العـمال الأجانـب مـأزق فرنـسـي

 باريس .. يوسف لهلالي

 

في مجال الهجرة، بينت فرنسا عن نفاقها وهي تضع عراقيل جد متعددة أمام القادمين إليها للعمل، ففي الوقت الذي تجد فيه مقاولة فرنسية من بين اثنتين صعوبة في إيجاد عمال، رغم شغور المناصب، تقول جريدة لوموند الفرنسية في تقرير لها حول الموضوع، هناك عدد من العمال المطلوبين في سوق الشغل، يجدون صعوبة في الحصول على تأشيرة، سواء أكانوا مؤهلين أو غير مؤهلين.
وقد قام عدد من الحرفيين، سواء أصحاب المخابز أو الجزارين أو المطاعم أو الممرضين بالتظاهر من أجل الحيلولة ضد طرد العمال غير المتوفرين على أوراق الإقامة والذين هم في أمس الحاجة إليهم، كما أن هناك حالات أخرى لمهاجرين من أصحاب الشهادات العليا، يشتغلون بمختبرات ذات مستوى عال، لكنهم يجدون صعوبة في تجديد أوراق الإقامة، تقول اليومية الفرنسية.
فقبل أسابيع عن موعد الانتخابات الرئاسية بفرنسا، يتم الخلط بين قضايا الهوية و قضايا الأمن، وهو الأمر الذي يجعل النقاش حول الهجرة يصل إلى مستوى السعار، هذه الحكايات تمنحنا قصة أخرى، وهي الخصاص في اليد العاملة بفرنسا، والعراقيل الإدارية التي لا يمكن حتى تصورها، رغم مساهمة المهاجرين في الاقتصاد سواء كانت لهم شواهد أو بدونها، تكتب جريدة لوموند.
هذه الحكايات تتحدث عن حضور أساسي للممرضات المساعدات أثناء الوباء في الصفوف الأمامية، واللواتي كنا نصفق لهن، وكذا عدم قدرة فرنسا على استقطاب الأجانب المؤهلين إلى اقتصادها حيث تحتل رتبة متأخرة من بين البلدان الصناعية.
تقول الجريدة الفرنسية إن الهجرة لعبت دائما دورا في تغطية الفراغ في اليد العاملة الذي تعرفه بعض القطاعات، أو الذي لم تتمكن الساكنة المحلية من توفيره. سواء في القطاعات التي يتزايد عليها الطلب بسرعة في اليد العاملة، أو التي تعرف بعض التراجع مثل الحرف التقليدية، لكن اليوم لم يعد الطلب مقتصرا على العمال المتخصصين في قطاع السيارات ب»رونو» الذين تحدث عنهم السوسيولوجي عبد المالك الصياد سنة 1986 في أعماله، بل يتعلق الأمر اليوم بمهن ذات تكوين عالي مثل 11 في المائة من الأطباء الذين لهم تكوين بالخارج، أو العدد الكبير من المهندسين الإعلاميين.
لكن حسب هذه اليومية يبقى عدد الأجانب مرتفعا في المهن الصعبة، وهم يشكلون نصف العاملين بقطاع البناء، وفي الأشغال العمومية سواء مع القطاع العام أو الخاص. وهي المهن التي تجد اليوم صعوبة كبيرة في الحصول على اليد العاملة مع النمو الذي يعرفه الاقتصاد اليوم وتزايد الطلب على العمال.
وتضيف نفس الجريدة، أن حاجيات فرنسا من اليد العاملة سوف تتزايد بشكل كبير حسب عدة تقارير علمية في هذا المجال، وذلك بسبب الشيخوخة، ففي نهاية هذا العقد سنة 2030، سيتقاعد عدد كبير من العمال في مختلف القطاعات، ويجب تعويضهم، كما أن عددا كبير من الفرنسيين اليوم لا يقبلون بعدد من المهن التي لاتتطلب تكوينا وليس فيها أفق مهني مهم، أي المهن التي لم تعد تغري الشباب، الذي يلج إلى سوق العمل، مما يخلق خصاصا كبيرا كما هو الشأن اليوم.
وتقول لوموند إن هناك قطاعات اقتصادية يوجد بها خصاص كبير في اليد العاملة لكنها لا تجد أحدا ليعمل فيها، مثل قطاع الفنادق والمطاعم الذي يعرف خصاصا اليوم يصل إلى 220 ألفا، لكن الصعوبات والتعقيدات الإدارية تحول دون الحصول على اليد العاملة من الخارج.
ويتحدث المقال أيضا عن المقاولات التي تقوم بالإجراءات الإدارية لصالح هؤلاء العمال بدون إقامة، وخوض معارك أحيانا من أجل تسوية وضع أحد العاملين بها، لكن في نفس الوقت، هناك العديد من المقاولات، خاصة الوسيطة في مجال النظافة ومجال الأمن تعتمد على اليد العاملة بدون إقامة أو ما يسمى المهاجرين السريين، والتي يتم أحيانا استغلالها دون احترام الحد الأدنى للأجر، ودون احترام توقيت العمل الذي ينص عليه القانون الفرنسي، بل إن هذه المقاولات تحتفظ بهؤلاء العمال وفي هذه الوضعية بدون إقامة، من أجل استغلالهم، لأن تسوية وضعيتهم القانونية تعني المطالبة بالحقوق واحترام القوانين المعمول بها في مجال الشغل بفرنسا .
وعرضت الجريدة في آخر الصفحة رسما بيانيا حول عدد الأجانب الذين يصلون إلى فرنسا من أجل العمل، وبين الرسم أنها استقبلت أقل عدد من العمال والكوادر مقارنة مع بلدان أخرى، هذا العدد لا يتجاوز نسبة 12 في المائة، في حين تستقبل بلدان أخرى مثل ألمانيا،بريطانيا، كندا والولايات المتحدة الأمريكية عددا أكبر بكثير من فرنسا.
هذا المقال، يعكس اللغط الكبير بفرنسا حول الهجرة التي يتم تقديمها بصورة سلبية، في حين أنها تساهم بقوة في اقتصاد هذا البلد، وهناك قطاعات كثيرة اليوم بفرنسا، لا يمكنها التجاوب مع الطلب سواء المحلي أو الدولي لأنها لا تتوفر على اليد العاملة الكافية، لوجود رأي عام معادي في أغلبيته للهجرة وقوانين جد تعجيزية للهجرة الاقتصادية نحو هذا البلد. وهو ما يشكل خسارة كبيرة للاقتصاد الفرنسي ويفوت عليه نسبة مهمة من النمو.

الكاتب :  باريس .. يوسف لهلالي - بتاريخ : 22/02/2022

التعليقات مغلقة.