الصحة والسلامة المهنية … رهان وطني في زمن الأوراش الكبرى

محمد أمين سملالي
بينما يخوض المغرب مرحلة دقيقة في تحوله التنموي، مع إطلاق مشاريع استراتيجية كبرى في مجالات الماء، الطاقة، البنية التحتية، والسياحة، يظل سؤال الصحة والسلامة المهنية حاليا مؤجلا ومغيبا في النقاش العمومي، وكأن أرواح العاملات والعمال الذين يشيدون هذه الأوراش مجرد تفصيل جانبي في معادلة النمو، أمام هول الأرقام الصادمة لحوادث الشغل والعدد الكبير من الوفيات التي تسجل سنويا بأوراش البناء والوحدات الإنتاجية بمختلف قطاعاتها .
وبما أن المغرب يستعد لتنظيم كأس العالم 2030 بشراكة مع دولتي إسبانيا والبرتغال، فإن هذا الاستحقاق العالمي الكبير، وما يرافقه من مشاريع مهيكلة وبنيوية، يستدعي فتح ورش مواز لا يقل أهمية و راهنية ألا وهو ورش السلامة والكرامة والصحة المهنية داخل مواقع الشغل.
فهل يعقل أن ننجز هذه الأوراش الحيوية بأرواح مهددة بالخطر، وفي ظل منظومة قانونية هشة لا تضمن الحد الأدنى من شروط الوقاية؟
فلا يمكن أن تكون صورة المغرب قوية في الملاعب، بينما واقع العمل فيه يعج بالخروقات والأخطار والحوادث القاتلة.
ففي قلب هذه الأوراش، وخاصة في مناطق تنفيذها مثل الجرف الأصفر ومواقع أخرى يتكرر المشهد ذاته:
حادث مميت، عنوان صحفي سريع، ثم صمت طويل……حتى الحادثة التالية.
آخر هذه الحوادث كان صباح يوم الاثنين 14 ابريل2025، حين لفظ عاملان أنفاسهما الأخيرة تحت أنقاض رافعة سقطت فجأة داخل ورش مشروع تحلية مياه البحر.
وقبلهما، شاب قضى مختنقا في أحد الأحزمة الناقلة، وآخر في وحدة صناعية…
ومع كل وفاة، نفجع بالألم ذاته، ونطرح الأسئلة نفسها، ونصطدم بالصمت نفسه.
هؤلاء العمال لا يدخلون أوراش العمل فقط ببطاقاتهم المهنية، بل يدخلون حاملين أرواحهم على أكفهم، وكأنهم يوقعون عقدا غير مكتوب عنوانه: “قد تعود… وقد لا تعود”.
ومما يزيد من قساوة المشهد، أن الكثير من هذه الأوراش تدبر عبر شركات المناولة، التي غالبا ما تستخدم للالتفاف على الالتزامات القانونية، وتقليص شروط الحماية، والتنصل من المسؤولية القانونية حيث أن معظم الأوراش الخطيرة تدار عبر شبكة معقدة من المقاولين الفرعيين، بهدف تقليل التكاليف وتحويل المسؤولية عبر سياسة «النأي بالنفس» عند وقوع الكوارث.
لقد آن الأوان لوضع حد لهذا التساهل مع خروقات شركات المناولة، والكف عن الاستهتار بسلامة من يشيدون صورة المغرب الجديد.
أما على مستوى التشريع، فإن مقتضيات مدونة الشغل، وخاصة ما يتعلق بالصحة والسلامة المهنية، أضحت متجاوزة.
فالغموض وضعف المراقبة وغياب الردع… كلها عوامل تحتم فتح ورش إصلاحي عميق وشامل.
لكن الأهم من هذا كله، هو الإدراك والوعي بأن هذا النقاش لا يخص النقابات وأرباب العمل لوحدهما، بل هو شأن مجتمعي بامتياز، يمس حياة الناس، وكرامتهم، وحقوقهم الأساسية.
فما فائدة المعايير إذا لم تحترم؟
وما جدوى الاتفاقيات إن لم تكن لحماية الأرواح؟
وهل توضع فعلا حياة العامل ضمن حسابات الربح والخسارة عند التخطيط الاستراتيجي لهذه المشاريع؟
إن الأوراش الكبرى لا تنجح فقط بالإسمنت والحديد، بل تبنى بكرامة الإنسان، وبالحرص على صحته وسلامته.
والتنمية الحقيقية لا تقاس فقط بعدد المشاريع المعلنة، بل بمدى احترامها لحياة من ينجزونها.
فلا تنمية بلا كرامة… ولا أوراش بدون حماية للإنسان.
فالرأسمال البشري لا يجب أن يعتبر فقط محركا للتنمية، بل يجب أن يكون ضميرها الحي وقلبها النابض.
الكاتب : محمد أمين سملالي - بتاريخ : 16/04/2025