النموذج التنموي الجديد.. رؤية استشرافية لمغرب الغد..

الدكتور محمد بن التاجر(*)

إن النموذج التنموي الجديد سيضطلع بدور «البوصلة» ويشكل «نقطة انطلاقة» نحو مرحلة جديدة للمضي قدما في المشروع المجتمعي بالمملكة، بقيادة جلالة الملك محمد السادس.
إن مفاهيم « الازدهار، والتمكين، والتكامل والاستدامة والريادة الإقليمية »، كلها تشكل أهداف التنمية التي حددها 35 عضوا في اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي لتغيير وجه المغرب بحلول سنة 2035.
وأن هذه الرغبة في التغيير في وطننا الحبيب، تم التعبير عنها على أعلى قمة في الدولة بقيادة جلالة الملك ووفق أسلوب عمل أثبت نجاعته، حيث قرر جلالته إحداث لجنة خاصة للنموذج التنموي التي فحصت كل المواضيع المثيرة للانشغال، لا سيما مخاوف واستياء المواطنين المغاربة.
وأن النموذج التنموي الجديد يرصد التحديات والأولويات، وكذلك طريقة إحداث التغيير المتوقع بحلول سنة 2035، وكانت المقاربة التشاركية للجنة جعلت من الممكن تشخيص وضع الدولة كما يراه المواطنون والفاعلون، مع إبراز الإنجازات والتوقعات والتطلعات.
وتجدر الإشارة إلى أن أعضاء اللجنة الذين تفاعلوا بشكل مباشر، مع 9719 شخصا و 20,3 مليون شخص عبر شبكات التواصل الاجتماعي، خصصوا حيزا من التقرير لـ « انشغالات ومقترحات المواطنين»، والتي لها علاقة مباشرة بجودة الخدمات العمومية، والولوج إلى الفرص الاقتصادية والتوظيف وترسيخ مبادئ الحكامة.
وأن التعليم والصحة والنقل وفرص الانفتاح والازدهار، لا سيما من خلال الثقافة والرياضة، تعد المجالات الرئيسية لتوقعات المواطنين، وتمت مقاربة هذه المجالات من حيث جودة العرض وإمكانية الولوج إليها في ظل ظروف مواتية.
وقد كانت معظم التوقعات تولي أهمية كبيرة للتعليم، حيث يتم التركيز على إعادة تأهيل المدارس العمومية، من خلال تحسين جودة التعلم بشكل كبير وتكييفه مع احتياجات سوق العمل.
والمغرب يطمح سنة 2035 لمضاعفة حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، والتمكن من التعلم الأساسي مع نهاية المرحلة الابتدائية بأكثر من 90 في المئة من الطلبة، وزيادة في عدد الأطباء لكل ساكن للوصول إلى معايير منظمة الصحة العالمية، والتخفيض إلى 20 في المئة من حصة التشغيل غير النظامي، وتوسيع نسبة مشاركة المرأة إلى 45 في المئة، ونسبة رضا المواطن عن الإدارة والخدمات العمومية تفوق 80 في المئة . ووضع النموذج التنموي في صلب مقترحاتها أهمية الموارد البشرية، تكون بذلك قد وضعت أيضا الأصبع على محاور التدبير المعقلن للموارد المادية وتحديد الموارد المالية التي يتعين تعبئتها، مسجلين أن استراتيجية تمويل النموذج الجديد ستعتمد على خمس رافعات هيكلية يجب تشغيلها بشكل متزامن.
وقد اعتمد النموذج سياسة مالية مرنة تتماشى مع الأهداف المسطرة، وتندرج في الدينامية المتوسطة والطويلة المدى التي يتطلبها أي نموذج تنموي. سياسة جبائية أكثر نجاعة كفيلة بالتمكين من تعبئة موارد إضافية، تقدر إمكاناتها بما يتراوح بين 2 و 3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
ويجب البدء السريع في التحول الهيكلي للاقتصاد، القادر على خلق موارد متوسطة المدى تسمح باستدامة النموذج، في ظروف مواتية لزيادة الاستثمار الخاص الوطني والدولي، من خلال إطار للاستثمار الجذاب وتنويع آليات وأنظمة التمويل لخدمة التحول .
وهذا يعني أن المغرب يعتزم تعبئة موارده الداخلية، والبحث عن الشراكات والتمويلات الدولية من أجل ضمان توفير الأموال اللازمة وتعبئة الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
والمغرب الجديد الآن يأخذ مصيره في يديه ويغير خطته واستراتيجيته للنهوض بالوطن والمواطن الذي هو في صلب اهتمامات السياسات العمومية، وخاصة أنه بعد جائحة كورونا ستتغير مجموعة من المعطيات التي سيستفيد منها المغرب بشكل جيد وكبير.
وأن النمودج الجديد يحتاج إلى دولة قوية ووقائية قادرة على معالجة نقاط الضعف الصحية، الاقتصادية والاجتماعية للبلاد ، من خلال تدبير القرب يقوم على تعبئة جميع الفاعلين.
والمغرب الآن سيستفيد من مؤهلاته العديدة، ويتعلق الأمر بموقعه الجغرافي وتراثه الثقافي وقيمه الدينية التي تنسجم مع القيم الإنسانية، فضلا عن الروابط القوية والعريقة بين المؤسسة الملكية والشعب، سيكون مغرب عام 2035، قوة قادرة على مواجهة التحديات والأزمات على المستويين الإقليمي والدولي، وتحويل تداعياتها إلى فرص لتحقيق التنمية في بلادنا .
واخيرا فإنه من خلال ترجمة مفهوم « المسؤولية والإقلاع » الذي تطرق له جلالة الملك في خطاب العرش لعام 2019، فإن النموذج التنموي يدعو إلى نظرية تنظيمية جديدة، على اعتبار أن مسألة تكامل بين « دولة قوية وعادلة ومجتمع قوي ودينامي »، مما يعكس تفرد النموذج التنموي للمملكة، حيث أن المؤسسة الملكية هي حجر الزاوية للدولة المغربية والحفاظ على استمراريتها.
وأن الملكية المغربية هي رمز لوحدة الأمة، وضامن للتوازنات، وحامل لرؤية التنمية والأوراش الاستراتيجية طويلة المدى وتتبع تنفيذها لخدمة المواطنين .
وأن خارطة الطريق الجديدة تتوخى وضع حد للاختلالات المتعددة و الارتقاء بالمغرب، في مختلف المجالات بحلول عام 2035 ، إلى الثلث الأعلى من التصنيف العالمي للدول ».
وأن التحديات مذكورة ، ولكن أيضا الرهانات والأولويات وطريقة تحقيق التحول الذي يتطلع إليه كل المغاربة في بلد طموح ومنظم، هادئ وموحد ».
وخلص إلى أن الرهان الذي يواجه مغرب الغد هو بالتالي القيام « بقطيعة حقيقية » ليس فقط مع نموذج التنمية القديم الذي أظهر محدوديته، لاسيما مع « الممارسات السيئة التي تقوض إلى حدود اليوم تحقيق قفزة في البلاد».
وأخيرا فإن تفعيل النموذج التنموي الجديد يستدعي قيادة قادرة على خلق ظروف التملك الجماعي من طرف كافة القوى الحية لهذا النموذج وضمان تتبع تنفيذه. وترتكز هذه القيادة على خصوصية المغرب بالنظر إلى المكانة المركزية للمؤسسة الملكية لكونها حاملة للرؤية التنموية ولأوراش الاستراتيجية ذات البعد الزمني الطويل وحريصة على تتبعها وتنفيذها بما يضمن مصلحة المواطنين، وتجسيد كل ذلك في ميثاق وطني للتنمية يهدف إلى تكريس التزام كافة القوى الحية للبلاد تجاه آفاق تنموية جديدة.

(*)استاذ جامعي وفاعل جمعوي

الكاتب : الدكتور محمد بن التاجر(*) - بتاريخ : 06/08/2021

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *