من أجل مغرب يليق بثقة مواطنيه نريد انتخابات لا تشوبها شائبة
نورالدين زوبدي
في خضم التحضير للاستحقاقات الانتخابية المقبلة، يتصاعد النقاش بين مختلف الفاعلين السياسيين والمهتمين بشأن طبيعة هذه الانتخابات المنتظرة، هل ستكون فعلاً محطة استثنائية من حيث التنظيم، الإشراف، والمصداقية؟ أم أننا أمام نسخة مكررة من تجارب سابقة فقدت فيها العملية الانتخابية الكثير من وهجها وثقة المواطن فيها؟
الرهانات هذه المرة كبيرة وغير مسبوقة، فالمغرب مقبل على محطتين تاريخيتين مفصليتين، أولاهما تتعلق بالطي النهائي للنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، وثانيتهما ترتبط بالتنظيم الثلاثي لنهائيات كأس العالم 2030 إلى جانب إسبانيا والبرتغال، هاتان المحطتان تتطلبان صورة مؤسساتية قوية، ومشهدًا سياسيًا ناضجًا يقنع الداخل والخارج معاً بأن المغرب ماض بثقة في طريق الإصلاح والديمقراطية والتنمية.
من هنا، فإن أي انزلاقات أو ممارسات مسيئة للعملية الانتخابية لم تعد مقبولة ولا مسموحاً بها إطلاقاً، فالخطأ، وإن كان بسيطاً، ستكون له تكلفة باهظة على صورة المغرب داخلياً وخارجياً، لذلك يجب أن يكون هامش الخطأ محدوداً إلى أقصى درجة، أما الخطأ العمدي أو المقصود، فيجب أن يُدان بوضوح، ويتم التنصيص عليه صراحة في القانون التنظيمي للانتخابات، مع تفعيله بصرامة ومسؤولية.
مراجعة مدونة الانتخابات، رغم أهميتها، لن تكون ذات أثر فعلي إذا لم تندرج ضمن إصلاح شمولي عميق، يستهدف سد الثغرات القانونية، وتجويد الأداء المؤسساتي، وتعزيز آليات المراقبة الفعالة من أجل ضمان الشفافية والنزاهة وتكافؤ الفرص.
وتتحمل الأحزاب السياسية مسؤولية جوهرية في هذا المسار، من خلال حسن اختيار مرشحيها، بما يعكس احترامًا حقيقيًا لقيم الكفاءة والاستقامة والمسؤولية، فهذه العملية ليست فقط شرطًا لنجاح الانتخابات، بل تُعد مدخلًا لتخليق الحياة العامة وتحقيق المصداقية، فما يُنشر من متابعات ومحاكمات ضد منتخبين ومسؤولين حزبيين، يُعطي للأسف انطباعًا واسعًا بأن الحقل السياسي ما زال يعاني من اختلالات عميقة، وأن الفساد ينخره من الداخل، لذلك فإن السعي لتصدر المشهد الانتخابي لا يجب أن يتم على حساب صورة المغرب وسمعته، بل يجب أن يكون أداة لتكريس نموذج سياسي جديد يحترمه المواطن ويثق فيه.
إن أي محاولة لتقزيم هذا الورش الإصلاحي أو الالتفاف على روحه، ستكون خطأ تاريخياً فادحاً، وسيُسجّل أن من سعى إلى ذلك وقف ضد إرادة ملكية واضحة، وضد توجه وطني جامع يروم خدمة البلاد، وتصحيح الصورة النمطية التي حاول خصوم المغرب الترويج لها للنيل من وحدته الترابية وعرقلة مسار نموه وتقدمه.
استحضار المصلحة الوطنية قبل أي اعتبار حزبي أو حسابات سياسية ضيقة لم يعد مجرد مطلب، بل واجب وطني لا يقبل التردد أو التأجيل. لقد أكد جلالة الملك في أكثر من مناسبة على هذا التوجه، داعياً إلى مؤسسات منتخبة تتمتع بالمصداقية، وتُعيد الثقة للمواطن، وتكون قادرة على مواكبة تحديات المرحلة المقبلة.
نريد انتخابات حرة ونزيهة، تعكس إرادة المغاربة، وتفرز نخباً جديدة قادرة على تحمل المسؤولية، ومواكبة أوراش التنمية، ورفع منسوب الثقة في المؤسسات، فالمغرب اليوم ليس كما كان، والتحديات أمامه تتطلب نفساً ديمقراطياً جديداً يُجسد طموحات الشعب، ويُعبّر عن مغرب استثنائي في مرحلة استثنائية.
الكاتب : نورالدين زوبدي - بتاريخ : 12/08/2025

