السفر زمن الحجر والطوارئ
عبد السلام الرجواني
مرغمان، كان علينا ان نسافر زمن الحجر والطوارئ، بداية شهر الصيام. لم يكن في وسعنا ان نسافر متى نشاء وعبر المدن والبلدات التي نريد، وان نتوقف حيثما طاب لنا التوقف، كما كنا نفعل في اسفارنا لاغراض مختلفة، في اطار العمل او الاتزام التنظيمي او زيارة الاهل، او من اجل التنزه والاستجمام. السفر زمن الجائحة مختلف في كل شيء. فبدل تهييء حقائب السفر وفحص السيارة عليك ان ترابط لايام امام مقر الباشوية للحصول على رخصة مغادرة المدينة. وهو اجراء صعب على النفس والعقل في زمن الديمقراطية والحريات وحقوق الانسان، لكنه لا يقبل النقض ولا التمرد ولا الاحتجاج. قبلته بكل الرضى والتفهم، ولولا كورونا لكان الموقف غير ذلك. من حظي ان الترخيص لم يكن محدودا في الزمن وصالحا للذهاب والاياب لقضاء امر مستعجل. ودعنا صباحا في اتجاه البيضاء التي تتصدر قائمة تفشي الوباء. بدا لي الطريق السيار ارحب مما كان عليه… سيارتنا وحدها تسير بين بعض ناقلات النفط والسلع والخضروات، تسير على مهل بين مرتفعات الاطلس الكبير.تجاوزنا الاطلس في وقت وجيز او هكذا بدا لي، ففاجاتنا امطار غزيرة ما شاهدت مثلها غزارة وتهاطلا منذ سنين، تروي بطاحا اعياها الجفاف. عند بلاد ” الاوداية” تراءت لي اسوار عالية لسجن هناك، فذهب ذهني لمقارنة احوالنا قيد حجرنا الطوعي باحوال سجناء حرمهم حجرنا من لقاء احبائهم ولو للحظات، في عز الشهر الفضيل، وتداعت في مخيلتي صور تازمامارت ومولاي الشريف ومكونة، ودار المقري والرابوني، وقلت مع نفسي ما اهون الحجر في زمن كورونا، امام عذابات تلك المعتقلات الرهيبة.
تجاوزنا سهل الحوز وولجنا بلاد الرحامنة، بدءا بالجبيلات الى واد ام الربيع تمتد صحراء بلا رمال، وديار هامدة بلا روح ولا زرع ولا تبن، اناسها بين مطارق ثلاث: حجر وجفاف وجوع. تساءلت ان كان لهم نصيب من الصندوق ومن راميد ومن قفف رمضان. ونواصل المسير في اتجاه بيضاء خلت شوارعها الا من عربات نادرة مجبرة على تخفيف سرعاتها لتتوقف عند حواجز المراقبة. عندما وصلت الحاجز الاول سويت كمامتي وادليت برخصة السفر بدل رخصة السياقة. من وراء كمامة زرقاء حدق الشرطي اللطيف في الورقة ثم اشار علي بمواصلة السير. اشفقت على البيضاء التي خلت شوارعها وضاع صخبها وصارت شبه مدينة بلا مطاعم ولا متاجر ولا… ولا… ولا…ذكرني صمتها، ذكرني حزنها بايام الطوارى التي تلت 23 مارس 1965 ما فارق جوهري انا طوارئ اليوم ناجمة عن عدوان فيروسي لا يفهم في السياسة على حياة الناس جميعا، بينما كانت طوارئ الامس نتاج اختيارات سياسية لا شعبية.
اتممت على عجل مهمة متعبة وقفلت راجعا الى عاصمة سوس. اضطررت ان اتوقف اكثر من مرة لاسترجع الانفاس والقدرة على التركيز والسياقة على طريق سيار فارغ يغري الجفون بالنوم. باحات الاستراحة خالية الا من عمال محطات الوقود. الخلاء اغراني بافتراش عشب اخضر تحت ظل شجيرات تتطلع للمستقبل. نمت قليلا ورفيقتي في كل الازمنة ترقبني من وراء زجاج سيارة وهي تتابع برنامجا اذاعيا حول كورونا. اينما وليت مؤشر المذياع سمعت حديثا، اغنية، حوارا، حول الحرب العالمية الثالثة التي يتواجه فيها سكان الارض مع قاتل غير مرئي، لم تقدر على وقف عدوانه لا القبة الحديدية ولا مضادات الطائرات ولا باتريوت، ولا دعاء ذوي البركات ولا تعاويذ الكهنة وتمائم الفقهاء. وانا افكر في تبعات الوباء والاستراتيجيات المتبعة لوقف زحفه والتخفيف من تداعياته، فاجاني وصولي الى محطة الاداء الاخيرة. استعدت كمامتي واعددت الرخصة الاستثنائية التي اطلع الدركي الشاب على مضمونها دون ان يلمسها، فدخلنا المدينة من بابها الشمالي. ” المهم اننا قضينا امرا كان مستعجلا” قالت، وعلامات الارتياح بادية على محياها الجميل. قلت: ” والله، ما كرهت ان نعاود السفر، فالحياة في البرية اهون من الحجر حتى وان كان سبيل النجاة”. رن الهاتف، فاذا بفدوى تسالني: – اينكم؟
– على مشارف المدينة.
الكاتب : عبد السلام الرجواني - بتاريخ : 30/04/2020