الاتحاد الاشتراكي …حركية تنظيمية تنتج الأفكار وتجدد الدماء

عبد السلام المساوي

 

لعل من أولويات الممارسة السياسية ببلادنا، ومن شروط ضمان تأطيرها الإيجابي والمباشر في التعبئة والمواكبة والتأطير الحر المجتمعي، هو ضمان ذلك النوع من الحركية التنظيمية الدائمة والمستمرة داخل التنظيمات السياسية، بالشكل الذي يجعلها قادرة على إنتاج الأفكار وتجديد الدماء والدفع بالمبادرات المتقدمة والجريئة في أفق خلق حركية مجتمعية مواكبة ومترصدة لما يحدث داخل المجتمع.
من هنا يبقى أهم مؤشر على هذه الحيوية المطلوبة اليوم، أكثر من أي وقت مضى، هو تفعيل دور التنظيمات الداخلية للأحزاب، من قطاعات مهنية ونقابية وشبيبية ونسائية وجمعوية… بما يساهم في بلورة تصورات متقدمة تكون قادرة على الإجابة عن مختلف الأسئلة ذات الطابع الاستعجالي من جهة، وخلخلة البنيات الفكرية النمطية والثابتة، التي تكون قد استنفدت كثيرا من فاعليتها أمام المستجدات المتسارعة التي يفرزها الواقع المعيش.
انطلاقا من هذا الأفق التنظيمي الصحي، سارع الاتحاد الاشتراكي بقيادة إدريس لشكر منذ اختتام أشغال المؤتمر الوطني الحادي عشر ، إلى الانخراط في حركية تنظيمية شاملة، كان الهدف منها القطع مع الجمود والحد من الفوضى، الهدف منها هو السعي لبناء جسم تنظيمي قوي، منفتح ومعافى، كفيل باستقبال أفكار جديدة وأطر شابة، أبانت من خلال ممارستها للفعل السياسي اليومي على إمكانية متطورة وغنية لإفادة الحزب وامتداداته المجتمعية على حد سواء.
وهكذا، وفي ظرف وجيز وزمن قياسي، انخرط جميع الاتحاديين والاتحاديات في تجديد هياكلهم التنظيمية محليا وإقليميا وكذا قطاعيا. هذا التجديد الذي تميز في مجمله بالانفتاح العقلاني الكبير على طاقات وأطر جديدة من الشباب والنساء والفعاليات المحلية الأمر الذي يمكن أن يشكل نقلة نوعية تساهم إلى جانب تقوية مسيرة الاتحاد النضالية، في خلخلة الركود الذي بات في كثير من تمظهراته العنوان البارز للممارسة الحزبية ببلادنا.
فعلى امتداد الشهور الماضية تمكن الاتحاد الاشتراكي من تنظيم مجموعة من  المؤتمرات  الإقليمية مع ما تطلب ذلك من جهود فكرية واجتهادات سياسية، هذا إضافة إلى هيكلة العديد من القطاعات المهنية التي شكلت فرصة سانحة لفتح حوارات صريحة جادة ومسؤولة مع مختلف القواعد الحزبية، ومن خلالها مع الرأي العام الوطني قاطبة، وهكذا انخرط الحزب، بإرادة واعية وهادفة وطموح مستقبلي، في هيكلة العديد من القطاعات الحزبية الحيوية: التعليم العالي، المهندسون، الفوسفاط، الأطباء ، المحامون… وهو عازم على المضي في الطريق بهيكلة كل القطاعات الفاعلة في مجتمعنا، إذ التحضير لهيكلة قطاع المثقفين  … قائم بجدية نضالية وعمل مسؤول.
لقد شهد الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، خلال الأشهر القليلة الماضية، انخراط كل مناضليه في ورش جديد من أوراش تجديد الآلة التنظيمية الحزبية، هذا الورش الذي شكل فرصة أخرى إضافية أسهمت فيها كل قطاعات وأجهزة وتنظيمات الحزب الموازية في الإعلان عن ميلاد حركية جديدة، حركية غلب عليها هاجس التغيير، بما يساهم انطلاقا من توظيف هويتنا وثرواتنا وتاريخنا الحزبي، في بناء حزب الغد، بالشكل الذي يجعلنا أكثر انسجاما وتجاوبا مع مختلف المستجدات من الأحداث.
ولعل هذا الطموح الإيجابي الذي يحرك الكاتب الأول إدريس لشكر، هو ما يؤكد، مرة أخرى، أن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ليس حركة جامدة، كما ليس قوة انتظارية ثابتة وغير فاعلة في مجريات الأحداث، بل على العكس من ذلك إنه قوة اقتراحية حية، خلاقة، ديناميكية ومفاجئة.
وبالرجوع إلى ما شهدته مجموعة من الأقاليم من حركية ملفتة، خلال الأشهر القليلة الماضية وعلى امتداد الخريطة الوطنية، يتضح أن هذا التطلع لا يراهن إلا على المستقبل، وعلى ما يساهم في ترسيخ سبل الرقي بمجتمعنا إلى ما هو أفضل.
إن أهم ما طبع كل المؤتمرات التي انعقدت حتى الآن، لا سيما في شقيها المتعلقين بمجريات الأشغال وكذا تشكيلات الجديدة التي أفرزتها انتخابات الأجهزة المسيرة ، هو هذا الاهتمام بالفئات الفاعلة داخل المجتمع ولا سيما فئة الشباب والنساء، هذا إلى جانب تكثيف المجهودات الموازية والمكللة لهذا المسلسل، والتي تتجسد بوضوح في إحياء وتنشيط القطاعات الحزبية، التي تشكل صلة موصل مباشرة مع عموم الشارع المغربي.
تكمن أهمية هذه المؤتمرات أيضا، في الانفتاح وضرورة الانفتاح على واقعنا المغربي المتجدد، المعقد والمليء بالتساؤلات. لذلك، فإن من السمات الصحية التي رسختها هذه المؤتمرات كذلك، كونها فتحت بل جددت الحوار بين مختلف مكونات الرأي العام الاتحادي، الذي يعتبر جزءا من الرأي العام الوطني. كما شكلت فرصة إضافية لمزيد من التواصل الميداني المباشر، لما يكفل مزيدا من طرح القضايا الملحة، سواء الاقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافية، وما إلى ذلك، إما محليا أو إقليميا أو جهويا أو وطنيا.
لقد أبانت هذه الحركية التنظيمية أن الاتحاد الاشتراكي، بقدر ما هو مطالب بطرح برامج وتصورات وأجوبة ملموسة حول قضايا ملموسة بالنسبة للشعب، فهو في حاجة، من أجل تحقيق أهدافه وإنجاح مشروعه، إلى طاقات وكفاءات وأطر قادرة على بلورة هذه البرامج . من هنا يعمل الاتحاد الاشتراكي، تنظيميا وبقيادة إدريس لشكر ، على توفير هياكل استقبالية قادرة على استيعاب هذا النوع من الطاقات. من هنا كانت الانتفاضة التنظيمية لخلق آليات تنظيمية مرنة وناجعة لاستيعاب وإدماج كل الفئات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية المؤمنة بالعقلانية والحداثة، والمتشبعة بالروح الديمقراطية الاجتماعية والمعانقة للحلم الاشتراكي والمصرة على تحقيقه على مستوى الواقع. إن الاتحاد الاشتراكي باعتباره حزبا اشتراكيا ديمقراطيا وحداثيا وباعتباره قاطرة القوى الحية ببلادنا، مطروح عليه الانفتاح على الفعاليات المجتمعية، فعاليات نزيهة ومواطنة ذات كفاءة علمية وإشعاع مجتمعي …
إن الانفتاح على الكفاءات والفعاليات داخل المجتمع يستدعى، قبل كل شيء، القطع مع كل أساليب الانغلاق والتعامل بالحذر الماضي مع كل من استقطبه المشروع الاتحادي في الفترة الأخيرة، لذا يتعين علينا جميعا أن نعمل جادين على التشبع بثقافة سياسية وتنظيمية مؤهلة لاستقبال الكفاءات والأطر التي تزخر بها بلادنا والتي هي مستعدة لتقوية صفوف الاتحاد الاشتراكي. وعلى الحزب أن يوفر ظروف الإبداع داخل صفوفه لتفجير الطاقات وإبراز الكفاءات، وأن يوفر طرق تدبير الخلافات لصالح الإنتاج الفكري والعملي، وهذا شرط أساسي تستلزمه الديمقراطية.

الكاتب : عبد السلام المساوي - بتاريخ : 12/02/2025