20 غشت 2017،أَما مِنْ إرادةٍ تَثْقُبُ الجبال !

محمد الفرسيوي
حين أقدمتْ فرنسا الاستعمارية على تنصيبِ «السلطان المزيف» على المغاربة اِنتفضواْ، وحين اقترحواْ على الملك التنَحي أو تشديدِ الخناق عليه، وهو في المنفى، اِختارَأنْ يُخنق، وأنْ يكونَ ملك الشعب، للشعبِ ومِنْ أجلِ الوطنِ والشعبِ معاً…
حوالي ستة عقودٍ ونصفٍ مرتْ على واقعةٍ مغربيةٍ في التاريخِ، بهذه الرمزيةِ الملحميةِ البناءة… وفي خطابٍ سابقٍ بهذه المناسبةِ قال الملك للشعبِ والوطنِ سوياً؛
«… نتساءلُ في ألمٍ وحسرة، كيف يمكنُ تحقيق التنمية الشاملة وعالمنا القروي يتخبطُ في مشاكل تضطر سكانه إلى التخلي عن الأرض(…)؟وكيف يُرادُإدراكُ التقدم العلمي ومواكبةُ العالمِ المتطورِ، وأفواجٌ من شبابنا المتعلمِ والمؤهلِ عاطلةً عن العمل، تَلْقَى الأبوابَ مغلقةً أمامها(…)؟وكيف يُتصورُ بُلوغُ رُقي المجتمعِ وازدهاره، والنساءُ اللائي يشكلن زُهاءَ نصفه تُهدرُ مصالحهن في غير مراعاةٍ لما منحهن الدينُ الحنيفُ من حقوق …؟وكيف يُدركُ تكافؤ الفرصِ وإتاحته للجميع(…)…….؟؟؟»
الآنَ، وفي سياقِ ما يجري فينا، ومِنْ حولنا، إلى أين نسيرُ؟ بل إلى أين يجبُ أنْ نسير؟
بخصوصِ الشق الأولِ مِنَ السؤال، سوف أغامرُ فأقولُ في عبارة؛ «لا يقودُ السيرُ في الغموضِ والخوفِ إلا إلى التسكعِ الأليمِ في متاهاتِ الحسرةِ والضياع»… لا قدر الله».
أما بالنسبةِ للشق الثاني مِنَ السؤالِ، فلعل في مقطعِ خطابِ الملك أعلاه، كل الجواب.
صحيحٌ أن أوضاعنا عموماً، ليستْ بالكارثيةِ القاتلة، وصحيحٌ أن مُتمنياتٍ على مستوياتٍ عديدةٍ تُسجل، من لدن الملك والكثيرِ مِنْ أبناءِ وبناتِ المغربِ، ومِنَ السفوحِ حتى القمة… لكن النتائج والحصيلة معاً، ليستْ فقط أَضعف مِنَ الحاجياتِ والانتظارات والمواردِ التي حُشِدَتْ وجُندتْ… ولكنها، علاوةً على ذلك وقبل أنْ تَذهبَ للتنفيذِ والإنجازِ، يَمتص جِوهرَها النبيلَ في أغلبِ الأحيانِ؛ الفسادُ والإفسادُ، الجهلاءُ والمُجهلين، الجهلُ والتجهيل،التبعيةُ والولاءُ للخارج، شَرَهُ اللوبياتِ وأصحابِ النفوذِ والمصالحِ الطبقية، عيوبٌ علميةٌ كثيرةٌ وهياكلٌ إداريةٌ عاجزةٌ أو مُعَجزة، ونفوسٌ في السياسةِ والمسؤولياتِ، مريضة ومُمَرضَة.
وإننا لنعرفُ معاً، ملكاً وشعباً، أن جوهرَ هياكلنا مِنَ الحكومةِ إلى الإدارةِ ككل، ومعها السياسات النافذة، هما إرثٌ وتركةُ استعمار. ونعرفُ سوياً أيضاً، أن المغاربةَ في 1956 أنجزواْ استحقاقَ التحرير، ولو منقوصاً (سبتة ومليلية والجزر حتى الآن، الصحراء منتصف سبعينيات القرن الماضي). لكن، ومنذهذا التاريخِ حتى الآن، بَقِيَ عنوانُ إنجازِ استحقاقِ التحررِ مطروحاً… التحررُ مِنْ التركةِ الاستعماريةِ والتبعيةِ، ومن الأسبابِ والعواملِ التي كانتْ مِنْ وراءِ انحطاطِ المغرب واستعماره وفقدانه لزمامِ الأمورِ ولإشعاعه الحضاري…. أعني؛ ثالوث التخلف والاستبداد والتبعية.
الآن، وفي سياقِ ومستجداتِ الاحتجاجاتِ الاجتماعيةِ، في الريفِ خصوصاً، نُخلدُ ذكرى التحامِ ملكٍ وشعبٍ في زمن معركةِ التحريرِ والتحررِ الوطني من الذل والاستعمار، يحق لنا الانتقال من مجردِ الإحساسِ بالألمِ والحسرةِ، إلى تجاوزِ هذا الإحساس الصادق نحو معالجةِ الأسبابِ عوض الأعراض، التي تعمقُ فينا هذا الإحساسَ النبيلَ والضعيفِ في آنٍ واحد…
لا بد من تلك الإجراءات الشجاعةِ التي تنزعُ الفتيلَ، تُنصفُ المكلوماتِ والمكلومين، تُطمئنُ النفوسَ، تُصَفي القلوب، وتصهرُ الجميعَ في أفُقِ المحبةِ والأملِ والبناء… وعلى رأسها؛ إيقافُ المتابعاتِ، إطلاق سَراحِ مَنْ اعتقلواْ، تهدئةِ الأوضاع وفتحُ الآفاق…
أما في ما يخص القرارات الكبرى اللائقةِ بهذه الذكرى المُعبرةِ في تاريخنا الحديث، فلا شك أنها مِنْ «أعز ما يُطلبُ» في مُقتضياتِ ما يدعونا لأنْ «نتساءل بألمٍ وحسرة……..»، وفي مضمارِ التغييراتِ الإقليميةِ والدوليةِ الجارية أيضاً.
إن إطلاقَ «ثورة ثقافية»، تنقلُ العقلَ والوجدانَ المغربي، الفكرَ والتفكيرَ والمعتقدَ الوطني، نحو أفقِ العقلانيةِ والاختلافِ والنقدِ والإبداعِ… تكنسُ النفوسَ- وخصوصاً تلك التي في القرارِ والمسؤوليات- من خُبْثِ الأنانيةِ والارتشاءِ والسرقةِ واستغلالِ النفوذ، نحو التعاونِ والتضامنِ والانتصارِ للحق والقانونِ وللضميرِ الحي والقيمِ النبيلة… تُحررُ الطاقاتِ والثرواتِ المغربيةَ الماديةَ والرمزيةَ مِنْ أسْرِ الجمودِ والنهبِ والاستيلاءِ والتعطيلِ والتجهيلِ الديني وغيره، نحو الآفاقِ الرحبةِ للبذلِ والعطاءِ والإبداعِ والابتكارِ وصونِ الملكِ العام والتنويرِ الشاملِ…
إن إطلاقَ هذه الثورةِ الواعدةِ، ملكاً وشعباً، عبر رافعةِ التعليمِ والعلم، بكل وسائلِ الإعلامِ والاتصالِ المكتسبةِ والحديثة، في المساجدِ وبالفعلِ الثقافي المدني المدروسِ بين الناس، بالقوانينِ والتنظيماتِ المُحررةِ والضامنةِ للاستقرارِ والتعايشِ المستدام، بفريقٍ من العلماءِ والمثقفين الحقيقيين والكفاءاتِ النزيهةِ الشجاعة، وبالوسائلِ الضروريةِ والصلاحياتِ اللازمة مع المتابعة والمحاسبة أبداً…
إن إطلاقَ مثل هذه الثورة، لَكفيلٌ بأنْ يضمنَ الزرعَ الصحيحَ والصالحَ، بحصادٍ غزيرٍ مُفرحٍ، لكل أجيالنا، الصاعدة والمقبلة.
أما بخصوص منطقةِ الريفِ وجبالِ شمالنا الممتدةِ من دار الضمانة حتى الطبيعةِ القاسيةِ لِشرقنا المنسي، فقد يُواتيها، علاوة على ما سبق، ميناءٌ تجاري كبيرٌ بين الحسيمة والناظور (النسخة الثانية من مشروع الميناء المتوسطي)، تُجاوره مركباتٌ إنتاجية للتصديرِ والاستراد، مع طريقٍ سيارٍ وسكةٍ حديديةٍ (طريق الواحدة الثانية) تربطها مباشرةً بفاس عبر امتداداتِ «سد الوحدة» بفضاء كل البلد… وهذا يتطلبُ إرادةَ وعزيمةَ وهِمةَ ثقْبِ الجبال…
……………………………………………. والله المعين.
الكاتب : محمد الفرسيوي - بتاريخ : 24/08/2017