ابن رشد يدمر الغزالي

عزيز الحدادي

في مجال الفلسفةلايتم الهدم إلا بغاية البناء، فالبناء الرصين أساسه الهدم العنيف، ولعل هذا بالذات هو المحرك الأول لتاريخ الفلسفة منذ أول فيلسوف إلى يومنا هذا، فتاريخ الفلسفة هو قراءة لتاريخها. لاأحد من الفلاسفة يرفض تعريف الفلسفة بغيرماهيتها إلا إذا كان سوفسطائيا، والسوفسطائي هومن اضطرهزمانه إلى التمويه عن الحقيقة خدمة لوالي نعمته؛ فهل كان أبوحامد الغز اليسوفسطائيا ينسب إلى الفلاسفة ما ليسمن قولهم؟، بل أكثرمن ذلك، هلكان اعتناقه لمذهب الأشاعرة وراء كتابة تهافت الفلاسفة؟،وإلا ما معنى اضطرهزمانه إلى هذا الكتاب لينفي عن نفسه الظنة بأن هيرى رأي الحكماء؟.
ثمة اشارة قوية إلى إيبيستيميه عصرالغزالي،وهوإبيستميه الأشعرية، بمعنى عدم الاعتراف برأي الحكماء ويمتهن صناعة التغليط والمخادعة إلى درجة أنه يفتري على الفلاسفة حين ينسب إليهم ماليسمن قولهم، فالفعل ليس ينسبه أحد من الفلاسفة إلى وإنما ينسبه إلى المحرك الأول،غيرأن الغزالي بروحه السوفسطائية قام بتغيرالعلم الالهي حتى صار ظنيا، وصارتكل أقوالهس وسفطائية مغلطة لأهل زمانه.
من أجل تفكيك بنية كتابته افت الفلاسفة وتحويله إلى تهافت التهافت سيعمل ابن رشدعلى فحص كل المفاهيم التي تم نقلها من مجالها البرهاني إلى مجال الجد لوالسفسطة قد فقدت معناها، فالمحرك الأول ليس هوالصانع، والفاعل باطل اقل يسهو الفاعل بالجزء، وقدم العالم ليسمعناه أنه ليس له خالق: اوإنما سمت الحكماء العالم قديما تحفظ امنا لمحدث الذي هوفي شيء وف يزمان وبعد العدم ا . كما أنه بقلب الضروري إلى ممكن،والعدم إلى وجود، والوحدة إلى كثرة والإرادة إلى عدم الإرادة: اوالرجل معذوربحسب وقته ومكانه فإنه ذا الرجل امتحن في كتبه«، لكن إلى أي مدى كان الغزالي سوفسطائيا يسعى إلى مداهنة أهل زمانه؟ وماعلاقة زمن الغزالي بالراهن؟.
الواقع ان كتاب تهافت الفلاسفة هو بلغة ابن رشد اعتراف بتهافت مؤلفه، والشاهد على ذلك أنه كتب تحت الطلب، وعيب أقوال صاحبه تطفوعلى سطح صفحاته يصفها ابن رشد قائلا: اهذا قول في أعلى مراتب الجدل،هذا قول سوفسطائي، هذا قول قليلا لاقناع، قول خبيث، قول مغلط ركيك الإقناع … وهذا الرجل كفرالفلاسفة بثلاث مسائل ، وهذا كله تخليط، ولاشك أنه ذا الرجل أخطأ على الشريعة كما أخطأ على الحكمة ا .
والحق أن كتاب الغزالي يكتفي بسرد ملامح نظام الفكر العميق للمذهب الأشعري الذي أنتج إبيستيمي أصولي: امدهش في استمراريته وطول أمده وقدرته على الإنبعاث والتجييش حتى في أواخرهذا القرن العشرين ا .فبالإضافة إلى اجتراه لمفاهيم علم الكلام التي قادت الفكرالعربي إلى الباب المسدود، فإنه لم يكن يحترم الحقيقة، ولذلك ظل يتحرك داخل مملكة الفلسفة، لأن الخوف من الحقيقة، معناه السقوط في متاهة الإيديولوجية، والسلاح الإيديولوجيي قتل الفيلسوف،ولكنه لا يستطيع أن يقتل الفلسفة . وبما أن مهمة الغزالي لم يكن لها هدف فلسفي، بل ايديولوجي، وإل امامعنى تهافت الفلاسفة، وليس تهافت الفلسفة، فتشخيص الصراع من سمات الحروب الإيديولوجية التي تستغل الدين وتلبسه لباس الأساطير والخرافات ، ولكنها غالبا ماتحقق عكس المطلوب ، بتدشينها لعصرالانحطاط وإيقاظ الحركات المتطرفة التي تكره العقل وتحطم الفكرالعلمي، حيث تحول الدين إلى تيوقراطية تصارع من أجل السلطة.
نعم لقد كان شعار الغزالي هوهدم العقل العربي ، وبناء الأسطورة العربية بواسطة السفسطة التي يستعملها فقهاء وحداني التسلط في اطارميثولوجية الخلافة، وخرافة الإمامة، باعتبارهما وجهين لإيديولوجيا واحدة تنبني على العنف والمقدس. فثمة برهان خارج البره انقاد إلى العيش خارج مملكة الفلسفة، والغزالي كان هوالناطق باسم هذاالتيار،لأنه يدعي بأن إحياءعلوم الدين لايتم إلا بهدم علوم العقل. ومن المؤسف أن الفقيه حينما يكون مستعدا للكذب والخداع من أجل إرضاء عدوانية وحداني التسلط، ولذلك فإن محاكمة الفلاسفة لاتتم بالمعرفة، بل بالدين الرسمي، وأغلب فقرات كتاب تهافت الفلاسفة هي بمثابة محاكمة دينية بأدلة سوفسطائية ليس لها من مصدرسوى الاتجاه الأرثوذوكسي، والعقل الدوغمائي للفقهاء، وإلا كيف يمكن تفسير اختيار الغزالي لثلاث قضايا ملتبسة في المتن الفلسفي العربي، أيقضية قدم العالم ، والعلم بالجزئيات، وبعث النفس، دون غيرها؟ ،بل ولماذا تم تكفيرالفلاسفة انطلاقا من تأويله السوفسطائي لهذه القضايا بالذات؟ ألا يكون الغزالي نفسه ضحية هذا التهافت؟
ياله من كتاب تحت الطلب ، والشاهدعلى ذلك أنه كتب بسرعة ، لأن الأمريقتضي تصفية حسابات إيديولوجية لاغير. وبما أن المراجع التي اعتمدها في نقده للفلسفة لم تتجاوزكتاب النجاة لابن سينا وهو مجرد مختصر لكتاب الشفاء، فان ابن رشد قد نبه إلى خطورة هذه المسألة غيرما مرة، وأدرك بأن الغزالي كان ينسب إلى الفلاسفة ماليس منقولهم، من أجل أن يكون تهافته متهافتا، وربما يكون الشرط الوحيد المتوفر فيهذا الكتاب هوعدم احترامه للحقيقة، وحين لايحترم الباحث في العلم الحقيقة يتحول إلىسوفسطائي غرضه التمويه والهدم وليس البناء وتكون الغاية هي الربح المالي ، والغزالي كان يسعى إلى المال وحظوة السلطة. قد يقال أنه حجة الإسلام، نعم حين كتب إحياءعلوم الدين، أم اتهافت الفلاسفة، فإنه ظلم ترددا في مقاصد الفلاسفة، إذ أنه لم يستطع حذف الفلسفة من أرض الإسلام بواسطة تكفيرالفلاسفة، لأن جدل الفكرأقوى من جدل الإيديولوجيا، كما أن الفلسفة لايمكن أن تنهزم أمام السفسطة .

الكاتب : عزيز الحدادي - بتاريخ : 20/06/2020

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *