التجنيد العسكري وفرصة تقليص البطالة!
اسماعيل الحلوتي
الخلافا لما كان يتوقعه البعض من عدم استجابة الشباب لنداء الانخراط في التجنيد العسكري الإجباري، كشف المنتدى العسكري قبل أيام عن معطيات أولية مبهرة، تفيد بأن عمليات التسجيل في قوائم الالتحاق بمعسكرات التجنيد، بلغت في زمن قياسي أزيد من 80 ألف مترشح ضمنهم 24 ألف فتاة. وهو ما جعل ملك البلاد محمد السادس، باعتباره القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية، يأمر برفع عدد الفوج الأول من 10 آلاف شخص إلى 15 ألفا، وأن يكون من بين المستدعين حوالي 1100 شابة، سيتم توزيعهن بين المصالح الاجتماعية بمدينة “تمارة” وثكنات القوات الجوية والبحرية لاحقا.
وانطلاقا مما هو متوفر من إحصائيات رسمية، يتضح أن ما سبق من تشكيك في أهداف التجنيد العسكري ومحاولات التثبيط من قبل بعض رواد الفضاء الأزرق على منصات التواصل الاجتماعي، لم تجد لها كبير صدى في المجتمع، حيث أظهر الإقبال الكثيف حجم الرغبة الجامحة لدى شبابنا إناثا وذكورا في الالتحاق بسلك القوات المسلحة الملكية، والتعبير الصادق عن حبهم العميق للوطن واعتزازهم بالانتماء إليه، ومدى حماسهم لخدمة بلادهم واستعدادهم للتكوين العسكري، الذي من شأنه تعزيز مكتسبات البعض وتطوير معارفهم، وتأهيل البعض الآخر لولوج سوق الشغل بيسر أو الإدماج في الجيش بعد نهاية فترة التدريب المحددة في 12 شهرا فقط.
ولعل أفضل ما يمكن الاستشهاد به على جودة التكوين المرتقب انطلاقه في شتنبر 2019، هو قول الملك يوم 14 ماي 2019 خلال كلمته الموجهة الى العسكر في إطار “الأمر اليومي”، بمناسبة الذكرى الثالثة والستين لتأسيس القوات المسلحة الملكية، إن الخدمة العسكرية في حلتها الجديدة تأتي: “وفق برامج تعليمية مدروسة ومتنوعة، تشمل مجالات وتخصصات متعددة، تهدف إلى تنويع المعارف، وصقل المهارات لدى الشباب المغربي، تماشيا مع قيمنا الوطنية الثابتة، ومبادئ الجندية الحقة”. مشددا على يقينه التام بما ستوفره هذه التجربة من فوائد جمة للشباب، حيث ستمدهم بخبرة تقنية ومهنية تناسب مؤهلاتهم وطموحاتهم، وتمنحهم تأهيلا عسكريا نموذجيا، على مستوى التأطير الأخلاقي والنفسي والمعنوي، واكتساب القيم المثلى في العمل والانضباط، وإذكاء روح المسؤولية والاعتماد على النفس، ودعم القدرات الذاتية للعطاء المثمر والإبداع المنتج والمساهمة في تنمية البلاد والمجتمع…
ففكرة إحياء العمل بنظام التجنيد العسكري الإجباري، الذي تم إلغاؤه رسميا في عام 2006 لم تأت من فراغ، إذ بصرف النظر عن الخلفيات الاجتماعية والسياسية وما ارتكز عليه المرسوم الملكي من أسس حددها في: “تكوين المواطن تكوينا أساسيا، يستطيع معه أن يقوم بواجب الدفاع عن حوزة الوطن في جميع الظروف بصفة فعالة، وتمكينه من المهارات الفنية والمهنية، التي تسمح له برفع مستواه الاجتماعي وتأهيله إلى المساهمة في التنمية الاقتصادية، والتحلي بروح الامتثال ومزايا الإخلاص والإيثار والتضحية في سبيل المصالح العليا للأمة”. يرى الكثيرون أن الفكرة انبثقت عن الحاجة الماسة إلى الخدمة العسكرية في الظروف الحالية، فهي بمثابة طوق نجاة لانتشال جزء كبير من شبابنا مما بات يعاني من إقصاء وتهميش وأوضاع مزرية مقلقة ومؤرقة، أدت إلى الاستياء والإحباط وتأجيج الاحتقان وتنامي الحركات الاحتجاجية في ظل غياب سياسات عمومية تعنى بمطالبه الملحة، وتحد من معدلات البطالة والفقر والهدر المدرسي…
وإذا كانت جميع الأمم والشعوب تولي فئة الشباب عناية خاصة وتحرص على حسن إعدادهم، وتراهن على قدراتهم في رفع التحديات وإحداث تحولات تنموية وديمقراطية وسياسية واقتصادية واجتماعية وبيئية… وتعتبرهم عماد الحاضر وقوة المستقبل، وسر نهضتها وبناة حضارتها وخط الدفاع الأول والأخير عن حوزتها وحاملي لوائها، وبالمحصلة الشريحة الاجتماعية الأكثر حيوية وتأثيرا في المجتمع لما تشكله من قوة ضاربة.
فكيف لشبابنا أن يكون محركا أساسيا للإقلاع الاقتصادي المأمول، والحكومات المتعاقبة مقصرة في معالجة قضاياهم ومنحهم المكانة اللائقة بهم داخل الحياة العامة، على مستوى التعليم والترفيه والعيش الكريم والتشغيل والمشاركة في الحياة السياسية وصنع القرار وتنمية روح المبادرة لديهم، رغم ما يخصهم به ملك البلاد من رعاية وما أتى به الدستور لفائدتهم من نصوص ومشاريع وقوانين؟
وجدير بالذكر أن عديد التقارير الوطنية والدولية ما انفكت تكشف عن حقائق صادمة حول الواقع المتأزم لشبابنا،من حيث انسداد آفاق التشغيل والتعاطي للمخدرات والارتماء في أحضان شبكات الهجرة السرية، أمام تفاقم الأوضاع وتدني الدخل الأسري وانتشار المحسوبية والزبونية واستشراء الفساد، وعجز النموذج التنموي عن تلبية انتظارات المواطنين، وتدهور النظام التعليمي وعدم ملاءمة مسالك التكوين لحاجيات سوق الشغل. إذ صار معدل البطالة في السنوات الأخيرة يتراوح بين 10,2 و9,8 %، وإلى حدود نهاية عام 2018 بلغ عدد العاطلين مليون و168 ألف شخص، حيث سجلت نسبة 26,5 % و43,2 % في الوسط الحضري لدى الشباب المتراوحة أعمارهم ما بين 15 و24 سنة. فيما يبلغ معدل العاطلين ذوي الشهادات العليا 23 % مقابل 14 % لأصحاب الشهادات المتوسطة.
وفي انتظار استفاقة واضعي السياسات العامة من سباتهم العميق، فإن التجنيد العسكري يظل فرصة ذهبية أمام فئة من شبابنا، تقتضي منهم حسن استغلالها للخروج من حالة التيه وفقدان الأمل، والاستفادة مما ستقدمه لهم من تكوين عسكري وبدني، يكرس لديهم قيم المواطنة ويسمح بتفجير طاقاتهم وتنويع معارفهم وتجويد مهاراتهم، بما يساهم في نهضة البلاد وتقليص معدل البطالة نسبيا…
الكاتب : اسماعيل الحلوتي - بتاريخ : 13/06/2019