هل تدخل مارين لوبين قصر الإيليزيه بفرنسا؟

باريس: يوسف لهلالي

 

فرضية دخول مارين لوبين إلى قصر الإيليزيه أصبحت واردة جدا بفرنسا بعد الانتخابات الرئاسية في دورها الأول، وأصبحت إمكانية لا ترعب الفرنسيين في رؤية ممثلة اليمين المتطرف في قصر الإليزيه في أعلى منصب لرئاسة فرنسا، وذلك نظرا للتقارب الكبير في النقط بينها وبين رئيس الجمهورية المنتهية ولايته إيمانويل ماكرون، الذي مازال يتصدر استطلاعات الرأي التي تعطيه الفوز في هذه الانتخابات.
هذه الفرضية أصبحت جدية، وحسب المتتبعين لهذه الانتخابات، فإن أحد أسباب تقدم لوبين هو نجاحها في رسم صورة أكثر اعتدالا لها وتقديم نفسها على أنها المرشحة الأكثر قدرة على التعامل مع مشاكل الفرنسيين من بينها ارتفاع الأسعار وتدهور القدرة الشرائية بفعل التضخم، كما أن منافسها يعاني من صورة سلبية باعتباره مرشح الأغنياء وممثلي الرأسمال.
وقبل الدورة الأولى، قامت بحملة هادئة ركزت خلالها على موضوع القوة الشرائية، الشغل الشاغل للفرنسيين. وأعادت تركيز صورتها أيضا، مستفيدة من التجاوزات والخطاب المتطرف للمرشح اليميني المتطرف الآخر إريك زمور، الذي حصل على 7 بالمئة من الأصوات في الدورة الأولى واستبعد بذلك من الدورة الثانية. الملفت للانتباه، أن اليمين المتطرف حصل، تقريبا، على ثلث أصوات الناخبين الفرنسيين في الدور الأول.
(مرشح حزب «الاسترداد» إيريك زمور (7.1٪) ونيكولا ديبون إينيان «انهضي فرنسا» (2.1٪)، هذا بالإضافة إلى أن مختلف الدراسات تشير إلى أن المرشح ايمانييل ماكرون ليس له احتياطي من الناخبين مقارنة مع منافسته مارين لوبين، خاصة أن آخر دراسة لدى ناخبي اليسار الذين يعول عليهم، تمت بحزب فرنسا الأبية بينت أن ثلثي الناخبين الذين صوتوا على جون ليك ميلونشون، والذي احتل المرتبة الثالثة بنسبة 22 في المائة من الأصوات، لن يصوتوا على ماكرون وسوف يمتنعون عن التصويت هذه المرة.
وإذا إضفنا إليهم 26 في المائة في الدور الأول، فإن الهامش جد ضعيف أمام مرشح فرنسا إلى الأمام. لهذا يطرح السؤال الكبير، عن مدى قدرته على إقناع هؤلاء المترددين من اليسار.
وحسب آخر استطلاع أجرته مؤسسة ايبسوس ونشرت نتائجه قبل يومين، من بين الفرنسيين الذين صوتوا لجون لوك ميلونشون خلال الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الأخيرة، يعتزم 33 بالمائة التصويت لصالح إيمانويل ماكرون في الجولة الثانية، و16 بالمائة لمارين لوبين بينما لم يفصح 51 بالمائة عن نواياهم للتصويت. (امتناع، تصويت فارغ أو ملغى).
وكمؤشر على تحول اليمين المتطرف إلى حزب مقبول بفرنسا كباقي الأحزاب، نظمت، قبل أيام، العديد من المظاهرات، أسبوع على الاستحقاق الرئاسي، حضرها مئات الأشخاص في باريس وفي حوالى ثلاثين مدينة فرنسية أخرى ضد اليمين المتطرف الذي لم يبد يوما قريبا بهذه الدرجة من الظفر بالرئاسة، بالرغم من اتساع الفارق بين لوبين وماكرون في الاستطلاعات الأخيرة التي توقعت فوز الرئيس المنتهية ولايته بنسبة 55 في المائة تقريبا.
هذه التظاهرات التي تمت في مختلف أنحاء فرنسا وبدعوة من عدة منظمات ونقابات، من أجل قول كلمة «لا» لليمين المتطرف،
لكن المشاركة الضعيفة بها، بينت التحول وسط الرأي العام الفرنسي الذي لم تعد ترعبه إمكانية وصول اليمين المتطرف العنصري إلى السلطة، بل هذا الخوف لم يعد يمس حتى الفرنسيين من أصول مهاجرة خاصة العرب والأفارقة، الذين أخذت مارين تقنع عددا مهما منهم بالتصويت عليها، ويبقى حظر الحجاب الذي تدعو إليه في الأماكن العامة والحريات الدينية هو نقطة ضعفها وهو موضوع بدأت تطور موقفها منه كذلك.
وكانت ولاية ماكرون الأولى صاخبة عمد خلالها الى إتقان فن التكيف إلى جانب ممارسة منفردة للسلطة، وتعرض لازمة اجتماعية خطيرة، دفعته إلى التراجع عن العديد من تصورتها، وهي الأزمة الاجتماعية للسترات الصفراء، وبعدها كان عليه تدبير تداعيات جائحة كوورنا على الخصوص التي نجح فيها رغم تعدد الصعوبات.
ويعتبر أصغر رئيس عرفته فرنسا على الإطلاق.
وصعد وزير الاقتصاد السابق في عهد الرئيس الاشتراكي السابق فرنسوا هولاند إلى القمة عام 2017 وهو في سن 39 عاما فقط، مستخدما ببراعة صورته كسياسي لا ينتمي إلى اليمين ولا إلى اليسار مستفيدا من تفكك الأحزاب التقليدية.
طبع تفكك الأحزاب التقليدية، والمشهد السياسي بظهور عبارة لا يمين ولا يسار مند 2017 ، هو الذي يفسر التحول في المشهد السياسي الفرنسي والأزمة التي يعيشها، والتعامل مع حزب اليمين المتطرف كأنه حزب تقليدي، فغياب الأحزاب السياسية من اليمين الكلاسيكي ومن اليسار، التي لها تاريخ في مكافحة التطرف هو الذي سهل مهمة هذا الحزب المتطرف اليوم.
سنة 2002، عندما وصل ممثل اليمين المتطرف جون ماري لوبين لأول مرة إلى الدورة الثاني لمواجهة ممثل اليمين والوسط جاك شيراك، تشكلت جبهة جمهورية مكنت الراحل شيراك من الفوز برقم قياسي من الأصوات، وهي نفس الجبهة التي نجحت سنة 2017 في تمكين ماكرون من النجاح ضد مارين لوبين، لكن اليوم التساؤل الكبير، هل سوف تنجح الجبهة الجمهورية في التشكل من أجل هزم مارين لوبين؟ الأمر أصبح مستبعدا في تشكيل هذه الجبهة من جديد، فقد رأينا كيف أن التظاهرات التي قامت بها النقابات والجمعيات في نهاية الأسبوع بمختلف المدن الفرنسية كانت ضعيفة، وكيف غاب الفنانون والمثقفون عن هذه التعبئة كما حدث في السابق، وكذا النقابة القوية بفرنسا لرجال الأعمال، التي لم يعد يقلقها هذا التحول الجذري بفرنسا، وهو فتح قصر الاليزيه في وجه ممثلة اليمين المتطرف بما يرمز له في تاريخ فرنسا أو أوروبا.

الكاتب : باريس: يوسف لهلالي - بتاريخ : 19/04/2022

التعليقات مغلقة.