ولم لا تتم تصفية مجلس المستشارين أيضا؟!

إسماعيل الحلوتي

في الوقت الذي كان فيه المغاربة منشغلين بكفكفة دموعهم وتضميد جراحهم، إثر «فاجعة طنجة» التي خلفت 28 قتيلا داخل كهف قيل عنه وحدة إنتاجية للنسيج في مرآب تحت أرضي ببناية سكنية. وبعد قراءة الفاتحة على أرواح الشهداء والتظاهر بالغضب والحزن أمام أنظار آلاف المشاهدين، انصرف المستشارون البرلمانيون خارج النقل التلفزي إلى توزيع «كعكة المعاشات» غير عابئين بحجم الألم الذي يعتصر قلوب المواطنين والأسر المكلومة، ولا بالتدعيات الاقتصادية الصعبة التي تمر منها المالية العمومية، جراء تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد.
ذلك أن لجنة المالية والتخطيط والتنمية الاقتصادية بالغرفة الثانية صادقت غداة المأساة الإنسانية، يوم الثلاثاء 9 فبراير 2021 بعد نهاية مسرحية قراءة الفاتحة، على مقترح القانون المثير للجدل حول «تصفية معاشات المستشارين» بإجماع جميع الفرق والمجموعات النيابية. كيف لا وهو المقترح الذي يبيح لهم استرجاع مجموع أقساط مساهماتهم في صندوق تعويضاتهم مرفوقة بمساهمات مجلس المستشارين المتأتية من أموال الشعب؟ فأي جشع أكثر من هذا الذي يجرد هؤلاء الأشخاص من الحس الإنساني؟ وأين نحن من قيم التضامن وروح المواطنة، وهم يبررون تهافتهم بكون جميع أنظمة التقاعد في العالم، تعتبر أن رصيد الصندوق ملك للمنخرطين؟ فهل نسوا أن ما يتحصلون عليه عند نهاية ولايتهم يعد ريعا سياسيا وليس تقاعدا؟
وكان طبيعيا أن يستفز هذا التصويت الأرعن مشاعر المواطنين ويثير موجة عارمة من السخط ليس فقط في أوساط نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، الذين أمطروا المستشارين بوابل من الانتقادات اللاذعة حول «لهطتهم»، بل حتى لدى بعض أعضاء الغرفة الأولى من النواب الذين عبروا عن رفضهم التام للصيغة التي جاء بها المقترح، وإن كانوا لا يعترضون على استردادهم لمساهماتهم، على أن يعود الفائض المقدر بأربعة ملايير من السنتيمات إلى خزينة الدولة أو يتم تحويله إلى صندوق دعم التماسك الاجتماعي أو إلى صندوق مواجهة جائحة «كوفيد -19»، عوض القول بأنه ملك لنظام «التقاعد» وليس للمجلس أو الدولة. مما جعل لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب تقرر يوم الأربعاء 10 فبراير 2021 تأجيل المناقشة والتصويت على المقترح .
وجدير بالذكر أن مقترح «تصفية معاشات البرلمانيين» سبق أن عرف لغطا شديدا وانتقادات قوية ضد مضمونه، حيث ذهب بعض أعضاء مجلس النواب إلى أنه سيشكل انتكاسة أخلاقية بامتياز، وسيشرعن لفضيحة سياسية ومالية إذا ما تم تمريره، في ما رفض البعض الآخر تمكين المستشارين من استعادة مساهماتهم في الصندوق الخاص بتعويضاتهم ومساهمات المجلس، وأنه من غير المقبول تحويل «التقاعد» إلى عملية استثمارية من خلال حصول البرلماني على مساهماته مضاعفة في نهاية ولايته…
ولأن الأمر يتعلق بأموال الشعب التي يقتضي الواجب تحصينها وعدم التساهل مع وضع اليد عليها، فإن الجمعية المغربية لحماية المال العام سارعت هي الأخرى إلى استنكار ما يحدث من عبث سياسي واعتداء سافر على الميزانية العامة، حيث دعا رئيسها محمد الغلوسي المغاربة إلى توحيد كلمتهم في رفض تمرير المقترح البئيس بتلك الصيغة الفجة. إذ لا يعقل أن يسمح بتوزيع 13 مليار سنتيم بما فيها مساهمة الدولة في صندوق معاشات المستشارين، في وقت تشكو فيه الحكومة من شح الموارد المالية، تؤجل ترقيات الموظفين وتلغي مباريات التوظيف، وتدعو الفئات المستضعفة إلى المزيد من التحمل…
فأمام الاستخفاف المتواصل للبرلمانيين بهموم وانشغالات المواطنين والتقصير في القيام بمهامهم الدستورية، والاهتمام فقط بمصالحهم الذاتية والتسابق المحموم صوب المكاسب ومراكمة الامتيازات، دون أن تحرك ضمائرهم الأحداث المأساوية التي تدمي القلوب قبل العيون، يستغرب الكثيرون من إقدامهم على اختزال مواجهة «فاجعة طنجة» في تلاوة الفاتحة، بينما يستلزم الواجب والحس بالمسؤولية مساءلة ومحاسبة المسؤولين المباشرين والمطالبة باستقالة الحكومة، لأن أرواح المغاربة ليست رخيصة ولا ينبغي تحت أي ظرف أن يفلت من العقاب جميع المتورطين والمتواطئين في إزهاقها…
ولم يبق السجال محصورا فقط في رفض الاستحواذ على فائض صندوق معاشات المستشارين، بل تخطاه إلى المطالبة بتصفية مجلسهم بشكل نهائي، لما بات يشكله من عبء ثقيل على ميزانية الدولة وعلى الهرم المؤسساتي، وهو ذات المطلب الذي سبق أن تعالت بشأنه الأصوات منذ سنوات حتى من قبل بعض السياسيين، الذين يقترحون الاكتفاء بنظام برلماني يقوم على غرفة واحدة (مجلس النواب)، باعتبارها منبثقة عن التصويت المباشر للمواطنين، لاسيما أن «الغرفة الثانية» كثيرا ما تساهم في عرقلة المسار التشريعي وتعمل على تكرار الكثير من الأسئلة وبنفس الصيغة التي تطرح بها في «الغرفة الأولى»، فضلا عن أن حجز المقاعد بمجلس المستشارين يتم بواسطة توظيف «المال السياسي» في شراء الذمم، حيث ينتخب أعضاؤه لمدة ست سنوات بطريقة غير مباشرة من ممثلي الجماعات الترابية والمنتخبين في الغرف المهنية وممثلي العمال.
إن مجلس المستشارين وفي ظل غياب نخبة سياسية حقيقية قادرة على الاضطلاع بدورها على الوجه المطلوب، يفتقد إلى التمايز مع مجلس النواب ولم يقدم أي قيمة إضافية، لا على مستوى الأداء ولا على مستوى الرقابة والتشريع، وأصبح يشكل عالة على الدولة والمجتمع من خلال استنزافه لميزانية ضخمة بدون مقابل، ولا يساهم عدا في هدر زمن السلطة التشريعية عبر تمديد آجال مناقشة مقترحات القوانين والمصادقة عليها، ويرى بعض المراقبين أن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أكثر فعالية منه، مما يستدعي التعجيل بتصفيته هو أيضا إلى جانب تصفية معاشات أعضائه.

الكاتب : إسماعيل الحلوتي - بتاريخ : 15/02/2021

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *