المادة 49 من مدونة الأسرة أو « تمازالت» العرف الذي أنصف المرأة المغربية

لطيفة دوش (*)

إن المشرع المغربي كان بحق جريئا لما تطرق عند وضع مدونة الأسرة سنة 2004 للثروة الأسرية المكتسبة بعد إبرام عقد الزواج، ووحدها هذه النقطة آثارت العديد من التساؤلات آنذاك في الأوساط الشعبية وبين الأسر الثرية على حد سواء فالبعض ادعى بأن مدونة الأسرة غيرت من نظام الإرث والبعض اعتبر بأن أي شخص مقبل على الزواج سوف يكون مضطرا إلى اقتسام أمواله مع زوجته، والحقيقة هي غير هذا وذاك، ذلك أن المشرع آتى بخطوات مهمة للغاية بخصوص هذه النقطة، وهي أولا إضفاء الصفة الحضارية على الأسرة المغربية، بحيث اقترح على طرفي العلاقة الزوجية امكانية الاتفاق قبل الزواج على تدوين اتفاقهم بعقد عدلي يوضحون فيه الشكل الذي يعتزمون فيه توزيع ممتلكاتهم المستقبلية، والتي تمت تنميتها بتعاون الطرفين. وثانيا، نشر المودة والعدل داخل الأسرة من خلال المساواة بين طرفي العلاقة الزوجية، وبذلك يكون الفصل 49 من مدونة الأسرة قد أدمج جزئيا العرف الأمازيغي والمتمثل في «تمازالت»، والذي كان سائدا في الوسط الأمازيغي قبل دخول الحماية وبعدها، و»تمازالت» مصطلح قانوني بالأمازيغية مشتق من تزلا، أي السعي والكد من أجل الأسرة. وتمازالت اصطلاحا هي تنمية أموال الأسرة عن طريق المجهود المادي أو المعنوي، وايمازالن هم الأفراد المنتجون فيقال»ايعاون ربي ايمازالن» أي « الله يساعد الأشخاص الذين يقومون بالعمل من أجل الإنفاق وتغطية احتياجات الأسرة والمجتمع».
وهذا ما يوضح أن السؤال المرتبط بالوضعية المالية للزوجين ليس وليد اللحظة المرتبطة بتعديل مدونة الأحوال الشخصية، بل هو تساؤل مستمد من النظام القانوني للمغرب العميق، ذلك أن حق المرأة في أموال زوجها التي تمت تنميتها أثناء فترة الزواج بمجهود الطرفين كان العمل به ساريا مع ما جرى به العمل في منطقة سوس، وما استقر عليه الاجتهاد في فقه النوازل التي احتوت قواعد قانونية مستمدة من العرف»إزرف» الأمازيغي، وهو ما عرف في تاريخ الفكر القانوني المغربي بقاعدة الكد والسعاية أو تمازالت.
وتعتبر هذه القاعدة العرفية التي كانت تعطي للمرأة الحق في الحصول على نصيب من ثروة زوجها، والتي ساهمت معه في تنميتها بمجهودها العضلي أوالفكري أثناء قيام العلاقة الزوجية، تمرة احتكاك وتفاعل ما بين العرف الأمازيغي والفقه المالكي، وقد ارتبطت هذه القاعدة العرفية بطبيعة نمط الإنتاج الذي كان سائدا في العالم القروي، والقائم على الأرض وما يرتبط بها في زراعة وتربية المواشي وصناعة تقليدية والتجارة المرتبطة بهما، والذي كان معه إثبات مساهمة المرأة في تنمية ثروة الزوج يتم بواسطة شهادة الشهود باعتبارها من أهم وسائل الإثبات وأكثرها انتشارا في الوسط القروي، وفي ظل نظام قانوني عرفي قائم على الشفوية.
وهذا ما يوضح أن الثقافة القانونية المغربية في بعدها الأمازيغي أنتجت مجموعة من القوانين العرفية تعرف بإزرفان أو تعقيدين، أوالألواح، ويمكن استغلال ما هو إيجابي منها في تعزيز وتدعيم الترسانة القانونية والتشريعية الوطنية، ولعل أحسن مثال على ذلك هو العرف المرتبط بتمازالت أي الكد والسعاية الذي ورد في مقتضيات المادة 49 من مدونة الأسرة مما يستدعي البحث والنظر في جانب الأعراف الأمازيغية.
وهكذا يتجلى من قراءة هذه المادة على أن هناك نوعين من الأموال داخل مؤسسة الزواج، الأموال التي يستقل بها كل زوج عن الآخر، والأموال التي تكتسب خلال فترة الزواج.
أما الأموال التي يستقل بها كل زوج عن الآخر، فهي الأموال التي اكتسبها كل طرف من مجهوده الخاص ودون مشاركة الطرف الآخر ومنها العمل أو الإرث أو الصداق بالنسبة للمرأة.
أما الأموال المكتسبة خلال فترة الزواج، فقد أوردت مدونة الأسرة لهذا الجانب أهمية كبرى حتى لاتضيع الحقوق المستحقة للمرأة، لأنه لا يعقل أن تساهم المرأة في شؤون الأسرة في جميع جوانبها التنموية وتضيع فجأة هذه الحقوق عند الطلاق أو عند وفاة الزوج .
وهكذا فإن الفقرة الثانية من المادة 49 من مدونة الأسرة أجازت إمكانية الاتفاق على اسثتمار وتوزيع الأموال التي تكتسب أثناء قيام الزوجية، أي أنه أصبح بإمكان الزوجين، وفي إطار تدبير أموالهما التي ستكتسب أثناء قيام الزوجية إبرام عقد أو بروتوكول مستقل عن عقد الزواج يحدد القواعد المطبقة على ثروتهما المكتسبة بعد الزواج، وأكثر من هذا فإن الفقرة الرابعة من نفس الفصل ذهبت الى حد إلزام العدلين المنتصبين للإشهاد وتوثيق عقد الزواج بضرورة إشعار الزوجين بالأحكام السابقة، والمتمثلة في إمكانية الاتفاق على تدبير الأموال التي ستكتسب أثناء الزواج مما يشكل رغبة من المشرع في توعية طرفي العلاقة العقدية بالآثار المالية المرتبطة بقيام الزوجية، وإمكانية تدبيرها بشكل متفق عليه مسبقا في عقد مدني مستقل عن عقد الزواج، أما في حالة عدم إبرام الاتفاق أو البروتوكول المشار إليه في مدونة الأسرة فقد نص المشرع على ضرورة إعمال القواعد العامة للإثبات في حالة قيام النزاع ما بين الزوجين حول أموالهما المكتسبة أثناء قيام العلاقة الزوجية، مع الأخذ بعين الاعتبار عمل كل واحد من الزوجين وما قدمه من مجهودات وما تحمله من أعباء لتنمية أموال الأسرة. وفي هذا الإطار فإن العمل القضائي اتسم ببعض الجرأة في تطبيق قاعدة تمازالت على عكس ما كان عليه الحال في ظل مدونة الأحوال الشخصية. وصدرت بعض الأحكام التي طبقت قاعدة الكد والسعاية المنصوص عليها في المادة 49 من مدونة الأسرة، والتي لاتعرف مع ذلك تطبيقا سليما وواسعا بالنظر لغموض النص القانوني المتمثل في هذه المادة، والذي أحال على القواعد العامة للإثبات دون توضيح المقصود بهذه القواعد، وهل يعني بها قواعد الإثبات في القانون المدني أم قواعد الإثبات المنصوص عليها في الفقه المالكي عملا بالإحالة عليها من خلال المادة 400 من مدونة الأسرة، والثابت من خلال الاطلاع على الأحكام القليلة الصادرة عن المحاكم على مدار 19 سنة من دخول المادة 49 حيز التنفيذ أن العمل القضائي لايزال لم يستوعب فلسفة تمازالت المتمثلة في إنصاف المرأة العاملة داخل وخارج البيت باعتبار عملها مدخل في كلتا الحالتين لتنمية ثروة الأسرة .
لذلك فإن تعديل المادة في الاتجاه الذي يحمي حقوق المرأة يعتبر مطلبا ملحا لتطبيق وإدماج هذا النوع من القواعد العرفية، وذلك بالتنصيص على إبرام عقود ملحقة واضحة ومحددة تتضمن فلسفة تمازالت داخل مدونة الأسرة، وهو ما يعتبر المدخل لدولة الحق والقانون من خلال جعل القواعد القانونية المنتجة من طرف المؤسسة التشريعية إفرازا للواقع المجتمعي وتركيزا للقواعد المعيارية العقلانية المستبطنة في المتخيل الجمعي باعتبارها الأداة الحقيقية للتنمية المستدامة وترسيخ الثقافة المغربية الأصلية ضدا على بعض القواعد المرتبطة بالفكر التقليداني المرتبط بالثقافة الذكورية، وإهمال حقوق المرأة ودورها المحوري في تنمية أموال الأسرة، لذلك فإن وضع قواعد قانونية قائمة على المساواة بين الرجل والمرأة في الاستفادة من الثروة الأسرية هو الأداة الحقيقية للتطور والتنمية.

(*) محامية بهيئة الدار البيضاء

الكاتب : لطيفة دوش (*) - بتاريخ : 26/08/2023

التعليقات مغلقة.