القرآن الكريم أشرف وأعظم كتاب في الكون

إسماعيل فيلالي

لن تكفينا الكتب ولا المجلدات، ولن تسعفنا اللغة مهما كانت بلاغتها للحديث عن عظمة القرآن الكريم، فهو الكتاب الحق المبين، الذي جعله الله عز وجل معجزة لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم . وهو كلام الله الذي تكلم به بالحقيقة على الوجه الذي يليق بجلاله وعظمته، ولم ينزل الله من السماء أعظم ولا أجلّ من القرآن الكريم، وقد أخبرنا الله سبحانه وتعالى أن القرآن كما هو مُعَظَّمٌ بالأرض فهو مُعَظَّمٌ في السماء لا يمسه إلا المطهرون، ولا يحتفي به إلا الملائكة الأطهار والمؤمنون الأتقياء والأصفياء الأبرار.
وتتجلى عظمة القرآن الكريم في ثناء الله على كتابه العزيز في آيات كثيرة، فقد وصفه بالعظيم والكريم والحكيم والمبين والعزيز والمبارك … وهذه شهادة من الله تعالى بعلو شأن القرآن وحكمته، ولا شك أن من عظمة القرآن أنه عليّ في محلّه، وشرفه، وقدره، فهو عال على جميع كتب الله تعالى، بسبب كونه معجزاً باقياً على وجه الدهر مادامت السماوات والأرض ؛ نزل بِه الروح الأَمين جبريل عليه السلام على سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، من الله تعالى ليهدي به الناس كافة ويخرجهم من الظلمات إلى النور، لذلك اجتمعت في القرآن العظيم فضائل كثيرة منها: أنه أفضل الكتب السماوية، نزل به أفضل الملائكة والرسل جبريل الأمين عليه السلام،على أفضل خلق الله محمد صلى الله عليه وسلم قائد أفضل أمة أخرجت للناس باللغة العربية أفضل لغة وأفصحها على الإطلاق. من هنا كان القرآن العظيم هو دستور المسلمين وشريعتهم وصراطهم المستقيم، وهو حبل الله المتين وهدايته الدائمة، وموعظته إلى عباده، وآية صدقِ رسوله صلى الله عليه وسلم الباقية إلى آخر الدنيا، وهو سبيل عزِّ المسلمين في كل العصور والدهور… وقد تحدّى الله به الإنس والجن على أن يأتوا بمثله حين يقول عزّ وجلّ : « قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا « ( الإسراء ). لذلك لن يضرّ القرآن العظيم أن تحرق نسخ منه من لدن بعض السفهاء ذوي النفوس السوداء والقلوب الجوفاء؛ هؤلاء المتطرفون بقايا الصليبيين الذين يقومون بأعمال استفزازية عبر حرق نسخ من القرآن الكريم في الدانمارك وفي السويد منذ عام 2017، والتي ترقى إلى مستوى جرائم الكراهية والتعصب والعنف؛ وفي هذا إهانة للإسلام وللمسلمين ويمس مشاعر أكثر من مليار ونصف مليار مسلم، وهذا من شأنه تأجيج مشاعر الغضب والكراهية بين الأديان والشعوب وينمي تيار الإرهاب … هذه الممارسات المتطرفة التي تتنافى مع قيم احترام الآخر وحرية المعتقد وحقوق الإنسان وحرياته الأساسية تصدر عن الذين يكنون حقدا دفينا للإسلام والمسلمين. ويمثلون عصابة الإسلاموفوبيا والتعصب والكراهية . والغريب في الأمر والمثير للجدل هو أن السلطات الحكومية في هذين البلدين ترخص لهؤلاء المنبوذين بالقيام بمثل هذه الأعمال الإجرامية في حق المقدسات الإسلامية بدعوى حماية الحق في حرية التعبير؛ لكنهم في المقابل يصادرون حق المسلمين في حماية مقدساتهم، وإذا كانت حرية التعبير لديهم بعيدة المدى ليس لها حدود، فهذا لا يعني حرق القرآن الذي يعتبر حقا أصيلا للمسلمين، فهذه التصرفات الرعناء لا تخدم قيم التسامح والتعايش التي تتقاسمها المجتمعات بصفة عامة، بل تدفع للتطرف وعدم الاستقرار لأنها تعتبر عدوانا سافرا في حق المسلمين …
وقد جاء رد فعل أحرار المسلمين قويا ضد هذه السلوكات الطائشة بتنظيم تظاهرات حاشدة في الكثير من الدول حيث رفعت فيها ملايين الصحف .. واستنكرتها كل الهيئات الإسلامية، كما أن بعض الدول قامت باستدعاء سفرائها من هذين البلدين احتجاجا على حرق المصحف الكريم، وقامت جمعيات المجتمع المدني بمقاطعة منتجاتها التجارية وكبدتها خسائر ثقيلة، كما أمر رجل الأعمال القطري محمد العطية بسحب المنتجات السويدية من جميع فروع متاجر يملكها تسمى « السوق البلدي « والتي تعد من أكبر المتاجر في قطر…
لكن الرد الأقوى على هذه الجريمة النكراء غير المبررة، هو مبادرة المغرب في الأمم المتحدة، حيث اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة، يوم الثلاثاء 25 يوليوز 2023، بإجماع أعضائها الـ193، قرارا تقدم به المغرب ضد حرق نسخ القرآن الكريم وخطاب الكراهية؛ وقد استنكر هذا القرار، بشدة، جميع أعمال العنف ضد الأشخاص على أساس دينهم أو معتقداتهم، وكذلك أي أعمال من هذا القبيل ضد رموزهم الدينية أو كتبهم المقدسة. ويعتبر اعتماد هذا القرار التاريخي بالغ الأهمية، في هذا الوقت الذي يتسم بتفاقم خطاب الكراهية بكافة أشكاله وأبعاده ضد الإسلام والمسلمين، كما أن الإجماع الذي حصل عليه القرار من كافة أعضاء الجمعية يجسد احترام وتقدير دور المغرب باعتباره رائدا إقليميا وعالميا في مجال النهوض بقيم السلام والتسامح وحوار الأديان والثقافات … يبقى الآن أن تتم صياغة قانون أممي يجرم ويعاقب كل من سولت له نفسه حرق القرآن الكريم أو المس بشخصية الرسول صلى الله عليه وسلم. ويحاسب الدول التي ترخص لهؤلاء الجبناء بحرقه أمام المساجد وسفارات الدول الإسلامية، وفي الساحات العمومية؛ في الوقت الذي لا تستطيع هذه الدول أن تتحمل حرق قماش من أعلامها أمام سفاراتها ..
في الختام يجب أن نعترف بأننا، كمسلمين، في الوقت الحاضر وفي هذا العصر الموبوء الذي اختلط فيه الحابل بالنابل، أصبحنا نخسر أجزاء كبيرة من قيمنا وأخلاقنا المرتبطة بالقرآن الكريم، الذي كان خلق الرسول صلى الله عليه وسلم أو كما تقول عائشة رضي الله عنها كان قرآنا يمشي على الأرض؛ لذلك يجب على المسلمين أن يتشبثوا به قولا وفعلا، وأن يعملوا على تطبيق أحكامه بالإتيان بأوامره واجتناب نواهيه، كما يجب علينا ألا نهجر القرآن في منازلنا ومساجدنا ونؤثث به المكتبات ونضعه في الرفوف، فهذا القرآن العظيم ليس كأيها الكتب فهو أعظم وأشرف كتاب في الكون لأن لا عيب فيه، وليس فيه خلل ولا نقص بوجه من الوجوه، لا في ألفاظه، ولا في معانيه، فهو كامل من جميع الوجوه، وعظيم بكل ما تحمله الكلمة من معنى، لأنه ليس في أخباره كذب، ولا في أوامره ونواهيه ظلم ولا عبث. وأن كل ما ذكر في القرآن من التوحيد والنبوة والأحكام والتكاليف هو حق وصدق ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه … فعظمة القرآن العظيم في عظمة منزله جلّ جلاله، ويتضح ذلك جلياً في قوله تعالى : « : لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ « ( الحشر ) . فطوبى لحافظي القرآن العظيم أتقياء النفوس ذوي الأخلاق الفاضلة العالية الذين يخشون الله في السر والعلن …

الكاتب : إسماعيل فيلالي - بتاريخ : 12/08/2023

التعليقات مغلقة.