هل المرأة المغربية والجزائرية تسير في اتجاه المساواة على خطى التونسيات؟

رشيد العزوزي

 

ترمي الخطوة التونسية بخصوص المساواة التامة بين الرجل والمرأة، بما في ذلك الإرث، إلى الارتقاء بالحريات الفردية وحقوق المرأة لمستوى الدستور التونسي، الذي يعتبره المهتمون الأكثر تقدمًا في العالم الإسلامي.

تونس: من بناء الدولة الوطنية إلى تشييد الدولة المدنية

ضمن إطار الدخول إلى الدولة المدنية، أثنى المفكر سعيد ناشيد في اتصال معه على الطبقة المثقفة التونسية التي لم تستقل، عكس بلدان عربية أخرى، وانخرطت في نقاش الفضاء العمومي، تؤطره، وتدافع عنه، عبر حضورها الدائم في وسائل الإعلام التي شهدت انفتاحًا كبيرًا، واستقطبت خيرة المثقفين التنويريين في البلاد، ما جعل منها الأكثر أهلية لهذا النوع من الانتقال الحداثي في المنطقة.
«هذا المخاض الذي يعرف التونسيون حاليًا شبيه جدًا بما عاشه المغرب عام 2003، حين أعلن الملك محمد السادس عن تعديلات جوهرية في مشروع مدونة الأحوال الشخصية قيد بها تعدد الزوجات، ومنح المرأة الرشيدة حق تقرير مصيرها في الزواج، وهو ما تضمنته مدونة الأسرة. وعارض تلك المكتسبات في البداية التيار المحافظ قبل أن يقبل بها، وما كانت لتتحقق لولا إرادة حقيقية من أكبر سلطة في البلاد»، بحسب ما عبر عنه ناشيد لجريدتنا .
إن التحولات السوسيو ثقافية العميقة التي تشهدها تونس خلال السنوات القليلة الأخيرة نموذجية على أكثر من صعيد؛ لأنها اعتمدت منهجًا يكاد يكون متفردًا تاريخيًا، فهذا البلد الصغير جغرافيًا، استطاع خلخلة الذهنية الاجتماعية والبنى السياسية، متجهًا نحو الحداثة بخطى ثابتة من جهة، وبعيدًا عن الاستبداد الشرقي من جهة أخرى.
ما هو موقف التيار المحافظ في المغرب من الخطوة التونسية؟
يمكن القول إن التجاوب الإيجابي المرن الذي قابل به زعيم حزب النهضة التونسي راشد الغنوشي مقترحات الرئيس التونسي الأخيرة، أدى إلى عدم تصادمهما الواضح حتى الآن، رغم وجود مؤشرات عدة تدل على اختلاف تصورهما لشكل الدولة، والحريات الفردية، مثل تلك التي وصف فيها الغنوشي -من تركيا- الثورة التونسية بالإسلامية، وهو ما اعتبره السبسي فحشًا سياسيًا في إشارة عبر فيها الأخير عن احترام إرادة الأفراد الذين يختارون عدم العمل بالمساواة.
ومع ذلك، يسقطنا مثل هذا التجزيء في اختلالات عميقة، كما أوضح المحامي الباحث في شؤون الحركات الإسلامية عبد لله العماري في تصريح لجريدتنا، وأضاف: «فسح المجال لإمكانية الاختيار بين قانون وضعي وديني لا يتماشى وخصوصية القاعدة القانونية باعتبارها عامة ومجردة، وبدون هذين الشرطين تصبح مدخلًا للفوضى».   وقال العماري إنه يرفض فكرة المساواة في الإرث من أساسها في المغرب، «لأن المسألة الوحيدة التي نطق فيها لله بالرياضيات، أي التحديد والتدقيق (ثلث، ربع، ثمن..)، وهي أمور كان يجهلها عرب الجاهلية، وهذا لا يمكنه إلا أن يكون حكمة أزلية، ولو كانت مسألة للاجتهاد لقدم فيها سبحانه توجيهًا عامًا، من قبيل التعاون والإنصاف، خصوصًا أن الرجل لا يرث أكثر من المرأة في جميع الحالات».
ولم ينفِ المتحدث ذاته وجود حالة اجتماعية مغربية تطرح بعض الضيق، تحدث عندما يموت الرجل ويترك الأبناء ويستفيد معهم الأعمام؛ في هذه النقطة يمكن أن يجري الاجتهاد، لأن منطق القبيلة لم يعد قائمًا، أي الزمن الذي كان فيه الأعمام يحمون البنات.

الجزائر: تراكمات حقوقية كمية دون تحقيق قفزة نوعية

طالبت نادية آيت زاي، رئيسة مركز الإعلام والتوثيق لحقوق الطفل والمرأة “سيداف”، عام 2010، بالمساواة بين الرجل والمرأة في الميراث في الجزائر، لأنه نظام -كما تراه- موروث عن فترة ما قبل الإسلام، ميز العائلة الذكورية التي لم يكن للمرأة فيها شخصية قانونية في شبه الجزيرة العربية وقتها. وعلى خلاف اليوم، يعرف المجتمع الجزائري تطورات عدة، تجاوزت الاعتراف القانوني إلى دخول المرأة سوق العمل، الأمر الذي أحدث اضطرابات على مستوى الأدوار الاقتصادية والاجتماعية المعمول بها. كما دعت إلى إلغاء المادة الثانية من الدستور “الإسلام دين الدولة”، لأن المشرع -في تقديرها- أدخل نوعًا من الضبابية وعدم التطابق بين مجموعة المؤمنين ومجتمع المواطنة، على اعتبار أن الدستور ينظم الحقوق والواجبات، بناء على معيار المواطنة.
وبعد 7 سنوات، يبدو أنه لم يتحقق معظم ما طالبت به آيت زاي؛ فالتقرير السنوي الشامل الذي نشره موقع المنتدى العالمي حول المساواة بين النساء والرجال عام 2017، رسم صورة قاتمة عن وضع البلاد  باحتلالها المرتبة 127 من بين 144 دولة، في قضية احترام المساواة بين الجنسين، وهو ما اعتبر انتصارًا للقوى المحافظة، وشكل خيبة أمل للحركات النسائية والقوى التقدمية، التي ظهرت وكأنها تبحث عن معجزة حسب ما قاله لنا الناشط الحقوقي الجزائري أنور رحماني.

المساواة الكاملة مدخل
لدولة المواطنة

لقد تشبث المغرب، منذ عام 1992، بحقوق الإنسان، كما هو متعارف عليها عالميًا، وعمل على تكريس ذلك من خلال خطوات وتدابير سياسية ومؤسساتية عبر مراحل توجها دستور 2011 الذي اعتبر قفزة نوعية في المواطنة والحقوق والحريات. ومع ذلك، فقد ظلت مسألة المساواة بين الجنسين في الواقع كما هو متعارف عليها عربيًا، لا دوليًا.
في هذا السياق، قال المحلل السياسي رشيد لزرق إن موضوع المساواة في الإرث بالمغرب، يدخل ضمن مطالب تحقيق المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة، وتحقيقًا لمقومات دولة المواطن، مؤكدًا على أهمية مؤسسة إمارة المؤمنين -على خلاف تونس والجزائر- والمجلس العلمي الأعلى كمؤسسة دستورية، قادرة، رفقة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، على تدبير المعادلة، بتكريس قيم المساواة دون التصادم مع الشريعة الإسلامية.
وتابع في اتصال مع جريدة الاتحاد الاشتراكي: «نحن في حاجة إلى إبداع صيغة مغربية تقينا حملات التشويه والتكفير التي تقودها قوى التدين السياسي ضدنا في الحريات الفردية والمساواة، عبر الضرب في مقومات العيش المشترك في كنف السلم الاجتماعي والحرية، مما يحتم تجذير الاختيار الديمقراطي، الذي يقوم على حرية الرأي والمعتقد وحرية الضمير، وهي حريات ضمنها الدستور للجميع، وتهم التنوع الفكري والعقائدي الذي تسهر الدولة على حمايته».

الكاتب : رشيد العزوزي - بتاريخ : 17/04/2019