أزمة الشباب في المغرب بين الفشل الحكومي وتداعيات البطالة

محمد السوعلي *

تعيش فئة الشباب في المغرب ظروفًا صعبة ومتأزمة نتيجة تفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها البلاد. البطالة وانسداد الأفق وقلة الفرص هي العناوين الكبرى التي تلخص معاناة الشباب المغربي، وهو ما دفع بالكثيرين منهم إلى الهجرة غير القانونية أو الانخراط في ممارسات يائسة في سبيل تحسين حياتهم. ورغم أن الحكومة الحالية تبنت برنامجًا حكوميًا طموحًا، إلا أن تقييم الأداء بعد ثلاث سنوات من تدبيرها للشأن الوطني والجهوي والمحلي يكشف أن القليل فقط تحقق منه. لم تسفر هذه الفترة عن إنجازات ملموسة، بل بالعكس، كانت مليئة بالاعتصامات والإضرابات وتفاقم تدهور القدرة الشرائية للمواطنين، إلى جانب الفشل الذريع في تنزيل الدولة الاجتماعية. في هذا المقال، سنتناول محورين أساسيين:
أولًا، فشل الحكومة في إدارة شؤون الشباب وتداعيات البطالة،
وثانيًا، الحلول الممكنة للخروج من الأزمة، مع تسليط الضوء على مبادرة الفريق النيابي الاتحادي لدعوة الحكومة لتقديم توضيحات حول الأحداث المؤسفة المتعلقة بالهجرة الجماعية، وفشل البرامج التحفيزية الموجهة للشباب.
فشل الحكومة في إدارة شؤون الشباب وتداعيات البطالة
شهد المغرب في السنوات الأخيرة ارتفاعًا مقلقًا في معدلات البطالة، خصوصًا بين صفوف الشباب، حيث وصلت البطالة إلى مستويات غير مسبوقة (تفوق 14بالمائة). فئة الشباب، التي تمثل العصب الرئيسي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في أي مجتمع، وجدت نفسها أمام واقع مأساوي يتسم بانسداد الأفق وتراجع الفرص. ورغم وعود الحكومة المتكررة بمعالجة هذه الأوضاع، إلا أن السياسات المعتمدة لم ترقَ إلى مستوى التحديات الحقيقية.
من بين هذه السياسات الفاشلة، نذكر برامج التحفيز الموجهة للشباب مثل برنامج «انطلاقة» الذي كان يهدف إلى دعم المشاريع الصغرى والمتوسطة من خلال تسهيلات في التمويل والقروض. لكن هذا البرنامج واجه انتقادات واسعة بسبب إجراءاته المعقدة التي جعلت من الصعب على الشباب الاستفادة منه. كما أن الفجوة بين الوعود الحكومية والتطبيق العملي جعلت العديد من الشباب يعتبرون البرنامج بعيدًا عن واقعهم الاقتصادي والاجتماعي.
كذلك، برنامج «أوراش» الذي كان يسعى إلى توفير فرص عمل مؤقتة للشباب في إطار مشاريع محلية. ورغم النوايا الحسنة وراء هذا البرنامج، إلا أن نقص التمويل والاستمرارية، وضعف البنية التحتية المؤسسية في بعض المناطق، أدى إلى فشل البرنامج في تحقيق الأهداف المرجوة. وكانت الفرص التي تم توفيرها محدودة وغير مستدامة، مما زاد من تفاقم الإحباط بين الشباب.
إضافة إلى ذلك، قبل يومين فقط من موجة الهجرة الجماعية للشباب إلى الشمال، قام رئيس الحكومة بإلقاء خطاب أمام شبيبة حزبه في أكادير، حيث تحدث بإسهاب عن «نجاحات» حكومته في تنزيل المشاريع التنموية واصفًا إياها بالضرورية لتفعيل الدولة الاجتماعية، وتطرق إلى الدعم المباشر والتغطية الصحية وتخفيض نسب البطالة والتضخم. ومع ذلك، لم يُشر رئيس الحكومة بتاتًا إلى الأزمة الاجتماعية المتفاقمة ولا إلى ظاهرة الغلاء التي أثقلت كاهل الأسر المغربية، ولا إلى الإحباط المتزايد الذي يشعر به الشباب وبقية فئات المجتمع. هذا الخطاب، الذي كان بعيدًا عن الواقع الذي تعيشه البلاد، زاد من الشعور بالانفصال بين الحكومة والشعب، وأكد فشل الحكومة في الاستشراف والتعامل مع القضايا الحيوية التي تمس الشباب بشكل مباشر.
الصمت القاتل للحكومة تجاه أحداث الفنيدق:
في الوقت الذي كانت فيه مدينة الفنيدق تعيش أحداثًا مؤلمة نتيجة الهجرة الجماعية للشباب والقاصرين إلى سبتة المحتلة، قابلت الحكومة هذه الأزمة بصمت قاتل. لم تبادر الحكومة إلى مواكبة هذه الأحداث إعلاميًا أو ميدانيًا لتقديم التوضيحات اللازمة، وهو ما ترك المجال مفتوحًا لتداول صور ومعلومات مضللة زادت من تشويه سمعة البلاد.
رغم تسجيل غياب الإعلام الرسمي والغياب الملفت للحكومة عن حدث بهذا الحجم، فإن السلطات الأمنية انخرطت بكل احترافية في التعامل مع هذه الأحداث. لقد نجحت قوات الأمن في احتواء الوضع ميدانيًا، واستطاعت تجنب كارثة محققة كانت ستؤدي إلى تداعيات أكبر على البلاد. تعاملت القوات العمومية مع الأزمة بتبصر واحترافية، حيث تمكنت من السيطرة على الوضع دون حدوث تصعيد، بينما بقيت الحكومة غائبة عن المشهد ولم تقدم أي رد فعل رسمي يطمئن الرأي العام حول حقيقة ما جرى.
هذا الصمت الحكومي يعكس فشلًا ذريعًا في إدارة الأزمات الكبرى التي تهدد استقرار البلاد، ويزيد من تفاقم مشاعر الإحباط بين الشباب الذين يرون في الحكومة جهة غير قادرة على الاستجابة لتطلعاتهم أو معالجة المشاكل التي تعصف بمستقبلهم.
مبادرة الفريق النيابي الاتحادي:
أمام غياب الحكومة عن تقديم توضيحات شافية حول ما جرى في مدينة الفنيدق من هجرة جماعية مؤلمة للشباب نحو الثغر المحتل، وما صاحب ذلك من انتشار صور ومعلومات مسيئة للبلاد، بادر الفريق النيابي الاتحادي بالدعوة إلى عقد اجتماع مشترك بين لجنة الداخلية ولجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان. الهدف من هذه المبادرة هو مطالبة الحكومة بتقديم التفسيرات اللازمة لما حدث وتوضيح التدابير المتخذة لمنع تكرار هذه الأحداث المؤلمة.
هذه المبادرة تأتي في إطار محاولة الاتحاد الاشتراكي لفتح حوار مسؤول مع الحكومة حول قضايا الهجرة الجماعية للشباب، وتداعيات هذه الظاهرة على سمعة البلاد والاستقرار الاجتماعي. يدعو الحزب من خلال فريقه البرلماني إلى التحقيق في الأسباب الحقيقية لهذه الهجرة غير الشرعية والعمل على معالجة جذورها الاقتصادية والاجتماعية.
الحلول الممكنة للخروج من الأزمة
رغم التحديات الكبرى التي تواجه الشباب المغربي، هناك حلول ممكنة يمكن للحكومة تبنيها للتخفيف من حدة الأزمة. أولًا، يجب وضع استراتيجية وطنية متكاملة تستهدف توفير فرص عمل حقيقية للشباب من خلال تحسين الربط بين التعليم وسوق العمل، مع التركيز على التكوين المهني وتطوير المهارات المطلوبة في السوق.
ثانيًا، على الحكومة أن تقدم دعمًا أكبر للمشاريع الصغيرة والمتوسطة وتسهيل ولوج الشباب إلى التمويل عبر برامج تحفيزية تتيح لهم بدء مشاريعهم الخاصة. هذه المشاريع ستساهم بشكل مباشر في خلق فرص عمل وتطوير الاقتصاد المحلي، كما ستمنح الشباب الفرصة ليكونوا فاعلين في الاقتصاد بدلًا من انتظار الفرص التي لا تأتي.
ثالثًا، من الضروري أن تضع الحكومة خططًا واضحة لتشجيع الاستثمار الداخلي والخارجي في القطاعات التي يمكن أن توفر عددًا كبيرًا من الوظائف، مثل السياحة، التكنولوجيا، والطاقات المتجددة. كما يجب أن تكون هناك إصلاحات هيكلية في القوانين الاقتصادية التي تسهل على الشركات الناشئة دخول السوق وتمنحها الحوافز اللازمة للاستمرار والنمو.
رابعًا، على الحكومة أن تتبنى نهجًا جديدًا في التعامل مع المعارضة البرلمانية. يجب أن يتم هذا النهج بأسلوب شفاف يقوم على الاعتراف بالفشل في تحقيق التوجيهات الملكية المتعلقة بالقطاعات الاجتماعية والتنموية. الاعتراف بالفشل ليس ضعفًا، بل خطوة نحو التغيير الحقيقي، ويفتح المجال لحوار بناء يركز على إيجاد حلول مشتركة بين مختلف الفاعلين السياسيين. التعاون مع المعارضة سيعزز الشفافية والمساءلة، ويساعد في تقديم برامج تنموية أكثر فعالية تسهم في تحسين حياة الشباب ومعالجة مشاكلهم بشكل ملموس.
خلاصة القول، تعيش فئة الشباب في المغرب تحت وطأة أزمات اقتصادية واجتماعية عميقة، مما دفع الكثير منهم إلى البحث عن حلول يائسة مثل الهجرة غير القانونية. فشل الحكومة في تقديم حلول جذرية لهذه المشاكل زاد من تفاقم الأزمة، ما دفع الاتحاد الاشتراكي إلى التدخل والدعوة إلى توضيح الموقف الرسمي حول الهجرة الجماعية. ومع ذلك، يبقى الحل في تبني استراتيجيات شاملة تسعى إلى توفير فرص حقيقية للشباب وتقديم دعم فعلي لهم لبناء مستقبلهم داخل وطنهم، مع تطوير البرامج الحكومية الحالية وجعلها أكثر كفاءة واستجابة لاحتياجات الشباب.
ولربما قد حان الوقت لتقر الحكومة بأن النظرة الاستعلائية التي تعاملت بها الحكومة مع المغاربة، وتخفيها وراء منطق حصول أحزابها على أغلبية أصوات الناخبين، لا يساهم في الاستجابة لتطلعات المواطنين، ولا يخفف من معاناتهم أمام موجة الغلاء غير المسبوقة، وغير المبررة في الكثير من الأحيان، وأمام توالي المطبات في تدبير عدد من الملفات. ينبغي على الحكومة في هذا الخصوص أن تتبنى نهجا مختلفا في التعامل مع المعارضة، نهجا ينبني على الإنصات للانتقادات والأخذ بالاقتراحات التي من شأنها أن تساعد في إيجاد حلول للمشكلات المستعصية، كما ينبغي عليها إشراك جميع القوى الحية في المجتمع من منظمات المجتمع المدني المشهود لها بالكفاءة والجدية والمنظمات النقابية في صياغة الإجابات المناسبة للتحديات التي تواجهها بلادنا وهي كثيرة، وفي تنزيل التوجيهات الملكية لتحقيق التغيير المنشود.تخفي الحكومة وراء سردية الدولة الاجتماعية لم يعد يخدع أحدا، خصوصا وأن نهجها الليبرالي واضح للعيان وانعكاساته تتجلى في اتساع الهوة بشكل صادم بين قلة من الأغنياء الذين يمتلكون كل شيء وشرائح واسعة من الفقراء والمعدمين الذين يجدون صعوبة في اقتناء أبسط المستلزمات الضرورية،
كما أنه ربما قد حان الأوان لتتساءل الحكومة الحالية، عن قدرتها على إنجاز ما تتطلبه المرحلة المقبلة خلال الفترة التي تفصلنا عن الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، خصوصا وأن بلدنا يستعد لتنظيم كأس العالم 2030 بالتعاون مع إسبانيا والبرتغال. هذا الحدث الضخم لا يتطلب فقط تأهيل وتشييد الملاعب الرياضية، بل يستدعي أيضًا مشاريع هيكلية وتنموية شاملة. التحضير لكأس العالم يتطلب توسيع المطارات، ربط المدن بالطرق السيارة والسريعة، والربط السككي بين المدن التي ستحتضن المنافسات وتلك التي ستستضيف إقامة وتدريب الفرق المنافسة. بالإضافة إلى ذلك، يجب تأهيل المدن، بناء الفنادق والمنتجعات السياحية، وتحسين الخدمات الاجتماعية الأساسية مثل الصحة والتعليم والتشغيل والسكن.
إن تنظيم كأس العالم ليس مجرد حدث رياضي، بل هو مشروع وطني شامل يتطلب تخطيطًا طويل الأمد واستثمارات كبيرة في البنية التحتية والخدمات، وهو ما يبدو بعيد المنال في ظل الظروف الحالية وفشل الحكومة في تفعيل الدولة الاجتماعية وتحقيق الأهداف التنموية المطلوبة.
في وضع مثل الذي تعيشه بلادنا، مسؤولية الأحزاب اليسارية والديمقراطية، وفي مقدمتها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، كبيرة جدًا في هذه المرحلة، خاصة مع اقتراب الانتخابات البرلمانية لسنة 2026 والانتخابات الجماعية والإقليمية والجهوية وانتخابات الغرف المهنية لسنة 2027. يعوّل على هذه الأحزاب اليسارية أن تخرج البلاد من هذه الأزمة الخانقة، كما فعلت سابقًا بقيادة حكومة التناوب التي أنقذت المغرب من سكتة قلبية سياسية واقتصادية.
في هذا السياق، على الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية أن يسرع في تقوية بيته الداخلي ويعمل على تعزيز تنظيماته الإقليمية والجهوية، وكذلك تنظيماته الموازية، مع ضرورة الاقتراب أكثر من المواطنين والمواطنات لكسب ثقتهم ودعمهم في الانتخابات المقبلة، سواء في مواعيدها المقررة أو في حال تنظيم انتخابات سابقة لأوانها إذا دعت الضرورة لذلك.

* عضو اللجنة الوطنية للتحكيم والاخلاقيات

الكاتب : محمد السوعلي * - بتاريخ : 24/09/2024