من يبحث عن الشرعية السياسية؟

د. مصـطـــفى غلــمــان

من الضروري أن نتعلم السياسة، فهي مبدئية أساسية في الحياة الاجتماعية، وفي النظام العام للسياسة العمومية.
وليس صحيحا أن ننكص توجهاتنا بإزائها، ونترك الحبل على الغارب، ثم ننفض العمل، بكل ما يمت لها بصلة، وبعد ذلك، نعلق مشاكلنا على فشل السياسيين والدولة، ومشاكل التدبير، والانتهازيين والرجعيين  .. الأفكار البالية المتجردة من سؤال المواجهة والتحليل المنطقي للأشياء!؟
المشاركة السياسية هي عملية بيداغوجية أخلاقية، قبل أي شيء آخر. هي نفسها التصور الواقعي للحياة الاجتماعية البسيطة. إيقاع تنظيمي نووي، على شاكلة نموذج الأسرة الصغيرة، تحاكي حجم البرامج المنتظرة، طرق تصريفها زمنيا، وتاكتيكيا.
هناك محيط اجتماعي مختلف، رؤى غير متناسقة في قراءاتها للأحداث والوقائع والملمات.
باستطاعة كل منا أن يرى من موقع مسؤوليته،  تمثلاته، انزياحاته، نسقيات التفكير التي توجه بوصلة وجوده وتقييمه للمشاريع، أن يقرر ويعتبر ويتماهى، ويخلق انطلاقا من أفكاره وبرامجه. أن يؤسس تقاليده واعتباراته الخاصة، وأن يتحلل من مناطق التقييد ووضعياته الهشة. وأن يعلن حصيلة إنجازاته ونواقصها أيضا، بعد سيرورة وامتداد في البدائل والاختبارات.
المشكل عندنا، أن كل الاعتبارات السالفة الذكر، هي تعيش بيننا على قدر تشكلها وتواردها،  في الزمن الذي يعزل رغبتنا في التغيير.
بمعنى أننا نرى فقط، تحت فرض قهري، ما تبديه معالم تمثلاتنا للسياقات والاعتبارات المحكومة بفعل أو سلوك محط إشادة وتجوهر. سرعان ما تغيب هذه الفاعلية، وتنزاح، وتتوارى، كأننا نلح على قصر النظر وتعثره، وانتقاله من غير مساءلة تقييمية لدرجات قابلياتنا وتراجعاتنا، مع ما يحملانه من شغور الفكر وانفعاله واحتدائه بما يعمر ويفعل وينفعل ويدرك ويدور ويخلق ويمتد ..
ماذا أدركنا بعد الغياب القسري المغامر والمنفك، عن الإبداع في التعاطي مع السياسة؟
هل قدمنا حلولا مجافية لوضعيات منهوكة القوى والمسارات المكرورة؟
هل تحوطنا بما يلزم من الخيال السياسي الإيجابي والواسع، من أجل إيقاظ حواس شبابنا وإثمار رؤاهم الناضجة، الضاجة بالطموح والحماس، من أجل تمتيعهم بما يشرع هواء الحوار والمشاركة في الأنشطة العمومية، وتفتيق مكامن معارفهم في مواجهة الحجاج والإقناع والتربية على حركة العقل، ومجاورة عين القيم المتغايرة؟
كيف سنمكن شبابنا من ضبط آليات فهمهم للسياسة في مجال تدبير ملفات تنموية فاشلة ومعوقة عن أداء مهماتها لخدمة المواطنين؟
هل نتدبر حصر تلك الجهود اللصيقة بفهوم المآلات الديمقراطية، على اعتبار تنافرها وعوارها، في المبدئيات التشريعية والقانونية، ومشاغل التمثيليات في المؤسسات المنتخبة؟ أم نعيد هدم المغشوش وابراء الذمة، وتوجيه النقد لمن يستحق، مهما كان حجم الخسارات؟
هذه أولويات نظرية، في فهم مبدئية التمكين السياسي، وإشاعة العمل الأخلاقي والالتزام بنظريته الديمقراطية.
عندما نطرح ذلك، نشعر بمدى الضيق الذي تعانيه النخب المغربية القادمة. مادام سؤال النجاعة المعرفية للتوظيف السياسي، ينشغل بالقشور والهوامش المغلفة بقضايا تافهة، ولا تشكل صمام أمان للعقل السياسي الصانع ..
مجرد فكرة، انتابني قلق وجودي عند اقترابها من مسلة ضوء خفيت، وهي تمسح طيف كمونها داخل مساحة من بقعة زيت تنتشر على امتداد تخطيطنا للقادم من الانتخابات ..
هزمنا نقاش قضية «القاسم الانتخابي» واعتبرنا الرحلة مصيرية، مشوبة باندفاعات نحو الغالب والمغلوب، أو الناصب للعداء والمواجه له … وكأننا في رحى حرب يستعد فيها الخاسر أن يسقط غريمه في مطبات غضوب؟!

الكاتب : د. مصـطـــفى غلــمــان - بتاريخ : 05/03/2021

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *