تتالي الصفعات لنظام الكابرانات!
اسماعيل الحلوتي
مؤسف حقا أن تصبح الجزائر أو «القوة الضاربة» كما يحلو لرئيسها عبد المجيد تبون أن يطلق عليها، تعيش في ظل هيمنة «كابرانات العسكر» على قصر المرادية، ليس فقط حالة من الضعف والهوان، بل في عزلة سياسية خانقة، جراء تلاحق الضربات الموجعة والانكسارات الدبلوماسية المتتالية، وخاصة فيما يتعلق بملف «الصحراء المغربية» الذي أنفقت من أجله ملايير الدولارات من أموال الشعب الجزائري في دعم ميليشيات البوليساريو الانفصالية، مما ساهم في تراجع نفوذها الإقليمي بشكل لافت، دون أن تجد لها مخرجا من ورطتها يحفظ ماء الوجه لحكامها، رغم أن ملك المغرب محمد السادس ما انفك يمد يده لهم، داعيا الرئيس إلى حوار أخوي لتجاوز الخلافات وبناء علاقات جديدة يسودها الوئام والاحترام…
إذ أنها سعيا إلى محاولة لفت الأنظار عن أزماتها المتلاحقة وفك العزلة السياسية التي خلقتها لنفسها، أصبحت الجزائر تسير على غير هدى أكثر مما كانت عليه من قبل، حيث أنها سارعت إلى استقبال الرئيس البيلاروسي «لوكاشينكو» دون أن تمنحها هذه الزيارة أي مكسب دبلوماسي فيما يخص دعم موقفها من الصحراء. وأنها بعد نهاية معركة كسر العظام مع إسبانيا منذ اعترافها بمغربية الصحراء، كشفت إحدى الصحف الإسبانية عن زيارة مرتقبة للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لمدريد خلال الشهري الحالي دجنبر 2025 دون تحديد اليوم، معلنة عن اعتزام رئيس الوزراء «بيدرو سانشيز» استقباله، ولاسيما أن بلاده ترغب في الحفاظ على نوع من التوازن في علاقاتها مع كل من الرباط والجزائر، وأن الحكومة الإسبانية تتهيأ للمصادقة على تعيين سفير جديد في الجزائر.
وعلى عكس ما ظل حكام قصر المرادية يرفعون من شعارات زائفة ويروجون لما يزعمون أنها مواقف تاريخية في مناصرة القضية الفلسطينية ودعم الحركة الجهادية «حماس»، سارعت السلطات الجزائرية إلى التصويت لفائدة القرار الأممي 2803 في مجلس الأمن الدولي، الذي ينص على خطة ترامب للسلام في قطاع غزة، التي تدعو إلى إنشاء قوة دولية مؤقتة وإجراءات لنزع سلاح المقاومة. فأين نحن إذن مما كانت تتغنى به من دعم المقاومة الفلسطينية ورفض الوصاية الدولية لمسارات السلام؟
ولم يقف الأمر هنا عند هذا الحد، بل إنه وفي تطور لافت ومفاجئ أثار المزيد من ردود الفعل الغاضبة حتى من داخل الجزائر، صوتت هذه الأخيرة لفائدة مشاركة إسرائيل في مسابقة «يورو فيجن» 2026 خلال اجتماع اتحاد البث الأوروبي، في وقت قادت شبكة التلفزة الإسبانية مناقشات حادة بعد تبنيها موقفا صارما ضد مشاركة تل أبيب، وطالبت بإجراء التصويت بشكل سري تفاديا لأي ضغوط سياسية ممكنة على ممثلي الوفود الحاضرة. وهو التصويت الذي يرى فيه عدد من المحللين منعطفا غير مسبوق في العلاقات الرمزية بين الدول العربية واتحاد البث الأوروبي…
فكيف لا يصبح حكام الجزائر على هذا الحال البئيس من التخبط والارتباك في اتخاذ القرارات العشوائية، وهم يتلقون في بضعة أسابيع من الصفعات الموجعة ما لم يتلقوه منذ عقود؟ وذلك بدءا بالقرار الأممي 2797 الصادر عن مجلس الأمن الدولي في 31 أكتوبر 2025 القاضي بمنح «الصحراء الغربية» حكما ذاتيا حقيقيا تحت السيادة المغربية، باعتباره الحل الأمثل والأكثر مصداقية للنزاع المفتعل حول الصحراء، حيث صوتت لفائدته 11 دولة من أصل 15 دولة، مع امتناع كل من روسيا والصين وباكستان، فيما رفضت الجزائر المشاركة في التصويت.
جاء الدور على البرلمان الأوروبي الذي لم يعبأ باعتراض البوليساريو على تجديد اتفاقية التجارة مع المغرب، حسب القرار الصادر في 26 نونبر 2025، حيث أن المؤسسات الأوروبية شرعت في الانخراط الفعلي في روح القرار الأممي 2797 الذي يعتبر الصحراء جزءا من نزاع مغربي داخلي صرف، وليست منطقة قابلة للانفصال عن المغرب.
وينضاف إلى ما سبق من خيبات السلطات الجزائرية، صفعة ما سمي ب»مسار وهران» للسلم والأمن، حين حاولت من خلال مناوراتها المفضوحة توريط الاتحاد الإفريقي في إدراج ملف «الصحراء الغربية» ضمن قضايا «تصفية الاستعمار» في البيان الختامي بدون جدوى، إذ كانت المفاجأة التي وقعت على رؤوس «الكابرانات» كالصاعقة في رفض عديد الدول الإفريقية المشاركة في ذلك. فضلا عن تجديد كل من إسبانيا وهولندا خلال يومي الخميس والجمعة 4/5 دجنبر 2025 تأييدهما لمضامين القرار الأممي 2797، وتأكيد مجلس التعاون الخليجي دعمه الكامل لمغربية الصحراء، في البيان الختامي للاجتماع الذي انعقد بالمنامة، دون اعتراض قطر ولا سلطنة عمان اللتين تعتبران قريبتين من الجزائر.
إن تمادي الطغمة العسكرية الجزائرية في مؤامراتها الدنيئة ضد المغرب، الهادفة إلى تمزيقه والعبث بوحدته الترابية، ومحاولة كبح جماح مسيرته التنموية وانتصاراته الدبلوماسية، لن يحول دون تزايد الدعم الدولي للقرار الأممي 2797 وترسيخ مغربية الصحراء، أو يحد من إصرار المغرب تحت القيادة الرشيدة لعاهله المفدى محمد السادس على تحقيق المزيد من المكاسب المبهرة على عدة مستويات سياسية واقتصادية ودبلوماسية ورياضية وغيرها، لاسيما بعد أن أصبح قوة اقتصادية صاعدة في المحيط الإقليمي والدولي، بفضل تحالفاته السياسية ودبلوماسيته الراقية والذكية، إلى جانب شراكاته الاقتصادية مع الدول الكبرى والمؤثرة على الصعيد الدولي.
الكاتب : اسماعيل الحلوتي - بتاريخ : 08/12/2025

