الاتحاد الاشتراكي والتفاعل مع خطاب العرش

عبد السلام المساوي

 

إن الاتحاد الاشتراكي يجد نفسه في الخيارات الاستراتيجية والتوجهات السياسية والإصلاحات الهيكلية التي يبشر بها جلالة الملك، ويحث عليها في كل مناسبة وحين، بل وينكب على الإشراف على الكثير منها…
إن الاتحاد الاشتراكي الوفي لتاريخه الوطني، المتشبع بهويته التقدمية، المستند إلى جذوره الاجتماعية – الشعبية، ليشكل في عالم اليوم قوة سياسية، حداثية، تنخرط بوعي ومسؤولية في المساهمة في صنع مستقبل البلاد، عبر مراهنتها المتبصرة السياسية والتنظيمية، على دور الشباب، ودور المرأة، ودور الكفاءات الوطنية، ودور القوى المنتجة في البلاد، في استيعاب التحولات الإنتاجية الجارية، واستدماج الثورات التكنولوجية المتواصلة…
في خطاب افتتاح البرلمان، يوم الجمعة 12 أكتوبر 2018، يعلي جلالة الملك من قيمة العمل الحزبي ليكون إحدى رافعات التحول الاجتماعي في المغرب. وهكذا دعا جلالة الملك إلى الرفع من الدعم العمومي للأحزاب وتخصيص جزء مهم منه « لفائدة الكفاءات التي توظفها، في مجالات التفكير والتحليل والابتكار»، وذلك من أجل تحفيز الأحزاب على تجديد أساليب عملها، مما يساهم في الرفع من مستوى الأداء الحزبي ومن جودة التشريعات والسياسات العمومية .
وحين يعلن الخطاب عن الزيادة في الدعم المالي المخصص للأحزاب السياسية، فذلك من أجل مساعدتها على تحقيق التزامين: يتعلق الأول بممارسة وظيفتها في التأطير والانتشار كي تستعيد سلطتها كمؤسسة للوساطة، فيما يرتبط الثاني بتحفيزها على استقطاب الأطر والكفاءات…
وفي خطاب العرش، يوم الاثنين 29 يوليوز 2019، يقول جلالة الملك: « فالمرحلة الجديدة ستعرف إن شاء الله، جيلا جديدا من المشاريع. ولكنها ستتطلب أيضا نخبة جديدة من الكفاءات، في مختلف المناصب والمسؤوليات، وضخ دماء جديدة، على مستوى المؤسسات والهيئات السياسية والاقتصادية والإدارية بما فيها الحكومة».
خطاب العرش كان قويا، صارما، صريحا، لم يكتف هاته المرة بقولها «نحن نريد سماع الحقيقة كاملة عما يجري في بلادنا وإن كانت قاسية ومؤلمة»، لم يكتف هاته المرة بقولها مثلما هي للمسؤولين والمواطنين، بل مر إلى اقتراح البديل وإلى وضع المرحلة الجديدة للبلاد عنوانا للقادم.

المغاربة الذين يقولونها بكل اللغات عن تبرمهم ومللهم من وجوه بعض المزمنين الذين لا يريدون الرحيل، سمعوا ملك البلاد يقول بأن الحاجة ضرورية اليوم لكفاءات ووجوه وطاقات جديدة…
إن قدر المغرب ليس أن يبقى رهينة الذين يقفلون على الكفاءات وعلى الشباب منافذ الطموح والمسؤولية في بلادهم، وهم الذين يجعلون الشعب يتصور أن المناصب حكر على نوع واحد من المسؤولين هم ومن ينتسب إليهم إن بقرابة حقيقية أو سياسية أو حزبية أو مصلحية. وهم من جعلوا المناصب وسيلة اغتناء عوض أن يجعلوها وسيلة خدمة للمواطنين والمواطنات. وهم سبب حقيقي من أسباب بقاء المغاربة غير مستفيدين من كثير الإصلاحات التي وقعت في البلد، رغم أهمية هاته الإصلاحات وثوريتها وعدم تحققها في بلدان أخرى …
هناك اقتناع، هناك توافق بين الملك وبين شعبه، إن الحاجة ماسة إلى الوجوه الجديدة، والكفاءات الحقيقية الجديدة، والطاقات الشابة التي يمتلئ بها خزان هذا البلد حد الإبهار .
وهذه المرة كانت واضحة أكثر من المرات السابقة، وتقول باسم الشعب وباسم الملك معا إن الحاجة ماسة لضخ الدماء الجديدة في العروق، التي لم تعد تستطيع الاشتغال بشكل سليم … إن المسالة تهم مستقبل بلد بأكمله .
إن الاتحاد الاشتراكي هو القوة المجتمعية الأكثر انفتاحا وتأهلا للمساهمة بفعالية في إنجاز الأوراش الإصلاحية، على قاعدة الجدلية الحية القائمة بين الإصلاح والاستقرار، في إطار مجتمع متماسك، متضامن ومتطور …
وفي هذا السياق الذي تحكمه إرادة المبادرة، لا انهزامية الانكفاء، وانسجاما مع خطاب العرش، تندرج مراسلة المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي في 8 غشت 2019، الموجهة إلى أعضاء المجلس الوطني وكتاب الأقاليم والجهات، المتعلقة بتشكيل بنك للمعطيات والكفاءات الحزبية، جاء فيها «تفاعلا مع الخطاب الملكي لعيد العرش والذي أكد فيه جلالة الملك أن مشاريع المرحلة الجديدة ستتطلب نخبة جديدة من الكفاءات في مختلف مناصب المسؤولية، الحكومية والإدارية، من أجل ضخ دماء جديدة في المؤسسات والهيئات الوطنية، يعتزم الحزب تشكيل بنك للمعطيات يتضمن المعلومات اللازمة حول الطاقات والكفاءات الحزبية في مختلف المجالات والتخصصات قصد اعتمادها عند الضرورة …».
وإذا كان الاتحاد الاشتراكي أداة إصلاح وتغيير في الحاضر ومناط تطوير وتحديث في المستقبل، فإن قدراته وكفاءاته السياسية والفكرية على التكيف والرؤية البعيدة، ومؤهلاته النضالية والميدانية، لتجعل منه قوة فاعلة في حاضر البلاد ومستقبلها، كما كان وقود نضال وتغيير في الماضي البعيد والقريب…

الكاتب : عبد السلام المساوي - بتاريخ : 20/08/2019