نعم لتمثيلية الجالية المغربية بالبرلمان، ولكن.. !

اسماعيل الحلوتي

مرة أخرى وفي خضم المعركة التي تخوضها بلادنا في مواجهة تفشي فيروس كورونا المستجد، وفي سياق المشاورات الجارية بشأن التحضير للاستحقاقات الانتخابية المزمع إجراؤها في خريف العام القادم 2021، يعود النقاش ليتجدد حول مقترح رفع عدد مقاعد مجلس النواب، بإضافة ثلاثين مقعدا لفائدة الجالية المغربية المقيمة في الخارج. وهو مطلب طالما نادت به الأحزاب السياسية منذ عدة سنوات وكلما لاح في الأفق هلال الانتخابات التشريعية، بدعوى منح المغاربة المهاجرين الذين لا يقل عددهم عن ستة ملايين، فرصة الانخراط في العمليات الانتخابية من حيث الترشح والتصويت.
فبينما مازال الخلاف على أشده حول «القاسم الانتخابي» بين الحزب «العدالة والتنمية» المتمسك بإبقاء طريقة احتسابه بناء على عدد الأصوات الصحيحة، وبين باقي الأحزاب التي تطالب بالاعتماد على عدد المسجلين في اللوائح الانتخابية العامة، يجري الحديث عن توافق وشيك حول عدد من النقط، وضمنها رفع عدد أعضاء مجلس النواب من 395 إلى 425 عضوا. وهو مقترح قانوني تنظيمي يقضي بتغيير وتتميم القانون رقم 11.27 المتعلق بمجلس النواب، الذي كان الفريق الاشتراكي قد تقدم به لمجلس المستشارين، متوخيا من خلاله تمكين المغاربة المقيمين في بلاد المهجر من مقاعد برلمانية. وترى فيه جميع الأحزاب مكسبا مهما ينضاف إلى مجموع المكاسب المحصل عليها في الولايات التشريعية المتوالية، وسيساهم لا محالة في استقطاب وجوه جديدة هناك في دول المهجر…
وجدير بالذكر أن المواطنين يطلقون على البرلمان بغرفتيه «مجلس النوام» منذ عقود مضت، لفرط ما باتوا يرونه من مشاهد مخجلة عن بعض ممثلي الأمة وهم يغطون في نوم عميق تحت قبة البرلمان، حيث إنهم لا يستفيقون ويتعالى صياحهم إلا في حالات تمرير مشاريع قوانين تلبي مطالب بعض الجهات العليا أو تخدم مصالحهم الشخصية والحزبية الضيقة، وكلما اقترب موعد الانتخابات التشريعية، حيث ينطلق السباق نحو تحقيق المزيد من المغانم والامتيازات، وخاصة تلك التي تروم الرفع من أعضاء مجلس النواب، تارة بواسطة لائحة الشباب، وأخرى بلائحة النساء ثم الجالية المغربية، مستغلين في ذلك عدم تحديد الدستور المغربي لسقف الأعضاء بالغرفة الأولى، كما هو الشأن بالنسبة للغرفة الثانية التي لا ينبغي أن يتجاوز أعضاؤها 120 مستشارا، ما لم تتم مراجعة الدستور.
فعلى عكس ما كان يقابل به المقترح من رفض قاطع لوزارة الداخلية في السابق، يبدو أن تفاهما حصل اليوم بين مؤسستي البرلمان والحكومة لإقراره، لفسح المجال أمام الجالية المغربية في إبداء الرأي والترافع عن مجموعة من القضايا الأساسية، لاسيما أن دستور 2011 يدعو إلى تمتيع هذه الفئة بكافة حقوق المواطنة على غرار باقي المغاربة في أرض الوطن، بما فيها الحقوق الثقافية والاجتماعية والسياسية وخاصة التمثيلية داخل مجالس الحكامة وسائر مؤسسات الدولة، حيث ينص الفصل 17 على أنه: «يتمتع المغاربة المقيمون في الخارج بحقوق المواطنة كاملة، بما فيها حق التصويت والترشح في الانتخابات، كما أنه بإمكان المهاجرين المغاربة تقديم ترشيحاتهم للانتخابات على مستوى اللوائح والدوائر الانتخابية المحلية والجهوية والوطنية».
وبعيدا عن القانون المحدد للمعايير الخاصة بالأهلية للانتخابات وحالات التنافس وشروط وكيفيات ممارسة حق الترشيح والتصويت، انطلاقا من بلدان الإقامة، فإنه لا أحد منا يجادل في وجاهة المقترح ويقبل بحرمان أزيد من 15 بالمائة من المغاربة، الذين دفعتهم الحاجة والبحث عن موارد الرزق إلى الهجرة، من المشاركة في تدبير الشأن العام ببلادهم والتواصل مع أبناء الشعب. ولا التنكر للدور الحيوي الذي يلعبونه في تنمية ثروات البلاد ودعم الاقتصاد، عبر تحويلاتهم المالية ومساهمتهم في الودائع المصرفية وتقليص نسبة الفقر …
فالتوافق حول المقترح السالف الذكر، أثار موجة عارمة من الغضب على صفحات التواصل الاجتماعي، حيث يرفض الكثيرون بشدة تمادي الأحزاب السياسية في استفزازهم بمثل هذه المقترحات التي تصب فقط في اتجاه مصالحها، وعدم اكتراثها بما يمكن أن تحدثه الثلاثين مقعدا إضافيا في مجلس النواب من كلفة مالية باهظة، إذ وحدها لائحة الشباب تكلف ميزانية الدولة خلال ولاية تشريعية واحدة عشرة ملايير سنتيم تستخرج من جيوب دافعي الضرائب، فكيف للعاطلين والجوعى والمرضى وغيرهم من المهمشين القبول بهكذا مقترحات في وقت مازالت فيه جذوة الاحتجاجات ملتهبة، مطالبة بإعادة النظر في تعويضات وامتيازات البرلمانيين وإسقاط معاشاتهم، فضلا عما قررته الحكومة من تقشف وترشيد النفقات في المؤسسات العمومية، حذف ترقيات الموظفين وتقليص مناصب الشغل… لمواجهة تداعيات جائحة «كوفيد -19»، التي ما انفكت تحصد مئات الأرواح وتسببت في فقدان آلاف العمال والمستخدمين لمناصبهم في المؤسسات والمقاولات المتضررة؟ !
إننا لا نعترض على تمثيلية الجالية المغربية بالبرلمان، لكننا نرفض تواصل الريع السياسي والمزيد من هدر المال العام بدون طائل، سيما أننا ندرك جيدا أن فعالية المؤسسات والمجالس لا تقاس بعدد أعضائها بقدر ما تقاس بمدى قدرتهم على الاضطلاع بمهامهم من حيث الأهلية والكفاءة والخبرة والنزاهة ونكران الذات. ثم من يضمن لنا حسن انتقاء المرشحين المتوفرة فيهم مثل هذه الصفات والشروط الموضوعية في ظل تفشي المحسوبية داخل الأحزاب؟ وما المانع من تحويل مقاعد الشباب باللائحة الوطنية التي ما فتئت تثير الكثير من الصخب واللغط إلى مقاعد خاصة بالمهاجرين، أو على الأقل مراجعة قيمة التعويضات والحد من الامتيازات ؟

الكاتب : اسماعيل الحلوتي - بتاريخ : 13/10/2020

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *