الحماية الاجتماعية والحاجة للتفعيل

 جمال المحافظ

 

بمصادقة مجلس الوزراء برئاسة العاهل المغربي الملك محمد السادس، مساء الخميس الماضي، على مشروع قانون ـ إطار يتعلق بالحماية الاجتماعية، في أفق تعميم التغطية الاجتماعية لكافة المواطنين والمواطنات، يكون المغرب قد أعاد فتح ورشا جديدا- قديما، يتطلب التنزيل على أرض الواقع، حتى لا يظل مشروعا ينضاف الى جملة المشاريع التي تعج بها الرفوف.
فحسب بيان المجلس الوزاري، فإن هذا المشروع الهادف إلى تحديد المبادئ والغايات المرتبطة بإصلاح منظومة الحماية الاجتماعية، خلال الخمس سنوات القادمة، والتزامات الدولة والمجالس المحلية المنتخبة والمؤسسات والمقاولات العمومية والقطاع الخاص والمجتمع المدني، ستكون له آثار مباشرة وملموسة في تحسين ظروف عيش المواطنين، ودعم القدرة الشرائية للأسر، وصيانة كرامة جميع المغاربة، وتحصين الفئات الهشة، وتحقيق العدالة الاجتماعية، لاسيما في وقت التقلبات الاقتصادية والمخاطر الصحية والطوارئ المختلفة.
إذا كان من الايجابي في هذا المجال الاستفادة من دروس تداعيات جائحة كوفيد 19 المستجد، فإنها أفرزت من جملة ما أفرت هذه الجائحة، أن الحماية الاجتماعية، يتعين أن تشكل إحدى أولويات السياسات العمومية، على الرغم من أن تكثيف الخطاب حول إشكالية المسألة الاجتماعية، يصطدم بمفارقة غريبة، تتمثل في أنه كلما ارتفع مستوى الخطاب وتكثف، رافقه على أرض الواقع ارتفاع ملحوظ في معدلات الفقر الهشاشة ومنسوب الخصاص الاجتماعي سواء في المدن والارياف.
في هذا السياق، تكاد تجمع كافة الأطراف على رسم صورة قاتمة على وضعية منظومة الحماية الاجتماعية، وتفاقمها، على الرغم من المجهودات المبذولة، إذ تسجل مختلف التقارير والمعطيات الرسمية الوطنية والدولية، مستوى من الضعف والهشاشة الدين يسمان الوضعية الاجتماعية التي تترافق مع اختلالات بنيوية تعاني منها أنظمة الحماية الاجتماعية المتعددة والضعف الذى تعانيه في مجال الحكامة، وهو ما يضفي على هذا الورش الاجتماعي طابعا الاستعجال ويكتسي أولوية الأولويات، خاصة وأن نحو 60 في المئة من السكان المغاربة النشيطين يوجدون في المرحلة الراهنة دون حماية اجتماعية، حسب ما تشير اليه العديد من الدراسات والمعطيات والبيانات حتى الرسمية.
فمنظومة الحماية الاجتماعية الوطنية، تتسم بالعديد من النقائص والسلبيات في مقدمتها ما تعانيهمن هشاشة والتي يغلب عليها الطابع الجزئي والمحدود، وعدم الإنصاف، حيث أن حوالي 60 بالمئة من الساكنة النشيطة غير مشمولة بنظام لمنح معاشات التقاعد، و 800 ألف أجير في القطاع الخاص غير مصرح بهم لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، و50 في المئة يشتغلون في القطاع الفلاحي وغيره من الأنشطة غير المستقرة.
كما أن 46 بالمئة لا يستفيدون من التغطية الصحية، وفي الوقت الذي لا تستفيد الغالبية الساحقة للسكان النشطين من إمكانيات التأمين الاجتماعي الخاص بحوادث الشغل والأمراض المهنية، حسب ما أورده تقرير للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حول « حصيلة الحماية الاجتماعية وسبل تعزيز أنظمة الضمان والمساعدة الاجتماعية «.
يضاف إلى ذلك انعدام لنظام الحماية الاجتماعية الخاص بالأطفال والأشخاص في وضعية بطالة والأشخاص ذوو الإعاقة، فضلا عن أن الأنظمة الإجبارية للضمان الاجتماعي تتسم بطابعها المحدود وغير المتكافئ، في الوقت الذي تغطي فيه أنظمة التقاعد حاليا فقط نحو 40 في المئة من السكان النشيطين المشتغلين، ونظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض يغطى النسبة نفسها تقريبا، إذ يبلغ عدد الأشخاص المشمولين به حوالي 5,8 ملايين شخص.
في ظل هكذا وضع، يتطلب العمل على تفعيل منظومة للحماية الاجتماعية، تكون أكثر فعالية،منظومة مندمجة ومنسجمة، تتسم بالنجاعة والفعالية وذلك من أجل التقليص من هشاشة الحماية الاجتماعية، وذلك عبر اعتماد برامج واقعية،مع ملائمة السياسات العمومية في مجال الحماية مع المعايير الدولية، بجعلها تتخذ طابعا شموليا والعمل على توسيع مجالها، وملاءمة الإعانات، وعدم التمييز والمساواة بين الجنسين، ودمج الأشخاص العاملين في الاقتصاد غير المهيكل، والإنجاز المتدرج، والارتقاء بمستوى الابتكار في آليات التمويل، مع تجميع برامج الحماية الاجتماعية والدعم.
وذلك حتى لا تظل هذه البرامج متفرقة ومشتتة، كما كان قد نبه إلى ذلك،الملك محمد السادس، في خطاب العرش سنة 2018، حينما دعا إلى التعجيل بإعادة النظر في منظومة الحماية الاجتماعية التي يطبعها التشتت، والضعف في مستوى التغطية والنجاعة مؤكدا على أنه «ليس من المنطق أن نجد أكثر من مئة برنامج للدعم والحماية الاجتماعية من مختلف الأحجام.. مشتتة بين العديد من القطاعات الوزارية، والمتدخلين العموميين».
يضاف إلى ذلك ما تعانيه هذه البرامج ذات الطبيعة الاجتماعية من تداخل، ومن ضعف التناسق فيما بينها، وعدم قدرتها على استهداف الفئات التي تستحقها، وهو ما يقتضى إعادة هيكلة شاملة وعميقة، للبرامج والسياسات الوطنية، في مجال الدعم والحماية الاجتماعية للحد من حجم الخصاص الاجتماعي، وتوفير سبل تحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية.
وإذا كان ورش الحماية، يعد مسؤولية مشتركة بين كافة المتدخلين والفاعلين الاجتماعيين من مختلف المواقع والمسؤوليات، فإن الأمر يقتضى أكثر من أي وقت مضى من كافة الأطراف تحمل مسؤولياتها كاملة، وذلك من خلال الانكباب وباستعجال، على تنفيذ مخططات اجتماعية، بإشراك الجميع، بدون اقصاء وتهميش، وفق مقاربة أفقية، لا نجاح هذا الورش الوطني الكبير حول الحماية الاجتماعية.
وهذا ما يتطلب فتح نقاش عمومي واسع وحوار بناء ومثمر مع مختلف الشركاء الاجتماعيين، وتجنب أي استغلال سياسوي، يحيد عن الأهداف النبيلة لقضية الحماية الاجتماعية التي تحظى نظمها بمكانة بارزة بين أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة التي ما فتئت تدعو إلى «استحداث نظم وتدابير حماية اجتماعية ملائمة على الصعيد الوطني للجميع، ووضع حدود دنيا لها، وتحقيق تغطية صحية واسعة للفقراء والضعفاء بحلول عام 2030.»
وتعتبر الأمم المتحدة في هذا الصدد، أن من شأن نظم الحماية الاجتماعية، إذا ما أُحسِن إعدادها وتنفيذها،أن يكون لها تأثير بالغ على أوضاع البلدان، وتؤدِّي في نفس الوقت إلى تعزيز الرأس مال البشري والإنتاجية، والحد من التفاوتات، وبناء القدرة على مواجهة الصدمات، وإنهاء حالة الفقر ومنع توارثه ما بين الأجيال.

الكاتب :  جمال المحافظ - بتاريخ : 16/02/2021

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *