إصلاح الإدارة بين حقوق المواطنين وأداء الموظفين
فتح الله رمضاني
الموظفون هم أولئك الأشخاص الطبيعيون الذين يتوفرون على مؤهلات محددة، والذين توكل إليهم مهام أداء وظائف الدولة كشخص معنوي، مطلوب منه تقديم العديد من الخدمات إلى المواطنات والمواطنين، في مجموعة من المجالات، ليكون هكذا وبشكل مباشر ومنطقي، وجود الموظفين مرتبط أو رهين بخدمة المواطنات و المواطنين، ولتكون آلية تقييم أداء هؤلاء الموظفين، مستندة على جودة الخدمات التي يقدمونها، وعلى منسوب رضا المواطنين عنها.
صحيح، هناك معايير أخرى لتقييم جودة الخدمات التي تقدمها الدولة للمواطنين، لكن التوجه الذي يغيبعنصر أداء الموظفين في عملية التقويم، يبقى توجها غير موضوعيا و متحاملا، خصوصا إذا كان صادرا عن منتمين إلى فئة من فئات الموظفين، حيث يمكن اعتباره هكذا، توجها محكوما بخلفية قبلية، أساسها براديغم أنصر أخاك ظالما أو مظلوما.
لقد فتح المغرب اليوم، ورشا إصلاحيا كبيرا، يهم إصلاح الإدارة العمومية، ومن خلال عنوان هذا الورش، المتكون من كلمتين رئيسيتين، إصلاح، و إدارة عمومية، فهو لا يعني أو لا يهدف إلا إلى تحسين أداء الإدارة و تصويب اختلالاتها ، ولا يعني كذلك إلا الرفع من أهداف وغايات الإدارة المنجزة، من خلال تأهيل وظائفها كالتخطيط و التنظيم و التوظيف و التوجيه و الرقابة، وسنتفق جميعا أكيد، على أن عملية الإصلاح، لا يمكن أن تنجح إلا إذا سبقتها عملية تشخيص حقيقية لاختلالات الإدارة المغربية، لكن يجب أن نتفق أيضا، على أن وجود الإدارة رهين برضا المواطنين، هؤلاء المواطنين الذين لا رابطة مباشرة لهم بالإدارة إلا موظفيها، ما يعني أن أداء الموظفين، هو أهم حلقة من حلقات مسلسل الإصلاح، الذي يجب أن يشمل الوظائف الخمسة للإدارة.
ولما كان الأمر هكذا، فمن العادي جدا، أن أي حديث عن إصلاح الإدارة، سوف يكون حديثا مضمونه التقويم والرقابة، وأساسه أداء الموظفين، خصوصا أن الواقع يزخر بالعديد من الصور لموظفين متهاونين ومتخاذلين وحتى فاسدين، موظفين جعلتهم وضعيتهم الخاصة، وطبيعة مهنهم، و أمانهم الوظيفي، الذي يضمنه قانون الوظيفة العمومية في شكله الحالي، في منأى عن أي عملية محاسبة لأدائهم، وهو الوضع الذي جعل الموظف الفاشل يتساوى مع الموظف البسيط العادي، بل حتى مع الموظف اللامع المجتهد، في العديد من الامتيازات، حيث لا تخضع الاستفادة من الامتياز لمنطق المردودية و النجاعة، بل فقط لمنطق الأقدمية والتسلق، باستغلال آليات وحيل أصبحت عبئا اليوم على الإدارة وعلى المواطن.
الأكيد، أن المتتبع للنقاش الدائر اليوم، حول عملية إصلاح الإدارة، خصوصا بعد الخطاب الملكي بمناسبة ذكرى عيد العرش، وبعد توجه جل الأنظار إلى تدابير وتصورات وزارة إصلاح الإدارة والوظيفة العمومية، سوف يلاحظ أن هناك توجها غريبا يتشكل، للتأثير في عملية الإصلاح المرتقبة، بشكل يبغي جعلها عملية تلغي المسؤولية عن الموظف، وكأن الموظفين كلهم، وبدون استثناء، يؤدون مهامهم بشكل يحترم مبدأ النزاهة، وكأنها فئة لا فساد فيها، ولا مفسدين بين صفوفها، وهو التوجه الذي تعاطى حاملوه بشكل متشنج و عنيف، مع صورة من صور خطاب الإصلاح مؤخرا، و الذي يدعو إلى مساءلة منظومة التقويم في الوظيفة العمومية عموما وفي قطاع التربية و التكوين على وجه خاص، أمع هذا الوضع الذي أصبحت عليه الإدارة، لا يزال بيننا من يرفض عملية تقييم تتأسس على المردودية؟ هل سليم القول بضرورة الإصلاح، من طرف من تحكم مواقفه نزعة محافظة ظاهرة، بالرغم من محاولة إلباسها لباس التقدمية؟ وهي النزعة التي يحاول أصحابها جعل فئة من فئات الموظفين، في مكانة القديسين أو الصالحين، للحفاظ على امتيازات معينة باسم تراكم المكتسبات، وباستعمال ابتهالات قديمة و شعارات رنانة كنكران الذات و التضحية، في حين أن كل الموظفين يتلقون أجورا مقابل مهامهم، و هو الوضع الذي أصبح من الضروري معهربط الأجر بالخدمة، ليستفيد أكثر من يشتغل أكثر، و من يتفانى أكثر في خدمة المواطنين، فهم الأولى بالعناية، وما وجد الموظف إلا لخدمتهم، ومن الطبيعي أن يكون جزاؤه مرتبطا بمدى خدمتهم، فعلى سبيل المثال، كيف سنجيب على سخط الأسر المغربية على أداء المدرسة العمومية، بخطاب يلغي مسؤولية واقعها المتردي عن جل المدرسين، ويقول بأن التزامهم واحد، ومردوديتهم عالية، فمع هذا الخطاب من المسؤول إذن؟
على العموم، إن نجاح الإصلاح رهين بتوافر إرادة سياسية حقيقية في تحقيقه، لدى كل الفاعلين مهما كانت مواقعهم ، وهذا ما يفرضه واقع الإدارة اليوم، ولا حل إلا في إنقاذ ما يمكن إنقاذه، بشكل يجعل احترام الخيرات العمومية مبدأ وأساس و غاية، وهو المبدأ الذي يضمن للمواطنين الاستفادة من كل حقوقهم، بشكل عادل وديمقراطي، لا يرتكن إلى خلفية التجزيئ كما تمنعها ثقافة حقوق الإنسان، وهي الخلفية المغلوطة التي تغيب حقوق المواطنين أمام حقوق الموظفين.
الكاتب : فتح الله رمضاني - بتاريخ : 16/08/2017