من المسيرة الخضراء إلى الاعتراف الأممي: لحظة سيادة وتحول مغاربي
محمد السوعلي(*)
هل كان القرار الأممي الصادر يوم 31أكتوبر 2025 مجرد انتصار دبلوماسي للمغرب، أم بداية لمرحلة سياسية جديدة تُعيد رسم معالم الدولة والجهة والمجتمع؟
كيف نجح المغرب، بقيادة جلالة الملك محمد السادس، في تحويل معركة الدفاع عن الصحراء إلى مشروع بناء سيادي وتنموي؟ وما موقع الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في هذا التحول التاريخي، باعتباره قوة فكرية وسياسية ساهمت في ترسيخ الشرعية الوطنية وربط النضال من أجل الوحدة بالعدالة المجالية والديمقراطية الاجتماعية؟ ثم، كيف يمكن لهذا الاعتراف الدولي أن يفتح الطريق نحو مغرب عربي موحد يقوم على التعاون لا الصراع، وعلى التنمية المشتركة بدل الانقسام الإيديولوجي؟
تلك هي الأسئلة التي يطرحها هذا المقال، في محاولة لقراءة اللحظة المغربية الراهنة في أبعادها السياسية، والملكية، والحزبية، والمغاربية، انطلاقاً من رؤية تقدمية تجعل من الوحدة الوطنية نقطة انطلاق لمشروع الإصلاح والنهضة.
سيادة مغربية تحت الشرعية الدولية
شكل يوم 31 أكتوبر 2025 منعطفًا تاريخيًا في مسار الوحدة الترابية للمملكة المغربية، بعدما تبنّى مجلس الأمن الدولي القرار رقم 2797 الذي حسم بشكل واضح في شرعية الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية كحل وحيد للنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية.
لقد أنهى هذا القرار عقودًا من المراوغات السياسية وكرّس باسم المجتمع الدولي سيادة المغرب الكاملة على أقاليمه الجنوبية، فاتحًا مرحلة جديدة في التاريخ الوطني عنوانها الاعتراف الدولي بشرعية المشروع المغربي، وممهّدًا لبناء نموذج تنموي وجهوي موحد من طنجة إلى الكويرة.
وصف الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية هذا الحدث بأنه «فتح جديد للأمة يجدد روحها التحررية والوحدوية»، مؤكداً أن المغرب عاش يومًا لا يقل عظمة عن لحظة الاستقلال والمسيرة الخضراء.
إنها لحظة اكتمال المسار التاريخي الذي قاده الملوك الثلاثة: محمد الخامس للاستقلال، الحسن الثاني للوحدة، ومحمد السادس للسيادة والتكامل.
الخطاب الملكي: من الدبلوماسية الدفاعية إلى البناء السيادي
جاء الخطاب الملكي الذي ألقاه جلالة الملك محمد السادس دقائق بعد صدور القرار الأممي بمثابة التتويج السياسي لمسار دبلوماسي متزن وهادئ. فقد حمل الخطاب رسائل عميقة: أولها تأكيد أن “الوطن يسعنا جميعاً”، وثانيها أن يد المغرب ممدودة دوماً من أجل بناء مغرب عربي متكامل ومتضامن.
لقد أعاد الخطاب السامي توجيه البوصلة من معركة الدفاع عن الصحراء إلى معركة بنائها وتعميم النموذج المغربي في التنمية، والاستقرار، والديمقراطية الترابية.
وقد عبّر الاتحاد الاشتراكي عن اعتزازه الكبير بالحكمة الملكية المتبصرة التي “جمعت بين القوة في الموقف والرصانة في التدبير”، مشيراً إلى أن هذه الرؤية الملكية تمثل الانتقال من التدبير إلى التغيير، ومن إدارة الأزمة إلى صناعة الحلول.
بهذه المقاربة، تحوّلت القضية الوطنية من نزاع إقليمي إلى مشروع سيادي شامل يربط بين التحرير والوحدة والسلام.
الاتحاد الاشتراكي… من الترافع الوطني إلى البناء المؤسساتي
في قلب هذا التحول، كان الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية حاضراً فكراً وموقفاً. فمنذ مؤتمره الثاني عشر، اعتبر الحزب أن معركة الصحراء ليست فقط معركة جغرافية، بل معركة لبناء مغرب العدالة والمؤسسات.
وفي تصريحه عقب القرار الأممي، شدّد الكاتب الأول على أن “المرحلة المقبلة ليست للاحتفال بالنصر، بل لتحمل مسؤولية الإصلاح الوطني”، مؤكداً أن هذا القرار “ميلاد ورش كبير يتطلب تعبئة فكرية وتنظيمية لإعادة هيكلة الجهوية وتفعيل مقتضيات الحكم الذاتي وفق العدالة المجالية”.
وقد جاء في بلاغ الحزب أن “الاتحاد الاشتراكي، باعتباره جزءًا حيًا من النسيج الوطني، ظل في قلب معركة التحرير والوحدة، ويعتز بأن إنصاف المجتمع الدولي لحقوق المغرب هو إحقاق لحق تاريخي وسيادي مشروع قدمت البلاد من أجله تضحيات جسيمة”.
بهذا المعنى، فإن الانتصار الدبلوماسي للمغرب هو أيضًا انتصار للفكر الوطني الديمقراطي الذي نادى به الاتحاد منذ عقود، حين ربط بين النضال من أجل الوحدة الترابية والنضال من أجل الدولة الاجتماعية والديمقراطية.
وفي هذا الإطار، أكّد الكاتب الأول أن تنزيل الحكم الذاتي سيستلزم “مجهودات كبرى على مستوى الدستور والقوانين، وتحديد حاجيات كل جهة بخصوصياتها”، لأن المرحلة الجديدة هي لحظة بناء دولة الجهات وتفعيل العدالة الترابية التي طالما دافع عنها الحزب.
انتصار مغربي وتحول مغاربي
على المستوى الإقليمي، لم يكن القرار الأممي مجرد دعم للمغرب، بل تحول استراتيجي في موازين القوى داخل شمال إفريقيا. فقد وجدت الجزائر نفسها بعد انسحابها من العملية الأممية في عزلة سياسية خانقة، بعدما فقدت أطروحتها الانفصالية أي صدى دولي.
وفي المقابل، اختار المغرب منطق السمو السياسي واليد الممدودة. وقد حيّى الاتحاد الاشتراكي في بلاغه “الروح الملكية العالية التي عبّرت عن إرادة متجددة لفتح صفحة جديدة مع الجزائر، من أجل مستقبل الأجيال القادمة من أبناء المغرب الكبير”.
إن هذا الموقف التاريخي ينسجم مع هوية الاتحاد الاشتراكي كامتداد لحركة التحرير الشعبية ذات البعد المغاربي، التي طالما رأت في وحدة المصير المغاربي مشروعاً استراتيجياً لا يقل أهمية عن الوحدة الترابية.
فالقرار الأممي في نظر الحزب ليس فقط تثبيتاً لسيادة المغرب، بل “إنجاز مغاربي مستقبلي” يعيد الأمل في قيام اتحاد مغاربي جديد قائم على التعاون والتكامل والديمقراطية.
نحو عهد مغربي جديد: من النصر السياسي إلى الإصلاح الديمقراطي
يعيش المغرب اليوم لحظة فارقة تتجاوز الفخر الوطني إلى الانتقال نحو إصلاح وطني شامل. فبعد أن أغلقت المعركة الدبلوماسية بقرار أممي واضح، تفتح المعركة التنموية على مصراعيها: إعادة توزيع الثروة، تعميق اللامركزية، وتكريس دولة الجهات في ظل قيادة ملكية حكيمة ورؤية وطنية جامعة.
وفي هذا السياق، يؤكد الاتحاد الاشتراكي أن “زمن المغرب الموحد هو زمن الإصلاح الجديد”، وأن المرحلة القادمة تستوجب “تعميق البناء الديمقراطي والتأهيل الترابي العادل والقوي”.
إنها رؤية تنسجم مع التحول الكبير الذي يقوده المغرب اليوم: من الدولة المركزية إلى الدولة الجهوية، ومن الدفاع عن الوحدة إلى تجسيدها بالتنمية.
رؤية الاتحاد الاشتراكي للمستقبل
في ضوء هذا التحول التاريخي، يؤكد الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية أن معركة الصحراء كانت ولا تزال امتداداً لمشروع وطني شامل يقوم على الديمقراطية الاجتماعية والعدالة المجالية.
ويعتبر الحزب أن مرحلة ما بعد الاعتراف الأممي تستوجب تعبئة وطنية لإطلاق ورش الإصلاح العميق: ترسيخ دولة الجهات، تقوية الاقتصاد الوطني، ومحاربة الفقر والتفاوتات.
فالمغرب، كما يؤكد الحزب، يدخل اليوم مرحلة البناء الهادئ للسيادة الداخلية على قاعدة التنمية والإنصاف، منفتحاً على جيرانه بروح التعاون والوحدة المغاربية.
إنها رؤية تقدمية مغربية بامتياز، تجعل من الوحدة الترابية منطلقاً لوحدة سياسية واقتصادية جديدة، ومن النصر الدبلوماسي قاعدةً لنهضة وطنية تسير بثقة تحت القيادة الرشيدة لجلالة الملك محمد السادس، في أفق بناء مغرب العدالة والتكامل والديمقراطية الفاعلة.
خاتمة: مغرب السيادة والإصلاح
من المسيرة الخضراء التي شكلت مبادرة غير مسبوقة لاستعادة جزء من وطن محتل إلى قرار أممي توج سنوات من الجهد والعمل الدؤوب، ومن موقع لم يكن دوما سهلا في القارة الإفريقية إلى التمكن من احتلال موقع إقليمي ريادي، يواصل المغرب كتابة فصول تاريخه بحكمة الملوك وثبات الشعب.
لقد انتصر الوطن بالعقل والحق، وأثبت أن الدبلوماسية الهادئة أبلغ من الخطابات الصاخبة، وأن الشعوب الحرة لا تُقاس بعدد الحروب التي تخوضها، بل بعدد المشاريع التي تنجزها.
إنها لحظة ميلاد مغرب السيادة والإصلاح، مغرب يقود تحولات المنطقة من موقع القوة الهادئة والرؤية المتبصرة، ويمضي نحو بناء مغرب عربي موحد، ديمقراطي، مزدهر…مغربٌ استعاد وحدته، ويستعد الآن لاستكمال نهضته.
(*)الكاتب الإقليمي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بتطوان
الكاتب : محمد السوعلي(*) - بتاريخ : 03/11/2025

