الأسئلة المحرجة التي تواجهنا في زمن الألفية الثالثة
محمد أديب السلاوي
-1-
الأسئلة المتراكمة على فضاءات المغرب الراهن، تكاد تكون مستعصية، حرجة ومحرجة، تعطي الإنطباع منذ الوهلة الأولى أن مغرب العقد الثاني من الألفية الثالثة،سوف لا يبقى مستقرا فقط على القضايا والمشاكل والازمات التي كرست فقره وتخلفه على الخريطة العربية الإفريقية،منذ عدة عقود بسبب الفساد السياسي/ المالي/الإجتماعي، المتعدد الصفات والأهداف، و لكنه سوف ينجر لا قدر الله إلى الأسوأـ بسبب الإتساع المطرد لبطالة الشباب وانسداد أبواب الرزق في وجوههم، وبسبب اتساع رقعة العنف والتهميش والتسلط وانتشار الأمراض، والفقر والتفقير على حساب الإفلاس المتواصل للسياسات الحكومية، وبرامجها وإستراتيجيتها في التعليم والتشغيل والثقافة والصناعة والاقتصاد والإعلام وكل القطاعات المنتجة، وهو ما جعلها في نظر العديد من الخبراء داخل المغرب وخارجه، سياسات مثقلة بالركود و الهزالة والهشاشة والخيبة والتراجع واختلال التوازنات والعجز في المبادرة و اتخاذ القرارات.
-2-
ليس خفيا على أحد أن مغرب اليوم يعيش في ظل حكومة ضعيفة، تفتقر إلى الرؤى السليمة، سلسلة من الأزمات: من أزمة التعليم إلى أزمة الصحة، ومن أزمة الشغل إلى أزمة السكن ومن أزمة الانكماش الإقتصادي إلى أزمة ارتفاع أسعار المواد الطاقية والمواد الغذائية، ومن أزمة انخفاض عدد مناصب الشغل وتراجع توازن الميزانيات والحسابات الخارجية إلى أزمة ارتفاع مديونية الخزينة العامة وتراجع احتياطي العملة،و من أزمة الديمقراطية الداخلية بالأحزاب السياسية إلى أزمة الثقة في المؤسسات. سلسلة مترابطة من الأزمات تنعكس جميعها سلبا على الأفراد والجماعات على مغرب مثقل بالصراعات و التحديات.
ولاشك أن هذه الأزمات جميعا لا ترتبط فقط بالخلل الذي يمس القطاعات الحيوية في عهد حكومة السيد عبد الله بنكيران: التعليم/ الصحة/ السكن/ الفلاحة/ الصناعة/ الشغل/ الخدمات، ولكنها ترتبط أساسا بالخلل الذي يمس التخطيط منذ عدة عقود من الزمن، وهو ما جعل التخلف حقيقة لا جدال فيها.
في ظل هذه الحقيقة المقلقة، يأتي السؤال ملحا: ما هي صيغة المستقبل الذي ينتظر بلدا متخلفا،وجد نفسه كذلك في زمن التقدم العلمي والتكنولوجي والعولمة وهو يعاني من أمراض وأزمات وإشكالات ثقافية وحضارية واقتصادية متداخلة ومتشابكة، ورث غالبيتها عن الماضي الاستعماري، وكرس بعضها في عهد الاستقلال…؟
ما يزيد من قلق هذا السؤال،أن مغرب اليوم المطوق بهذه الأزمات والإشكالات ليس له أي دخل في الصورة التي وجد نفسه عليها، أنه استيقظ من إغماءته التي استمرت قرابة قرن من الزمن، ليجد نفسه في مطلع الألفية الثالثة مكبلا بعشرات القيود والالتزامات، قيود الفقر والبطالة والأمية والتخلف التقنولوجي، التي لم تستطع لا حكومة بنكيران، ولا الحكومات التي قبلها التحكم في مفاتحها، وليجد نفسه أيضا يعاني من تفشي الجريمة والفساد الأخلاقي، والفساد الإداري والفساد المالي، ومن الإنفجارات الديموغرافية الغير مخططة، و هو ما يفرض عليه إيجاد المزيد من الخبز والأدوية والمدارس والمستشفيات ومناصب الشغل. والمزيد من القروض والخبراء الأجانب، لمواجهة التخلف.
3 –
السؤال الذي تطرحه المشاكل الاجتماعية/الاقتصادية/السياسية، المترابطة والمتشابكة على مغرب الألفية الثالثة، كيف سيصبح الوضع في المغرب سنة 2020، حيث من المنتظر أن يصل عدد السكان إلى حوالي أربعين مليونا…..؟
في نظرنا تتعاضم أهمية هذا السؤال في القطاعين الاقتصادي والاجتماعي، كلما نظرنا إليه من زاوية الإختلالات التي مازالت تضرب التعليم والصناعة والفلاحة و“سوق الشغل” والتي تؤثر سلبا على مختلف القطاعات الإنتاجية، وبالتالي على مسار التنمية المستدامة ….. كما تتعاظم أهميته، من جانب أخر أمام المؤهلات المحدودة للاقتصاد المغربي في توسيع هذه السوق والتقلص المستمر لإمكانيات الهجرة والعمل خارج الحدود.
يعني ذلك أن مغرب اليوم الذي يسعى إلى ترسيخ الديموقراطية ودولة الحق والقانون / دولة المؤسسات، يواجه تحديات “ثقيلة” متعددة ومتداخلة ومتشابكة،لا قدرة لهذه الحكومة على مواجهتها، فالنمو الديموغرافي ومحدودية الإقتصاد و تقليص الهجرة، لا تعني فقط التراكم المستمر للأزمة الإجتماعية، ولكن أيضا تعني “تحفيز” الأزمات الأخرى على الظهور و التأثير.
تقول المؤشرات أن نسبة البطالة قد تصل خلال السنوات القليلة القادمة، إذ لم يعالج الآمر بصرامة، إلى 25% من إجمالي السكان النشطين، بمن فيهم الخريجين و الذين لا حرفة ولا تكوين لهم.
وتقول هذه الموشرات أيضا، أن فئات اجتماعية جديدة قد تنتقل خلال نهاية هذا العقد – إذ لم يعالج الأمر- إلى العيش تحت مستوى الفقر.
يعني ذلك بوضوح، أن الوضعية المغربية الراهنة المثقلة بسلسلة من الأزمات، تتطلب إصلاحات جدرية في هياكل المؤسسات لخلق ملايين من مناصب الشغل، وإعادة التوازن لخدمات الدولة في التعليم و الصحة والسكن وغيرها من القطاعات الفاعلة في التوازن الإجتماعي، وهو ما يواجه بتحديات صارمة للعهد العالمي الجديد، القائم على العولمة و التنافسية والديمقراطية.
ومن باب الاستئناس، يمكن أن نذكر أن وضعية المغرب الراهنة، لا تتطلب فقط إصلاحات هيكلية في إدارتها لمواجهة تحديات العولمة، كما يتراءى لزعماء الحكومة الحالية، ولكن أيضا تتطلب إحداث خمسة ملايين منصب شغل، ومضاعفة عدد المعلمين والأساتذة ومكوني التكوين المهني والأطر التربوية والإدارية، ومضاعفة عدد الفصول الدراسية في المدارس الابتدائية والثانوية، ومضاعفة عدد المعاهد العلمية والجامعات لتأمين المقاعد المدرسية والجامعية والتكوينية/الحرفية لكل المؤهلين والقادرين على التعليم، وذلك دون ما تفرضه من إصلاح وتوسيع وإعادة هيكلة للصحة والصناعة، والصناعة التقليدية والزراعة والتجارة وكل المجالات والقطاعات الحيوية الأخرى…… و هو ما يجعل الأزمة حادة، وثقيلة ….. وربما خطيرة أيضا.
4 –
يقول الخبراء، عندما تصبح “الديموغرافيا” حالة مستمرة من التنافر بين نموها وبين التخطيط لها، يتدخل الإصلاح باستعجال لإدراك الموقف.
“ فالحالة المغربية” تواجهها تحديات متنوعة ومتداخلة ومرتبطة بسلسلة من المعطيات، منها ما يتصل بالنمو الديموغرافي ومنها ما يتصل بالتخطيط الإقتصادي/ الإجتماعي ومنها ما يتصل بالمناهج الدراسية وضآلة الإنتاج، ولآن المغرب على أبواب تحوله التاريخي، وبصدد استكمال الشروط الموضوعية لهذا التحول، فإن العراقيل المادية ليست وحدها تبقى واقفة في وجه هذا التحول …. وأن غياب السياسات والإستراتيجيات العقلانية، تبقى من العراقيل التي تقف في وجه التحول، والانتقال إلى مرحلة جديدة من التاريخ.
العديد من المحللين والمستقرئين “للحالة المغربية” يعتبرون أن مسألة التحول و الإنتقال والخروج من الأزمات أو من بعضها على الأقل، هي مسؤولية جماعية، مسؤولية الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية والحقوقية، ومسؤولية الأبناك ورجال الأعمال والأساتذة و المعلمين والخبراء….. ذلك أن النخبة الواعية بظروف هذه “الحالة” وخلفياتها التاريخية والمادية وأثارها السلبية على الحاضر والمستقبل، هي الأكثر مسؤولية والأكثر وعيا بها، و لكنها مع ذلك، ترى أن حكومة وطنية منسجمة وواعية وحدها القادرة على تقريب الإنتقال المطلوب إلى وضعه المطلوب.
والسؤال: كيف لهذه النخبة أن تقوم بدورها في تعميق وعي الشعب المغربي بمتطلبات الانتقال؟…. وهي نفسها مازالت لم تتخلص من الأزمات المحيطة بها من كل جانب.
أفلا تنظـــرون…..؟
الكاتب : محمد أديب السلاوي - بتاريخ : 24/07/2018