جنرالات الجزائر، يكرهون المغرب… «ويعشقون» رموز حضارته

  بقلم: طالع السعود الأطلسي

 

في برنامج حواري بإحدى القنوات الجزائرية سنسمع العجب من فم شيخ جزائري، عجب آخر من أعاجيب تلك المشغلة الجزائرية، التي بثها النظام الجزائري في الممارسين للسياسة والإعلام في البلاد، وهي مشغلة التنسيب الجزائري لكل ما هو مغربي… وأضاف لها الشيخ، لكل من هو مغربي، الشيخ، في ذلك “الحوار” انبرى وبحماس، ليرد على محاوره الذي استشهد “بالقائد المغربي عبد الكريم الخطابي”، رد عليه بأن “الخطابي ليس مغربيا… هو ريفي من أصل جزائري”، وكرر ذلك ثلاث مرات، حتى كاد أن يغمى عليه… كلام الرجل طريف ومسلي، كما هي نكت، ولو ضعيفة التسلية، كل المعارك التي يخوضها النظام الجزائري، عبر أذرعه الحكومية، السياسية والإعلامية، من أجل قضم بعض معالم الحضارة المغربية وحشرها في انتماء جزائري مفتعل ومختلق… كما تابعنا ذلك في موضوع القفطان، الزليج، الملحون، الكسكس… وأيضا منازعة المغرب في تسمية “أسود الأطلس”، لأن أسود الأطلس في زعمهم أصلها جزائري والجزائر وحدها من تملك حقوق منشئها واستغلالها، وأخيرا، ها قد دشن المتحدث الجزائري مرحلة “جزرأة” شخصيات وطنية مغربية، رغم حقائق التاريخ والجغرافية والعقل، وإنها فعلا لأزمة عقل أولا… عقل النظام الجزائري، الذي لا يشغله أمر أكثر من تضايقه من جاره المغربي، ومن هنا تخلو سياساته، في داخل بلاده وإلى خارجها، من مقومات التعقل ومن الحساب العقلاني للفائدة ومن التفاعل “العاقل” مع حقائق الواقع، والتي هي نتاج تاريخ ومحصلة جغرافية، سياساته تتنفس عقدا نفسية، خطها النظام أنهم يحقدون على المغرب ولكن معجبون برموز حضارته وشخصياته الوطنية، إلى حد أنهم “يسطون” عليها ويتوهمونها جزائرية… إنها مركب عقد ومتأججة، من بينها، عقدة “الحكرة”، عقدة الدونية وعقدة ضيق سعة الذاكرة وكثرة ثقوبها… كذلك الثقب الكبير الذي جعل الرئيس تبون، وأمام الوزير الأمريكي للخارجية، يجمع بين الأمريكي جورج واشنطن والأمير عبد القادر الجزائري في تعاون عسكري، رغم أنف وعيني وأذني التاريخ، والذي يقول بأن الأمريكي توفي تسع سنوات قبل ولادة الجزائري، النظام الجزائري لا يستسيغ حقيقة أن الدولة الوطنية الجزائرية عمرها ستون سنة فقط، وما قبلها من قرون كانت البلاد معبرا لدول شتى بجيوشها وثقافاتها وآثارها التاريخية، أبرزها الإمبراطوريات: الرومانية، المغربية، العثمانية، والاستعمار الفرنسي… وهذه حقائق لن يغيرها تضايق النظام منها ولن يجديه إنكارها أو محاولة تغييرها…
كلمة “المخزن” التي يستعملها النظام الجزائري، في التصريحات الرسمية وفي الإعلام التابع له، يستعملها للسب وللتحقير وفي معرض حملات التشنيع ضد الدولة المغربية، ذلك المصطلح له تاريخ، وهو الذي، ومنذ القرن 16، يعني نظام الدولة المغربية… المخزن هو نظام من علاقات سياسية، إدارية، اجتماعية وعسكرية، وهو لقرون قام على تفاعل وثيق بين الدولة (الملكية) والشعب، عبر رابطة البيعة، بمحتواها الديني والتعاقدي، ما أنتج هذه الحضارة المغربية التي صدرت عن دول قوية، اجتازت بهذا المغرب قرونا من الاضطرابات، وهو متين البنيان… إلى زمننا هذا… قد اكتسب مؤهلات احتضان مقومات تحديث دولته وإسنادها على مفاصل عراقة آلياتها وأصالة تفاعلها مع كل مكونات الشعب المغربي… غير أن هذا الكلام لن يكون مفهوما لدى النظام الذي أقام أروقته وسواريه على هندسة عصابة مستأثرة بالحكم ومستفيدة من عائداته، عصابة هي من يديم انفصالها عن شعبها، عصابة هي اليوم تسير على نهج العصابة التي سبقتها، تلك التي هي اليوم موزعة على محاكم البلاد وسجونها، وتوزع عليها، أحكاما بمئات السنوات… تلك العصابة من وزراء أولين، وزراء ولاة محافظات، مدراء مؤسسات عمومية… كانت تمتلك سلطات النظام وتحلبه بالملايير من أموال الشعب الجزائري، والعصابة الحاكمة اليوم والسائدة اليوم، هي من ترعرع النافذون فيها في حضن العصابة الخاضعة اليوم لأحكام تصفية الحسابات، وهي عصابة واسعة تديرها عصابة قيادية مكونة من بعض جنرالات الجيش… الجيش الذي هو النخاع الشوكي للنظام السياسي، بمنطوق الدستور وبحقائق الممارسة…
تلك الفوارق بين النظام الجزائري وبين الدولة المغربية، هي من تخز الجنرالات وتغيب العقل في سياساتهم تجاه المغرب، خاصة وأن التعاطي الدولي معهم يتم عبر مفاضلة المغرب عليهم، بتداعيات الجوار والقراءة السياسية الدولية للمنطقة الجغرافية الواحدة، بأبعادها المغاربية والإفريقية، إذ بينما يتجه المغرب نحو اكتساب المزيد من المكانة، الثقة فيه، الصدقية والنفعية في علاقاته الدولية، ها هو النظام الجزائري يستشري فيه داء فقدان المناعة السياسية في الفضاء الدولي، وقد بدأت دراسات، تقارير ومقالات شخصيات ديبلوماسية ومراكز أبحاث وتوقعات أجهزة مخابرات أوروبية وأمريكية وأيضا مقالات صحفية في صحف ذات تأثير ومقروئية عالمية، بدأت في التقاط عوامل انحدار النظام في أزماته وتفاقم عزلته الداخلية واتساع التشققات فيه إلى حد توقع انهياره وسقوطه… كل التقارير والدراسات والمقالات منشورة وبعدة لغات، هذه الأيام في مواقع وصحف يسهل الدخول إليها والاطلاع على محتوياتها، ولا علاقة للمغرب بها، ولا قدرات لديه لتوجيهها… إلا إذا رأى النظام الجزائري أن المغرب وراءها… فنقول له، ساعتها، شكرا على حسن ظنك بنا وبقدراتنا.
كل هذا والنظام العسكري الجزائري لا يهتم بأوضاع بلاده ولا بمعالجة أزماته، هو منشغل فقط بالمغرب، يتابع ما يسميه “نظام المخزن”، يختلق أحداثا، يهول أخرى أو يحرف وقائع، ويواصل صراعه الوهمي مع، ومتطاولا على، دولة شامخة، عريقة ومخصبة للتاريخ…
ينشر باتفاق مع «مشاهد 24»

الكاتب :   بقلم: طالع السعود الأطلسي - بتاريخ : 14/01/2023

التعليقات مغلقة.