من يرغب في قبر الجزائر وقتلها ؟
رشيد قنجاع
تمارس السياسة الدولية عبر كل ربوع العالم وانطلاقا مما رسمه وحدده علم العلاقات الدولية، وفق قواعد مضبوطة عاقلة تخضع لحسابات دقيقة لا تقبل بالمغامرة والجهالة والتطرف، ذلك رغبة في الرقي والتنمية وتحقيق الاستقرار العالمي، كأسمى هدف يرمى إليه اليوم في عالم متسم بحدة الصراع المتحكم فيه بين القوى الكبرى من أجل رسم معالم لعالم جديد وواضح ومتعدد الأقطاب، تدور أحداثه بين الصين وحلفائها والولايات المتحدة وأتباعها.
هذه الممارسة السياسية، وفق هذه الضوابط، منعدمة عند جارتنا الشرقية الجزائر، تجعلنا نقف في حالة من الحيرة والاستغراب وعاجزين عن الجواب عن أسئلة كلاسيكية في العلاقات الدولية من أبرزها أسئلة إشكالية محيرة: لماذا تفشل الجزائر في اتخاذ القرار السليم دوليا؟ من يتخذ القرار في الجزائر؟ من يريد أن يجعل من الجزائر دولة مارقة نشاز؟ لماذا وصلت السياسة في الجزائر إلى هذا الوضع من التأزم والانحدار؟ وأخيرا من يريد قتل وقبر الجزائر؟
إن أي متتبع للسياسة الخارجية الجزائرية سينتبه، بدون مواربة وبكل موضوعية وتجرد، إلى الفارق الشاسع بين سياسة بوتفليقة وتوازنها وأدوارها وديناميتها وحتى وهو في أيامه الأخيرة، وبين سياسة تبون وشنقريحة الغارقة في التسفيف والضعف والتخبط، سواء على المستوى الدولي، الإقليمي والعربي، وسواء على مستوى علاقاتها الثنائية مع المملكة المغربية التي تشهد أسوأ لحظاتها خلال السنتين الأخيرتين.
يعلم الجميع ولا يخفى على أحد من دارسي العلوم السياسية أن طبيعة النظام السياسي الجزائري هي طبيعة عسكرية تسلطية تحتل فيها النخبة العسكرية سلطة اتخاذ القرار وتستولي فيها هذه الطغمة العسكرية على أغلب مصادر ثروة الجزائر، وعلى رأسها ثروة الغاز والبترول، الذي يعرفان أزهى سنواتهما في بورصة التداول العالمي، منذ جائحة كورونا، مما أنعش مالية الدولة الجزائرية وجيوب المستفيدين القلائل من زمرة القيادة العسكرية ومن يدور في فلكها.
استطاعت هذه الطغمة العسكرية الالتفاف على الحراك الشعبي الجزائري الذي عمر عاما كاملا سنة 2019، رافعا شعارات داخلية وطنية تريد القطع مع الممارسات السلطوية وهيمنة مظاهر الاستبداد وكل أوجه الفشل التنموي، الناتج عن طغيان الفساد المالي والأخلاقي المتسلط بالضبط والتحكم والتضييق المطلق على الحريات الجماعية والفردية، وعبر تكريس الخوف من العودة إلى العشرية السوداء التي أرعبت المواطن الجزائري وعانى منها الويلات سواء من العسكر أو المنظمات المسلحة، جعل كل هذا من العسكر أن يتنفذ عبر المقاربة الأمنية التي وضعت العديد من نشطاء الحراك في السجون بالموازاة مع اللجوء إلى تصفية حساباته الداخلية بتقديم أسماء بارزة لرموز من نظام بوتفليقة للمحاكمات السريعة وغير العادلة، رافقه إجراء انتخابات رئاسية، أسفرت عن انتخاب عبد المجيد تبون رئيسا للجمهورية.
لم يكن الرئيس الجديد بالشخص الغريب عن الجزائريين، فهم يعرفونه وهو أضعف وزير في الحكومات المتعاقبة تقلد فيها منصب رئيس الوزراء الجزائري في حكومة 2017 وقبلها وزير للسكن والعمران وكذلك وزير للاتصال، ويعرفون حق المعرفة أن وصوله هو بإيعاز من العسكر لا لشيء سوى أنه بدون كاريزما وبدون خلفية دولتية، وفي نفس مستوى العبث والجهالة السائدة في القيادة العسكرية من حيث إدراكهم للمواقف المطلوب اتخاذها، ولا تختلف عن شخصيتهم ومسارهم، وأسلوبهم في اتخاذ القرار، ودوافعه الذاتية الغارقة في العقد والمصلحة الضيقة، جعلت من الدولة الجزائرية تراكم، بشكل غريب وفي ظرف قصير، سلسلة من الفشل على مستوى السياسة الداخلية تمثلت في العديد من التعديلات الحكومية، وفشل المشاريع والبرامج والمخططات المتخذة، إلى حدود الفشل في استغلال المجال الرياضي سياسيا لتحميس ورفع معنويات الجزائريين، وعلى مستوى السياسة الخارجية كان الفشل مدويا سواء في محاولة الوساطة إقليميا في الأزمات الواقعة بكل من ليبيا وتونس والسودان، وحتى الفشل في دغدغة عواطف الجزائريين بتوهيمهم في إمكان الجزائر لعب دور أساسي في المصالحة الفلسطينية-الفلسطينية التي ترعاها دوليا، وبشكل معلوم، كل من مصر وقطر وحاليا روسيا، واكتمل الفشل في رفض منظمة “بريكس” عضوية الجزائر فيها، في الوقت الذي قبلت عضوية مصر وإثيوبيا وإيران والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، كما كرس الفشل ديبلوماسيا في خلق عداوات ومشاكل مجانية مع كل من إسبانيا والإمارات العربية المتحدة، والنيجر ومالي والمغرب، الذي يشكل بالنسبة للسياسة الخارجية الجزائرية المستهدف الأول من هذه العداوات والمشاكل.
فمنذ وصوله قصر المرادية لم يبرح الرئيس تبون في بعث رسائل سلبية للمملكة المغربية بمناسبة أو بدونها، فهمناها في الوهلة الأولى على أنها محاولة من النظام الجزائري اللعب بقاعدة تصدير الأزمة للخارج وللجوار واستغلالها بطريقة متقنة من أجل تجاوز الوضع الداخلي المتأزم، الذي مازالت تخيم عليه تبعات حراك الجزائر. لكن الحقيقة أثبتت أن أصحاب القرار بالجزائر يتبنون قناعة راسخة مطلقة لمبدأ العداء الكلي للمغرب ولكل ما هو مغربي ولملك المغرب، الذي ظل مؤمنا بالحوار مع الجزائر، وساعيا لحل كل الخلافات الموروثة عبر أسس الحوار والجوار وعلاقة الشعوب والبعد المغاربي الاستراتيجي كفضاء للتعايش والازدهار والتنمية والمجال الوحيد القادر أن ينعم فيه ويحقق فيه المواطن المغاربي كل آماله ومتطلباته في التنمية والديمقراطية والتقدم والازدهار.
آخر وجه لهذا العداء وصل بالقادة وليس القائد بالجزائر إلى المس المباشر العلني والصريح بالسيادة الداخلية للمملكة، من خلال فتح ما يسمى “مكتب جمهورية الريف” بالجزائر، وبذلك يكون الرئيس الجزائري ومن خلفه العسكر يدقون آخر مسمار في السياسة الخارجية الجزائرية، ويضيفون إلى أخطائهم خطأ قاتلا على المستوى الدولي، لاعتبارات متعددة يمكن إجمالها في ما يلي:
أولا: كشفت حقيقة الجزائر في دعمها لجبهة البوليساريو أنه لا ينبني على مبدأ الدفاع عن حق الشعوب في تقرير المصير، بل هو موقف معاند وعدائي ومجاني للمملكة المغربية، بخلفية ذاتية مرضية عند المتنفذين من العسكر الجزائري الحاكم.
ثانيا : فضحت نفسها بكون سياستها الخارجية هي سياسة تنبني على التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وأن أدوارها في ليبيا وتونس والسودان ليست بنية التوحيد بل التجزيء.
ثالثا: أنهم طغمة لا يحترمون المواثيق الدولية سواء المؤسسة لهيئة الأمم المتحدة الداعية إلى احترام سيادة الدول العضو فيها والنهي عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وهو ما نصت عليه المادة 2/1 من الميثاق المؤسس.
ثالثا: أنهم طغمة لا يحترمون ويخرقون ميثاق جامعة الدول العربية الذي يكرس نفس ما جاء في ميثاق الأمم العربية، ويؤكد كذلك عدم جواز إتباع سياسة خارجية تضر بسياسة جامعة الدول العربية أو أية دولة من دولها.
رابعا : لا يحترمون ويخرقون ميثاق الاتحاد الإفريقي الذي يكرس هو نفسه ما جاء في مواثيق الأمم المتحدة والجامعة العربية.
خامسا : أن سياسات الطغمة الحاكمة هي تهديد للسلم والاستقرار الإقليمي، وتهديد كذلك لاستقرار وأمن حوض البحر الأبيض المتوسط وبما يشكله ذلك من تهديد لأمن وسلامة القارة الأوربية.
وأخيرا يمكننا إجمال هذه الطغمة وعلاقتهم بالجزائر بقصة النبي يوسف، فهم لا يحبون الجزائر ويرمونها اليوم في مستنقع النذالة والميوعة والحقد واللعب بالنار، وبجهالتهم السياسية والديبلوماسية يعلنون قتلهم للجزائر البريئة منهم.
الكاتب : رشيد قنجاع - بتاريخ : 11/03/2024