تداعيات أزمة منظومة التعليم العالي على سوق الشغل وإعداد الكفاءات

إدريس العاشري
فضيحة بيع الماستر والدكتوراه مقابل المال أو الجنس
لا أحد يمكنه أن ينكر أو يتجاهل دور التعليم العالي في حياة الشباب المتطلعين إلى مستقبل أفضل والحصول على شهادات عليا توفر لهم فرصة شغل دون تعزيز صفوف البطالة.
من الناحية الحقوقية والإنسانية، يُعتبر التعليم واجبا وطنيا وإنسانيا وحقا لكل مواطن، يخرجه من عالم الجهل والتخلف ويمنحه فرصة ولوج عالم الشغل في الوظيفة العمومية أو في القطاع الخاص والأعمال.
أما من ناحية الاستقرار الأمني والاقتصادي والاجتماعي للمغرب، فإن من واجب منظومة التعليم العالي والبحث العلمي أن تهيّئ لسوق الشغل كفاءات مهنية تساير التطورات التكنولوجية المتسارعة، والرقمنة، والتحولات الاقتصادية والاجتماعية، وذلك بفضل منهجية تعليم وتدريس متميزة، وبفضل أطر جامعية ذات مصداقية ومهنية، تتميز بالقيم والأخلاق العالية.
فالجامعات والمدارس العليا في المغرب تلعب دورا كبيرا ومؤثرا في حياة المجتمع المغربي وتطوره لمسايرة المجتمعات الدولية الحديثة المنفتحة على العالم، عندما تقوم بدورها وتخرج لنا حاملي شواهد عليا مستحقة تجعل منهم صناع قرار في الدولة والمجتمع، بما يملكون من مهارات وخبرات وكفاءات، لكونهم أطرا تمتلك المعرفة والعلم والتدريب في العديد من المجالات والتخصصات تعزز سوق الشغل.
بعد التطرق لموضوع الدور الحقيقي للجامعات والمدارس العليا في إعداد أطر وكفاءات مغربية لخدمة الوطن، أمنيا، عسكريا، وفي كل القطاعات الحيوية في النسيج الاقتصادي للمغرب، لابد أن نقف وقفة تأمل عند مهزلة وفضيحة الأستاذ الجامعي المعتقل قيد التحقيق حاليا في فضيحة بيع شواهد عليا كالماستر والدكتوراه مقابل أموال طائلة أو الجنس.
فضيحة تتطلب تدخل كل الأجهزة المختصة: القضاء، الأمن، والتعليم العالي، لإنقاذ الجامعة المغربية ومحاربة الفاسدين من مانحي الشواهد العليا مقابل المال والجنس، والطلبة الذين قبلوا هذه الجريمة الشنعاء في حق مستقبل البلاد.
كيف يمكن للشركات الخاصة والمؤسسات العمومية وشبه العمومية أن تثق في كفاءة ومهنية الشباب حاملي الشواهد العليا من الجامعة والمدارس العليا المغربية، وتمنحهم مناصب شغل ومسؤوليات لها علاقة بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، بشواهد عليا مزورة ومزيفة؟
عن أي كفاءات يمكن أن يعتمد عليها المغرب في كل المجالات، في القطاعين العمومي والخاص، في تسيير وتدبير الشأن المحلي والعام، بما في ذلك الدفاع عن حقوق المواطنين كمحام، مع العلم أن مهنة المحاماة مهنة شريفة ومقدسة؟
ألم يحن الوقت لمحاربة الفساد والجرائم بكل أنواعها، لتعميم الاستقرار الأمني والاقتصادي والاجتماعي في المغرب، وإعادة النظر في منظومة التعليم والتدريس بصفة عامة؟
هذه الفضيحة تُعد نقطة سوداء في نزاهة التعليم العالي في المغرب، مما يؤكد تراجع المهنية والكفاءات في جميع المهن، أضف إلى ذلك تراجع القيم والأخلاق.
علينا كفاعلين سياسيين واقتصاديين ومجتمع مدني أن نقف وقفة تأمل، ونطرح عدة تساؤلات عن الدوافع التي جعلت فئة من شباب طلبة الجامعة تختار اللجوء إلى أسلوب الحصول على شواهد عليا كالماستر والدكتوراه بطريقة متسخة، مقابل المال أو الجنس، عوض الاعتماد على الكفاءة والقيم والأخلاق.
سوق الشغل والمجتمع المغربي في أمسّ الحاجة إلى أطر وكفاءات مهنية ذات أخلاق وقيم وطنية، لمسايرة النمو الاقتصادي والاجتماعي للمغرب، وليس إلى حاملي شواهد عليا مزورة، وأطر شبح لا تفرّق بين الألف والزرواطة، همّها هو النهب والحصول على المال بأي طريقة، ولو ببيع الشرف? إن كان لهم شرف.
أنقذوا مستقبل المجتمع المغربي بمحاربة الفاسدين ومعاقبتهم أشد العقوبات.
السؤال الآن: هل سيتم التحقيق مع كل من تورّط في هذه الفضيحة التي شوّهت التعليم المغربي؟ وهل سيتم الطعن في الشواهد العليا المزورة الممنوحة وإلغاء المناصب المهنية المُتحصّل عليها، التي راكم من خلالها هذا الأستاذ الجامعي أموالا طائلة، وجدت -حسب المعطيات المتداولة- في الحساب البنكي لزوجته المحامية؟
الكاتب : إدريس العاشري - بتاريخ : 23/05/2025