حلال البيجيديين، حرام على المساكين !!

إسماعيل الحلوتي

في لحظة ذهول تمنيت صادقا كغيري من المغاربة لو أن إدريس الأزمي الإدريسي، الوزير السابق وعمدة فاس ورئيس المجلس الوطني لحزب «العدالة والتنمية» ذو التوجه الإسلامي، الذي يترأس الحكومة لولايتين متتابعتين منذ عام 2012، خص «مرافعته» يوم 13 أكتوبر 2020 أمام لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب حول معاشات البرلمانيين والجمع بين التعويضات، للدفاع عن مغربية الصحراء ومهاجمة أعداء الوطن وخصوم وحدته الترابية، أو إحدى أبرز الأزمات والقضايا التي تستأثر باهتمام الرأي العام الوطني مثل تفشي جائحة كورونا أوتنامي ظاهرة اغتصاب الأطفال وقتلهم.
ولأنه بدا واضحا خلال السنوات الأخيرة أن قياديي حزب «المصباح» لا يهمهم ترجمة ما رفعوه من شعارات عن محاربة الفساد وتخليق الحياة العامة وتحسين ظروف عيش المواطنات والمواطنين إلى حقائق ملموسة، بقدر ما يهمهم فقط تحقيق مصالحهم الذاتية والحزبية الضيقة، والاغتناء الفاحش والسريع على حساب تلك الطبقات المستضعفة التي وضعت ثقتها في مزاعمهم ووعودهم الكاذبة، وراهنوا على أنهم سيكونون في مستوى تطلعاتهم، فإنه ليس من الغريب أن يصبحوا أكثر إصرارا على صم آذانهم حيال ارتفاع الأصوات التي تكاد حناجر أصحابها تنفجر من شدة الاستنكار والتنديد بالظلم والقهر والتهميش، وإغماض عيونهم عن رؤية ما آلت إليه أحوال الناس من ترد في عهدهم…
من هنا لا بأس لنا من استغلال هذه المناسبة لإنعاش ذاكرة «البيجيديين» التي يظهر أن الجشع والتهافت على المناصب أتلفا جزءا كبيرا منها وأفقداهم الكثير من معاني النبل والمروءة ونكران الذات، إلى حد نسيانهم أو تناسيهم تاريخ بلادهم الحافل بالبطولات والأمجاد، وخاصة منهم عمدة فاس الذي يرفض بشكل قاطع مراجعة تعدد تعويضات المنتخبين وتمثيل «الأمة» مجانا أو بما أسماه «البيليكي»، بأن هناك عددا هائلا من الوطنيين الشرفاء خاضوا معارك سياسية وحقوقية بطولية من أجل تكريس قيم الديموقراطية وبناء الوطن وخدمة أبنائه، وأن منهم من ساهموا حتى بأموالهم وقدموا أرواحهم فداء له، دون أن يلهثوا يوما خلف امتيازات ولا انبطحوا أمام إغراءات، وإنما كانوا يقومون بذلك ابتغاء رضا الله والضمير فحسب…
فالأزمي الذي صار ملقبا ب»مستر بيليكي»، كان قد أشعل مواقع التواصل الاجتماعي باعتدائه الشنيع على من سماهم «المؤثرين الاجتماعيين»، الذين ينتقدون إصرار المنتخبين على حماية الجمع بين التعويضات عن المهام الانتدابية والتمثيلية ومعاشات البرلمانيين، واصفا إياهم بالشعبويين المسخرين من لدن جهات أخرى، مدعيا ترويجهم للمغالطات وتبخيس وظيفة المؤسسات الدستورية ودور الأحزاب السياسية، فضلا عن ممارسة التضليل ونشر الترهات والنبش في أعراض الناس… مشددا على ضرورة تقاضي المكلفين بالعمل الانتدابي في المؤسسات المنتخبة أجورا تتوافق وحجم المهام المنوطة بهم، تحصينا لهم من الانحراف والفساد. إذ قال في مداخلته المتشنجة الموثقة بالصورة والصوت في أشرطة فيديو: «واش بغيتو البرلمانيين والحكومة والولاة والعمال والرؤساء والمديرين والموظفين يخدمو بيليكي، وفي نهاية الشهر مايلقاو مايوكلو اولادهم؟ فمن يغالط من؟ ومن يضلل الناس وينشر الضباب؟
إننا نشفق لحال هؤلاء «السياسيين» الجدد الذين استعبدتهم المادة وأعمت أبصارهم وبصائرهم، ونأسف كثيرا لما راكموه من فشل وفضائح، كما أننا نتساءل بحرقة كيف يهنأ بالهم بتلك التعويضات والامتيازات السمينة والبلاد تعج بآلاف المحرومين من قطرة ماء يبللون بها حلوقهم، وملايين الفقراء لا يجدون ما يسكتون به «غرغرة» أمعائهم، ومئات آلاف العاطلين يتعذر عليهم إيجاد فرص شغل تحفظ كرامتهم؟ وكيف لا يخجلون من أنفسهم وهم يدغدغون عواطف المستضعفين بخطاب المظلومية وادعاء الزهد في الوقت الذي يسيل فيه لعابهم وتنتحر ضمائرهم أمام بريق الكراسي ورنين الدراهم؟
فهل نسي البيجيديون وهم يتبجحون بإقرار الدعم المباشر للأرامل، أنهم منعوا قبل ذلك عبر نصوص قانونية الجمع بين تعويضات بسيطة منذ ولايتهم الأولى بقيادة كبيرهم صاحب أكبر معاش استثنائي في تاريخ المغرب المعاصر، ووضعوا للأرملة التي تريد أن تستفيد من الدعم شروطا مجحفة ومحبطة رغم هزالة قيمته؟ إذ ربطوا الاستفادة بتقديم طلب للجنة الإقليمية المعنية في أجل لا يتعدى ثلاثين يوما، مقابل الحصول على مبلغ مالي قدره 350 درهم شهريا للطفل، في حدود ثلاثة أطفال يتابعون دراستهم بالتعليم العام أو التكوين المهني، وعدم الجمع بينه وأي معاش آخر أو تعويض عائلي يدفع لها من ميزانية الدولة أو ميزانية جماعة ترابية أو مؤسسة أو هيئة عمومية، كالمنح الدراسية والدعم المقدم في إطار برنامج محاربة الهدر المدرسي «تيسير»، الذي لا يتجاوز في أحسن الأحوال 1400 درهم في السنة للتلميذ المسجل بمستوى الإعدادي، في حين أنهم يزكون تكديس تعويضاتهم عن تعدد المهام في عمودية المدن ونيابة رئاسات الجهات والتمثيلية بالمؤسسات الدستورية، وهي التعويضات التي تصل أحيانا إلى حوالي 15 مليون سنتيم شهريا للشخص الواحد منهم…
إن جذبة «مستر بيليكي» المستفزة لمشاعر المغاربة، التي من المؤكد أنه تلقى مبادئها الأولى عن قدوته ابن كيران الذي سبقه في ممارسة «الديبشخي» الذي ورد على لسانه وهو يفرغ رصاصات الحقد والكراهية على أبناء الشعب، الذين ينتقدون عبر «الفيسبوك» جشعه وقياديي حزبه وضعف أداء حكومة أمينهم العام سعد الدين العثماني، ويطالبون بالقطع مع الريع السياسي الذي طالما استهجنوه في السابق من تحت قبة البرلمان، تكشف بوضوح تام وجههم الحقيقي الذي ما انفكوا يحاولون إخفاء بشاعته.

الكاتب : إسماعيل الحلوتي - بتاريخ : 11/12/2020

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *