الانتخابات والاتحاد واليسار
محمد المموحي
في سياق النقاش السياسي الجاري، الذي دعت إليه وزارة الداخلية مع الأحزاب السياسية على إثر الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش، لإعطاء الانطلاقة لحوار وطني سياسي حقيقي، للتحضير القانوني والسياسي لإجراء الانتخابات التشريعية المقبلة في موعدها، وعلى أساس قواعد متوافق حولها تعيد التوازنات المختلة بين مؤسسات الدولة، ولتصحيح المسار الديمقراطي الذي انحرف به التغول الحكومي إلى مستويات رهيبة من انعدام الثقة في العملية السياسية، وجدوى الانتخابات بسبب فشل السياسات العمومية لهذه الحكومة في معالجة أهم انتظارات المغاربة في الشغل ومختلف الخدمات الاجتماعية.
الآن، ونحن بصدد متابعة أجواء التحضير للقواعد القانونية التي من المفروض أن تكون الأساس الذي سيؤطر الانتخابات المقبلة، لابد من طرح الأسئلة المقلقة التي تشغل بال الرأي العام الوطني، وفي مقدمتها:
أولا: كيفية استعادة الثقة في العمل السياسي؟
وهنا لابد من التوقف عند ظاهرة الفساد السياسي التي لم تعد حالات شخصية معزولة، وإنما صارت ظاهرة عامة تسربت إلى مفاصل مؤسسات الدولة وإلى الأحزاب السياسية وكبار المنتخبين في مجلس النواب وفي مجالس الجهات وفي المجالس الإقليمية، وبالطبع لها امتداداتها في مجالات الجهاز الإداري الذي يتحكم في مفاصل العمليات الانتخابية وصاحب الإشراف الكامل على مختلف مراحلها. وهذا جوهر ومدخل أي تشخيص قانوني أو سياسي لأي تحول جديد في تدبير الشأن الانتخابي، واعتباره قاعدة أساسية في طرح تصور واضح وشفاف متوافق عليه قد يساهم في دفع الناس إلى التصديق بأن هناك إرادة حقيقة سياسية مطابقة للإرادة الملكية في إعادة الثقة في العمل السياسي.
ثانيا:
ومن باب التذكير، أنه لا يمكن تصور أي تحول نوعي في المسار الديمقراطي إلا بوجود قوى ديمقراطية قوية وحاضرة ولها امتداد في قطاعات المجتمع، وهي القوى التي يمكن الرهان عليها لإنجاز هذا التحول أو على الأقل في الشروط الموضوعية الاقتصادية والاجتماعية الصعبة الحالية، وأن تكون قادرة على تعبئة أوسع الفئات الشعبية العريضة للانخراط في هذا السياق بوعي وبمسؤولية.
ثالثا: ما هي القوى الديمقراطية القادرة على القيام بهذه المهمة النضالية التاريخية؟
وطبعا، أن تكون هذه القوى الديمقراطية هي القوى الديمقراطية واليسارية المغربية المعارضة لهذه الحكومة، والتي من المفروض أن تشكل البديل المقبل لهذه الحكومة التي أخلفت موعدها مع التاريخ ومع انتظارات المغاربة في هذه الظرفية الدقيقة، رغم كل أسباب النجاح التي كانت لديها من مشاريع ملكية استراتيجية إلى أغلبية كبيرة في البرلمان وفي الجهات، واستحوذت على كل الميزانيات العامة لتنفيذ برنامجها الانتخابي الذي تعاقدت عليه مع الناخبين، وأفلست في تحقيقه بعدما عجزت عن بلورة سياسات عمومية تجيب على حاجات الإصلاح الملحة لدى المواطنين.
الآن ونحن على بعد سنة من إجراء الانتخابات المرتقبة، ماذا أعدت القوى الديمقراطية لهذا الاستحقاق الهام؟ هل لديها بديل جاهز؟
هل هي قادرة على بلورة هذا البديل في مواجهة أحزاب حكومة التغول؟
هل يمكن اعتبار الاتحاد الاشتراكي كحزب وطني قادر على أن يكون بديلا لقيادة المرحلة المقبلة وتصُدر المشهد السياسي والانتخابي المقبل؟
تاريخيا، الاتحاد أثبت أنه قادر على إنجاز المهام الوطنية الكبرى منذ أن كان الشهيد المهدي بن بركة مشرفا ومنسقا للتحضيرات الوطنية لعودة الملك محمد الخامس من منفاه إلى عرشه، إلى حكومة التناوب مع المرحوم الحسن الثاني بكل ثقلها السياسي وانتظاراتها المجتمعية، ومشاريع المصالحات الكبرى التي أقدم عليها عاهل البلاد وفتحت الباب لتحول ديمقراطي أصبح مهددا مع زحم الوقائع الدالة على صعود نفوذ القوى اليمينية وضغط القوى الرجعية في استعادة مواقعها الانتفاعية على حساب التطور الديمقراطي وتحديث المجتمع ودمقرطة الدولة.
في كل هذا، ما موقع اليسار وما هي أدواره وكيف هي قواه كي ينهض بأدواره في هذه اللحظة العصيبة من مسار البناء الديمقراطي؟
وهنا لابد من طرح السؤال الوجودي على اليسار المغربي من قبيل:
ما هو اليسار؟
ما هي أحزاب اليسار؟
أين توجد أحزاب اليسار في قطاعات المجتمع؟
هل لدى أحزاب اليسار المكانة الثقافية والجرأة الفكرية على الاعتراف بمركزية الاتحاد الاشتراكي في هذه العملية الديمقراطية التاريخية لبلورة الكتلة الديمقراطية القادرة على القيام بهذه المهمة النضالية المرحلية في طرح البديل الممكن في مواجهة حكومة التغول الحالية؟
أسئلة مقلقة مطروحة على النخبة السياسية وعلى المثقفين الذين تواروا إلى الخلف لرغبتهم في طهرانية مسيحية تكفيهم شر وبؤس السياسة واضطرارهم ترك الجمل وما حمل والتواري إلى الخلف، وفسح المجال لأشباه الكتاب من أمثال بعض الإعلاميين المنحرفين المدانين قضائيا بجرائم الاتجار بالبشر لصناعة الرأي العام العدمي المناوئ للسياسة وللاتحاد وقوى اليسار الديمقراطي، وينشر الدعوات العدمية ويخلي ساحة الانتخابات لتجار الانتخابات.
مطروح على مكونات وفعاليات فصائل اليسار، المؤمن حقا بخط النضال الديمقراطي ومتطلباته، إجراء حوار صريح وعميق مع الاتحاد الاشتراكي والانخراط معه في هذه الصيرورة التراكمية بعيدا عن التنابز والتناحر والمزايدات الفارغة التي أثبت التاريخ أنها عقيمة وأصبحت عدمية بلا روح ولا قيمة سياسية.
وبصراحة وبكل مسؤولية، يمكن ليسارنا أن يكون في الموعد إذا اقتنع:
أن الاتحاد الاشتراكي هو البيت الكبير لهذا اليسار، واعتقد أن الاتحاد الاشتراكي هو النهر الكبير لشرايين هذا اليسار، وتقتنع مكونات هذا اليسار من التقدم والاشتراكية إلى اليسار الموحد، إلى فدرالية اليسار الديمقراطي، وكل الفعاليات التقدمية اليسارية، والكونفدرالية الديمقراطية للشغل، والفدرالية الديمقراطية للشغل، كل هذه المكونات أن تقتنع بأن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية هو دينامو هذا الاستحقاق الممكن لإنجاز التحول، وعلى قاعدة حوار رفاقي ينطلق من منطلقات مشتركة عاشها اليسار في ممرات الزنازن وفي المعتقلات السرية والعلنية وفي المنفى وساحات الفعل النضالي في المجتمع من أجل الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون، ومن أجل القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في مواجهة جرائم الاحتلال الإسرائيلي وإقامة دولته المستقلة بعاصمتها القدس الشريف.
مجرد وجهة نظر لتقوية الكتلة الديمقراطية لإحداث التحول الكبير في مسار الإصلاحات السياسية والديمقراطية.
الكاتب : محمد المموحي - بتاريخ : 18/08/2025

