الموت التراجيدي للشاب زكرياء!

اسماعيل الحلوتي

أكاد أجزم أن ليس هناك مواطن كيفما كانت جنسيته مغربيا أو أجنبيا، لم يتأثر للحادث المأساوي المفجع، الذي أودى بحياة شاب عشريني يسمى قيد حياته “زكرياء شاويخ”، إثر إضرامه النار في جسده، احتجاجا على ما اعتبره ظلما و”حكرة” من خلال ما تعرض إليه من اعتداءات جسدية وتجاوزات سواء من طرف بعض المياومين بأحد أسواق بيع السمك بالجملة بمدينة الدار البيضاء أو من قبل بعض عناصر الأمن أثناء تقديم شكايته، طلبا للإنصاف …
وتكمن مأساوية الحادث في كون الشاب ذي العشرين ربيعا الذي توفي متأثرا بحروقه المتقدمة في 16 مارس 2022 بالمستشفى الجامعي ابن رشد في العاصمة الاقتصادية، بعد أن عجز الأطباء والممرضون عن إنقاذ حياته، كان قد سبق له قبل الإقدام على صب مادة سريعة الاشتعال على جسده وإضرام النار فيه بصفة متعمدة في ختام التسجيل المصور، أن روى بتفصيل يوم الخميس 3 مارس 2022 في بث مباشر عبر موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» ما تعرض له من جور.
وهو ما خلف ردود فعل متباينة داخل الوطن وخارجه، منها من تحسر وسبقته دموعه في التعبير عن نهاية درامية كهذه، ومنها من ندد بهذا الفعل الانهزامي الذي يضرب في العمق أحد أهم حقوق الإنسان «الحق في الحياة» بقتل النفس عمدا، واعتبره نوعا من الجبن ومعصية الخالق الرحمان. ومنها من لخلفية سياسية ورغبة في تصفية حساباته مع الدولة استغل الواقعة في تمرير بعض الرسائل المشفرة، محاولا أن يجعل من الهالك «بوعزيزي» مغربي لإشعال فتيل الفتنة …
فيما طالبت عديد الفعاليات المدنية والجمعيات الحقوقية بضرورة التعجيل بفتح تحقيق قضائي نزيه، للوقوف على ملابسات المأساة وترتيب الجزاءات القانونية اللازمة في حق من ساهموا بقصد أو بدونه في جعل الهالك يخرج عن طوره ويضرم النار في جسده أمام أفراد أسرته وملايين المتتبعين لشريطه المباشر، محملة المسؤولية للسلطات الأمنية المعنية، بدعوى تماطلها وعدم الأخذ بالحالة النفسية للمتضرر على محمل الجد واتخاذ ما يلزم في حينه من إجراءات تصون كرامته وتنصفه.
وكما هي عادته في مثل هذه المناسبات ذات الحساسية المفرطة، سارع المدير العام للأمن الوطني عبد اللطيف الحموشي إلى التفاعل الجاد والمسؤول مع ما يروج له من ادعاءات حول الحادث المفجع، من خلال إصدار تعليماته لولاية أمن الدار البيضاء من أجل تشكيل لجنة تحقيق في قضية انتحار الشاب زكرياء في بث مباشر على «فيسبوك»، والتي أفادت في بيان حقيقة أنها اطلعت على مقطع الفيديو المتداول على شبكات ومواقع التواصل الاجتماعي، موضحة بأن المسمى «زكرياء» كان قد سجل شكاية بتاريخ 2 مارس 2022 لدى دائرة الشرطة الهراويين التابعة لمنطقة أمن مولاي رشيد بالدار البيضاء، وأنه تم تحصيل إفادة المشتكى بهما في محاضر قانونية وإشعار النيابة العامة المختصة بملابسات القضية، وما تلا ذلك من إجراءات مسطرية أخرى، مؤكدة على إيفادها لجنة تفتيش مركزية للتحقق من الادعاءات المنسوبة لموظفيها، توخيا للحقيقة وترتيبا بذلك للمسؤوليات في حال تسجيل أي تجاوزات مفترضة.
وبصرف النظر عما سيؤول إليه التحقيق المفتوح من نتائج لن تكون بأي حال قادرة على إعادة الروح للهالك، فإن القضية ليست مجرد شجار أدى إلى انتحار، وأنها ستنتهي بتقديم المشتبه بهم إلى العدالة لتقول كلمتها الفصل، بل هي أعمق وأخطر من ذلك إذ تعد بمثابة ناقوس خطر ينذر بما وصل إليه شبابنا من تذمر إلى الحد الذي باتوا فيه على استعداد دائم إلى قتل أنفسهم عمدا في عرض البحر أو بإضرام النار في أجسادهم، ناهيكم عن «الانتحار» البطيء عبر استعمال المخدرات بكافة أصنافها.
فظاهرة الانتحار ببلادنا في تفاقم مخيف خلال السنوات الأخيرة رغم انعدام الإحصائيات الرسمية، منها ما يظهر إلى العلن عبر مختلف وسائل الإعلام، إذ صار بعض «المنتحرين» أنفسهم يوثقون عمليات الانتحار في مقاطع فيديو أو نشرها مباشرة عن طريق «الفيسبوك» كما هو الشأن بالنسبة للشاب «زكرياء». ومنها كذلك ما يظل في طي الكتمان خوفا من العار أو الموروث الديني. ولا غرو إذن في أن تتعالى أصوات بعض الفعاليات الشبابية وإطلاق حملات رقمية واسعة للتحسيس والتوعية، ومطالبة الجهات المسؤولة بضرورة الانكباب على بحث أسباب هذه الآفة التي أصبحت تقض مضاجع الجميع…
والأفظع من ذلك أن يتحول تزايد حالات الانتحار إلى مجرد أحداث عادية بالنسبة للمواطنين والمسؤولين معا، ويعزو الكثير من الخبراء والإخصائيين دواعي تنامي هذه الظاهرة، التي ما انفكت منظمة الصحة العالمية تحذر من العواقب الوخيمة لهذا القاتل الصامت، وخاصة بعد تفشي جائحة «كوفيد -19» في فترة الحجر الصحي الشامل، إلى ما أصبح عليه مواطنو بعض الدول النامية وشمال إفريقيا على وجه التحديد من اضطرابات نفسية، فضلا عن الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة، تسريح العمال والفقر والبطالة والهشاشة…
إن موت «زكرياء» بتلك الطريقة الصادمة والمخزية هو رد فعل عنيف ضد السياسات العمومية، من شأنه تهديد الأمن والسلم الاجتماعي إزاء ما بات يتعرض إليه شبابنا من حرمان وضغط نفسي إضافة إلى عوامل أخرى، تساهم جميعها في تدمير نفسيتهم وتجعلهم أكثر هشاشة وعرضة للاكتئاب والإحباط، ومن ثم البحث عن أي وسيلة للخلاص من كل أشكال المعاناة، وحياة القهر والفقر والظلم والتهميش والإقصاء.

الكاتب : اسماعيل الحلوتي - بتاريخ : 29/03/2022

التعليقات مغلقة.