هل الهجرة مشكل وهمي أم حقيقي بفرنسا؟
باريس: يوسف لهلالي
هل الهجرة مشكل وهمي أم حقيقي في فرنسا؟ لا يقتصر هذا الإشكالعلى فرنسا بل يمس أغلب بلدان أوربا، بما فيها أوربا الشرقية التي لا تستقبل الهجرة، وترى فيها منافسا لليد العاملة التي تبعث بها إلى بلدان أوروبا الغربية. فالحديث عن الهجرة كمشكل، وبشكل سيء، يتزايد على الخصوص في الحقب الانتخابية التي تشهدها مختلف البلدان الاوربية.
رأينا ما شهدته فرنسا في الانتخابات الأخيرة، وكيف أصبحت حتى أحزاب الوسط واليسار تدخل أحيانا في مزايدات للحديث بشكل سلبي عن الهجرة، ويتم التوهم بأنها مشكلة وليست حلا لمشاكل هذه البلدان التي يعاني أغلبها من نقص حاد في النمو الديموغرافي وتراجع نسبة اليد العاملة، وهو ما يؤثر في أغلب الأحيان على نموها الاقتصادي ويهدد توازن صناديق التقاعد بهذه البلدان.
عند تنصيب الحكومة الفرنسية الجديدة لمشيلبارنييه، وقع مشهد سوريالي أثناء تسلم وزير الداخلية الجديد لمهامه، برونو روتايو وهو المعروف بانتمائه للجناح المتشدد لحزب الجمهوريين. تحدث عدة مرات عن ضرورة إعادة النظام، عن التشدد تجاه الهجرة، وزير الداخلية السابق، جيرار درمنان، وهو من الجمهوريين كذلك قبل أن يلتحق بحزب الوسط لماكرون، معروف عليه التشدد تجاه الهجرة وقربه من نيكولا ساركوزي، تحدث في حفل تسليم المهام الى وزير الداخلية الجديد عن الميز والعنصرية التي تعرفها فرنسا تجاه من هم من أصول أجنبية، وقال “إن كنا صادقين لو كان اسمي موسى مثل جدي الجزائري لما انتخبت رئيس بلدية ونائبا برلمانيا ولما أصبحت وزيرا لداخلية”، هذا التحول 180 درجة لم يفهمه الموظفون الدين كانوا حاضرين في هذا الحفل، وكأن موسى من أصل جزائري تحدث هذا اليوم مكان جيرار الفرنسي . وقال موسى لجيرار حجم الميز والعنصرية التي يتعرض لها الفرنسيون من أصول أجنبية كبير بفرنسا.
زعيم حزب العنصريين بفرنسا جوردان بارديلا لم يترك هذه الفرصة تمر دون أن يسأل الوزير، “من هو العنصري سكان توركوان الدين صوتوا عليك؟ أم مؤسسة الشرطة؟ أم فرنسا؟”
واعتبر في تغريدته تصريحات درمنان “إهانة لفرنسا”، وهو الآخر له أصول جزائرية من خلال جده.
عدد من المتتبعين للوزير على شبكة التواصل الاجتماعي، طرحوا عليه السؤال، لماذا تمكنت شخصيات مثل رشيدة داتي ونجاة بلقاسم وعثمان نصرو من الصعود السياسي بفرنسا رغم أسمائهم العربية (التلاثة من أصول مغربية)؟ الجواب كان أن أغلبهم لم يتمكن من النجاح في الاستحقاقات الانتخابية حيث يبقى الإسم عائقا إلا رشيدة الذاتي التي هي عمدة بأحد مقاطعات باريس، اعتبرها درمنان استثناءا وشخصية فريدة في الساحة السياسية بقدرتها على تجاوز هذه العوائق التي توجد بفرنسا تجاه ذوي الأصول المهاجرة الذي يحملون أسماء عربية. وأضاف أنه يتمنى ان تتجاوز فرنسا هذه الوضعية، وأنه لا يريد فرنسا اثناء الانتخابات أن تتحدث فيها مارين لوبين إلى “البيض”، وجون لوك ميلانشون الى الفرنسيين من أصول اجنبية. طبعا الذين ينتقدونه وينتقدون سياسته يقولون ماذا فعل خلال خمس سنوات كوزير لداخلية ينتمي لحكومة كانت تتوفر على أغلبية.
مناسبة هذا الكلام، هو علاقة الفرنسيين والأوربيين بالهجرة، وكيف أن جيرار درمنان عندما كان وزيرا، كان يقضى وقته في المزايدة على مارين لوبين في التشدد تجاه الهجرة، وعندما يغادر المسؤوليات يتحدث عن الميز والصعوبات التي يتعرض لها أبناء المهاجرين من فرنسا فقط لأن أصولهم أجنبية، وهو ما يعني أن الهجرة هي مشكل يتم توهمه.
حالة درمنان ليس استثناءا بل قاعدة تميز السياسيين الفرنسيين وتعكس نوع من الانفصام في الشخصية والسكيزوفرينيا في التعامل مع الهجرة بين موقفهم اثناء تحمل المسؤوليات حيث يرددون خطاب متشدد تجاه الهجرة والمهاجرين ونعتهم بشكل سلبي، وبين حياتهم الخاصة وخارج المسؤوليات حيث يعتبرون الظاهرة إيجابية لفرنسا وتعنيهم وتعني عائلاتهم أحيانا.هذا بالإضافة الى ان درمنان ينتمي إلى تاريخ معقد بين فرنسا والجزائر حيث كان جده جنديا بالجيش الفرنسي واختار فرنسا أي ما يسمى بالحركي الذين ساندوا استمرار الاستعمار الفرنسي.
إن اعتبار الظاهرة إيجابية، أي الهجرة، هو ما تعكسه اغلب الدراسات العلمية سواء بفرنسا أو بأوروبا، خاصة الجوانب الإيجابية على الاقتصاد وعلى الدينامية داخل هذه المجتمعات الأوربية التي تعاني من الشيخوخة بسبب التراجع الديموغرافي الحاد بها، وهو ربما ما يفسر تزايد الخوف داخل هذه المجتمعات. وهو ما يجعل أغلبية وسط هذه المجتمعات تتوهم الهجرة كمشكل وليس كحل لبلدانهم.
الكاتب : باريس: يوسف لهلالي - بتاريخ : 17/10/2024