آه، كم من الخِسَّة تُرتكب باسمك يا «ماريان»

طالع سعود الأطلسي

جهةٌ ما في فرنسا تُصرُّ على مُعاملة المغرب من خلال صورة عنه لديها بالية. صورة هي في أصْلها مُتوهَّمة وذات منشأ استعماري. هو إصرار مَرَضي يعكس قلقها من تحليق المغرب بعيدا في العلو وفي الفضاء، عن وهْم الجاذبية الفرنسية. واحدةٌ من أدوات ذلك الإصْرار وذلك الغِلِّ مجلة “ماريان” الفرنسية. “ماريان” في أصلها أيْقُونة ترمز للدولة الفرنسية. المجلة اليوم تمارس عزْفَها المُعادي للمغرب، ضمن جَوْقة أدوات في الإعلام الفرنسي تخصَّصت في الصُّراخ وحتى بالعُوَاء ضد المغرب، في شخص ملك المغرب ورمز سيادته وقائد منجزه التنموي، الملك محمد السادس.
المجلة تعمّدت تَجاهُل الأصول والقوانين في السلوك المهني للصحافة حين تُقرِّر القيام بمهام مِهنية في بلد ما. بلد حائز على مقومات سيادته. وما بالُك بالمغرب الذي يغار على سيادته ويذود عنها بحماس وبفعالية. هو بلاد مفتوحة، مِضْيافة ومُتسامحة، ولكن لمن يلجُها من مداخل الكرامة والاحترام فيها. وهو ما سيشهد به أكثر من 312 صحافيا وصحافية أجانب حلّوا بالمغرب لتغطية زلزال الحوز، مثلوا حوالي 90 وسيلة إعلامية من كل جهات العالم. صحافيون بعضهم من مؤسسات إعلامية لها وزن عالمي، وغير رفيقة بالمغرب ولا مُجامِلة له في عاديات متابعاتها لأحداثه وقضاياه. كلُّهم حصلوا على الاعتماد من وزارة الاتصال، وفق المُعتاد والمعمول به في مثل هذه الوقائع، وفي العالم كُلِّه.
شعبية الملك تعاظمت وتعمّقت بعد الزلزال، عكس كل آمال المُتحاملين ضِدَّ المغرب وضِدَّ ملكه. ويكفي الإصْغاء لكل الإشادات الدولية بحسن تدبير المغرب، بقيادة الملك، لتداعيات الزلزال.
المجلة الفرنسية شذَّت عن القاعدة وأوْفدت إلى المغرب صحافيَّيْن، مُحرِّر ومُصوِّرة، ليس لمتابعة يوميات تداعيات الزلزال، بل فقط “لاسْتِنْطاق” مغاربة وتقْويلِهم سخافات ضِدَّ الملك محمد السادس. ونسيَت المجلة، وهي تستعجل التحريض ضد ملك المغرب، أنْ تستحْصل للصحافيَّيْن من وزارة الاتصال الاعتماد الذي يُخوِّل لهما التِّجوال المهني في المغرب، ما حوَّلهما إلى مجرد سائحيْن ومنتحليْن لصفة مهنية، وهو ما حدا بالسلطات الإدارية للدار البيضاء لاقتيادهما إلى المطار ليعودا من حيث أتيا. علما بأن تحامل المجلة ضد ملك المغرب لا يستدعي تحمُّل كلفة ومشاق السفر إليه، إذ المجلة راكمت رصيدا، غير محترم وفق كل الاعتبارات المهنية، من الانشغال بشخص العاهل المغربي، من إنتاجها التحريري “الخاص”، مدعوما بكاريكاتور يتقطّر كراهية لشخص الملك. إنها كراهية تشي بكاره، ليس من الصعب استخراج ملامحه من وراء المواد غير الإعلامية للمجلة المنشغلة بملك المغرب.
السؤال في هذه المناسبة، ليس هو لماذا رحَّلت السلطات الإدارية في الدار البيضاء الصحافيَّيْن. السؤال هو لماذا تجاوز الصحافيان الأعراف والقوانين في حلولهما بالمغرب؟ أهو اسْتِغْباء لأجهزة صيانة سيادة وأمن البلد؟ أهو استعلاء ذاتي من رواسب استعمارية بتفوُّق مُتوَّهم؟ في الحالتيْن تصرف الصحافيان بتهور وبالأسلوب الغلط، وقد حلا بالمغرب بتوجيه تحريضي ضد ملك المغرب، وليس بانْشغال مهني متصل بالزلزال وآثاره وتداعياته. وستكتب المجلة نفسُها في موقعها الخميس، “بأن السيد كونتان والسيدة تيريز، حلا بالمغرب لاستطلاع الطريقة التي يرى بها الشعب المغربي الملك محمد السادس، وهو المُتحفِّظ (أو المُتواري Discret) بعد الزلزال الذي أوْدى بحياة 3000 قتيل ومثلهم من الجرحى…” أليس هذا إقرار بنية وفعل التحامل المغرض ضد الملك، وضدًّا على المُعْلن، المصور والمكتوب، من قيادته الفعلية والفاعلة لكل خطط وحاجيات التصدي لآثار الزلزال؟ من استعجال للإنقاذ والإيواء إلى مقوِّمات إعادة الإعمار، وبكل محاورها، التنموية الشاملة؟
الواقع أن شعبية الملك تعاظمت وتعمّقت بعد الزلزال، عكس كل آمال المُتحاملين ضِدَّ المغرب وضِدَّ ملكه. ويكفي الإصْغاء لكل الإشادات الدولية بحسن تدبير المغرب، بقيادة الملك، لتداعيات الزلزال، من حيث السُّرعة والنوْعية. ويكفي التقاط ارتسامات المنكوبين وهم في الخيام التي نصبَتها لهم القوات المسلحة الملكية، لإيوائهم المؤقت ولتطبيبهم المستعجل ولتمدرسهم الظرفي… وذلك من توجيهات وإلحاح، والمتابعة “اللصيقة” للملك محمد السادس.
مجلة “ماريان”، قبل أسبوع، ودون غيرها من زميلاتها المُحرّضة ضد ملك المغرب، كتبت مقالا كله إطراء في التصريحات الجزائرية بتقديم العون للمغرب إثر الزلزال. ويُبْرز المقال النّية الجزائرية “الحسنة” مقابل “سوء نية” المغرب بتجاهُله للعرض الجزائري. ونذكر جميعا أن المغرب استقبل أكثر من 90 استعدادا واقتراحا للدعم. المجلة اختارت منها الزعم الجزائري بفتح الحدود الجوية والبرية، والتي هي أصلا مغلقة فقط في وجه المغرب ومفتوحة، أصلا، أمام كل الدول الأخرى. والمغرب في هذه الكارثة في غير حاجة لا لبَرِّ ولا لجوِّ الجزائر. إنه الهوَى الجزائري للمجلة، والذي يفسر جزئيا تحاملها ضد ملك المغرب.
الأجزاء الأخرى الناطقة بداعيها للتحامل واضحة القسَمَات. في هذه الحملة الإعلامية التي شنّتها وسائل إعلامية فرنسية، في انضباط جوقة تعزف ضجيجا متقارب الزَّعيق، وتكتب بأقلام مَبَلَّلة من مداد محبرة واحدة، تستهدف شخص ملك المغرب، كأنه ضاغط على صدور أصحابها أو أنه “معضلة” فرنسية داخلية، أو همّ شخصي لتلك الوسائل وأولئك الَّذين تعرَّوْا من شرف المهنة ومن أخلاقياتها… المهنة التي لفرنسا فيها رصيد محترم من “علومها” ومن تقعيدها، والتي يضيعه اليوم بعض “الزملاء” خدمة لمنافع شخصية ولحساب دسائس سياسية هم فيها مجرد مَعاوِل وليس مهنيون في خدمة سلطة رأي عام وفي خدمة “صاحبة الجلالة”.
الرئيس الفرنسي السيد ماكرون، قرّر لوحده القيام بزيارة للمغرب، وكلف وزيرة الخارجية لإعلان “الحدث السعيد” عبر قناة تلفزية، كأنه ذاهب إلى “ضيعته” مُتوقِّعا استقباله فيها بالزغاريد. مصدر مغربي مأذون له، أجابه عبر الوكالة المغربية للأنباء، برد مؤدب ودبلوماسي، بأن “الزيارة غير مبرمجة”. فكيف لا يرْشَح “زعله” من أعمدة بعض الصحف وفي دردشات بعض القنوات؟
“البعثة” الصحفية لمجلة “ماريان” تسللت إلى المغرب، من دون طرق بوابته والتعريف بنفسها واستحصال الاعتماد الذي يلتمسه ذَوُو النية الحسنة من الصحافيين، وتُسلِّمه لهم الجهات المغربية المختصة بذلك. تصوَّروا أنهم ذاهبون إلى قفْر لا راعي له. السلطات الإدارية في الدار البيضاء فقط ذكّرتهم أنهم في المغرب، البلد القوي بدولته العريقة والمتجددة ويقودُها ملك مُقْتدر، وساعدتهم على العودة إلى باريس… والعودة إذا شاؤوا إلى المغرب من جهة احترام أخلاقيات مهنة الصحافة، ومن جهة الانْضِباط للمساطر والقوانين التي تحترمها الدولة المغربية.
جاؤوا بنية الدّسيسة بين الشعب وملكه، فخاب مسْعاهم لأن ما بين الملك وشعبه هو من الصِّحة ومن المتانة ومن التفاعل الصّادق ما يعجز أيّ دساس على النيل منه، وهاهي فاجعة الزلزال، أمامنا، شاهدة على ما أنجزه التلاحُم الوطني والتدبير السديد لقائده الملك محمد السادس. ذلك الفعل وتلك الإرادة تصدَّت للألم المُدْمِع بقوَّة الأمَل المُبْدِعِ.

الكاتب : طالع سعود الأطلسي - بتاريخ : 25/09/2023

التعليقات مغلقة.