتفاصيل الكافية على مكانته وخبرته العلمية والفكرية والمهنية، وأن تاريخه الشخصي في اكتساب المعرفة خول له الوصول إلى أعلى المراكز عالميا، إلى درجة أكد العديد من المتدخلين في القضية أن قبوله قيادة تدبير إحدى المؤسسات الجوهرية في البلاد والأجر المرتبط بذلك له دوافع وطنية وليس مادية. كما تبين أن إثارة التراب كنموذج، ومثله الآلاف من المغاربة الذين يحتلون مراكز دولية عالية وبأجور خيالية في الخارج، لا يمكن أن تترك أي أب أو أم محايدا، وأن لا يرتمي بمخيلته حالما ببذل الجهود المطلوبة لتكوين وتعليم فلذة أكباده(ا). إن توفر البلاد على هذه النماذج من الأطر، المطلوبة في الخارج بحدة، لا يمكن ألا تدفع أي مغربي أو مغربية إلى الاعتزاز والافتخار بدور الأسرة والمحيط في خلق وإنتاج النخب في البلاد. فالطاقات التي تستطيع، بدعم أسري دائم وتأطير سياسي وجمعوي مكثفين وصادقين، الوصول إلى مستوى النجومية في كل المجالات العلمية والرياضية والفنية والعلمية والفكرية، تفتح لها الأبواب على مصراعيها للعيش في مستويات عالية من الرفاهية والسعادة والكرم. فإضافة إلى مساهماتها اليومية في تقديم الخدمات الجليلة إلى مواطني بلدها أو شعوب العالم في المجالات الصحية والغذائية والترفيهية والتكنولوجية والفضائية والفكرية والأدبية والفنية والرياضية،… نجدها حاضرة بقوة في الملحمات الوطنية ومدعمة للفئات الفقيرة والمعوزة … إلخ. إنها الطاقات التي تستعمل الدولة المغربية كل إمكانياتها لتحفيزها على رفع الراية المغربية في مختلف المنابر الوطنية والدولية، وبالتالي تمكين الوطن من مزايا تعبيراتهم الصادقة عن انتمائهم الوطني، خاصة في المناسبات الرمزية المعبرة عن نجوميتهم العالمية. وفي نفس الوقت، لا يخفى على أحد أن الدولة المغربية تقدم لهم كل التحفيزات المادية والمعنوية للعمل داخل الوطن وتسخير خبرتهم وتجربتهم في تنمية بلدهم والدفاع عن وحدتها الترابية. أما المستفيد الثاني، فهو الفنانة والأستاذة «مايا»، التي تخصصت في فنون الرقص والرفع من قدرتها على تطويع جسدها الأنثوي بالكدح الرياضي والفني للرفع من جاذبيته من خلال لوحات وحركات مذهلة ورشيقة ذات جمالية كبرى. فكل من اهتم بحدث التراب، اضطر للبحث عن ما يرتبط بشخصية هذه الفنانة من خلال تتبع فيديوهاتها ومحتوى قناتها ومجلتها الإلكترونية، بحيث لا يجد نفسه إلا أمام فنانة، ذات سلوك عصري، وملمة باللغتين الفرنسية والإنجليزية، وتركز في دروسها الفنية على أن الرقص ليس مرادفا «للتنقاز والطيران» و»الإيحاءات الجنسية»، بل هو لوحات تجسد تعبيرات فنية للجسد لا يمكن اكتسابها إلا من خلال الكدح وقهر النفس في الرياضة والتداريب المضنية.
هذا بالنسبة للتراب ومايا، أما ما يتعلق بموضوع مقاربة النوع، فلا يمكن أن لا يعترف كل واحد منا أن العلاقة بين الذكر والأنثى لا تزال في الأطوار الأولى من تطورها. فالوجود الأنثوي ككينونة مادية ومعنوية مستقلة (جسد وفكر) في فضاءات الترفيه والتسلية والترويح عن النفس لا يعبر عن التطور المطلوب في مجال إدماج المرأة في التنمية. فكم من فتاة مجتهدة وذات إمكانيات عالية في الذكاء والتحصيل والتراكم المعرفي تجبر عائليا على سلك سبيل مستقبلي لا تقبله. قد نجد العائلات، ذكورا وإناثا، في المطاعم والمقاهي ومحلات الموسيقى والرقص، لكن وجود الذكر والأنثى بمنطق التوازن الاعتباري على أساس الصداقة أو الارتباط النضالي أو الثقافي أو الفكري في كل هذه الأماكن قليل جدا. فلوحات تواجد الجنسين إنسانيا في الأماكن العمومية السالفة الذكر تعبر في الغالب عن دونية المرأة مقارنة مع جليسها، وأن في الغالب يكون سبب تواجدهما على نفس الطاولة ارتباط عاطفي أو تهييء للغوص في لقطات حميمية، يلعب فيه الذكر دور الراعي ماديا ومعنويا. في نفس الآن، لا يمكن لأحد منا أن لا يصادف مرارا وتكرارا افتخار الشباب بمحبوبتهم مع تحريم الحب عن الأخوات والأمهات المطلقات أو الأرملات.
إن النقاش في شأن صحة الحديث النبوي «لاعبوا أبناءكم سبعاً، وعلّموهم سبعاً، وصاحبوهم سبعاً» يكتنفه طابع المحافظة بحيث لجأت بعض تعبيرات المقاومة إلى تغيير محتواه جزئيا لترسيخ السلطة الأبوية من خلال إحلال كلمة تأديب محل تعليم للحفاظ على الطاعة في العلاقة، بحيث أصبح الحديث: «لاعبوا أبنائكم سبعاً (من سنه إلى سبع سنين) وأدبوهم سبعاً (من سبع إلى أربعة عشر سنه) وصادقوهم سبعا ( من أربعة عشر إلى واحد وعشرين سنه) ثم اتركوا لهم الحبل على الغارب ( بعد واحد عشرين سنة اتركوهم فقد حصنّتموهم)»، ولجأ البعض الآخر إلى الطعن في صحته لتكريس السلطة الأبوية حتى في الكبر لتحويل الذرية، خاصة الذكور، إلى مصدر دعم مادي، وإجبار الإناث على الزواج المبكر لخفض تكاليف الأسرة. أما علميا، فقد أكد المختصون أن التعليم في السبع سنين الأولى بالنسبة للطفل يجب أن يكون أساسه اللعب المؤطر، وفي السبع الثانية ترتفع قدرته على التعلم واكتساب المعارف، أما في السبع الثالثة، التي تصادف مرحلة مراهقته، يبقى على الوالدين مصاحبة أبنائهم لمساعدتهم على دعم شخصيتهم الأساسية والعبور إلى سنوات المسؤولية.
لقد رقصت مايا بحرا، واطلعنا على مجهوداتها الدؤوبة والدائمة لصقل جسدها وترويضه على إبداع اللوحات الفنية الجذابة، واتهم مصطفى التراب واطلعنا على نبذة شخصيته العلمية والفكرية والمهنية، وتبقى حاجة المغاربة إلى حكومات وطنية قوية مطلبا جوهريا لتعليم الأجيال عمق العلاقة بين المسؤولية والحرية، خاصة في أزمنة الكساد الاقتصادي العالمي.

الكاتب : الحسين بوخرطة - بتاريخ : 29/08/2020

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *