حين تُسْتَهدف‭ ‬الوطنية بالعُهْر ‬السياسوي‭.. ‬ رد المتنورة‭ ‬على‭ ‬مزايدة‭ ‬الظلامي

إيمان الرازي 

إن‭ ‬من‭ ‬يزايد‭ ‬اليوم‭ ‬بلغة‭ ‬الخيانة‭ ‬والتنصل‭ ‬و»الانقلاب‮»‬‭ ‬على‭ ‬تفاهمات‭ ‬المعارضة‭ ‬بشأن‭ ‬ملتمس‭ ‬الرقابة،‭ ‬ويستعمل‭ ‬في‭ ‬حق‭ ‬حزب‭ ‬الاتحاد‭ ‬الاشتراكي‭ ‬مفردات‭ ‬بئيسة‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬‮»‬الدور‭ ‬المشبوه‮»‬‭ ‬و»الاختباء‮»‬‭ ‬و»التهرب‮»‬،‭ ‬إنما‭ ‬يكشف‭ ‬عن‭ ‬بؤس‭ ‬التحليل‭ ‬وضعف‭ ‬الحجة‭ ‬واستسهال‭ ‬القذف‭ ‬المجاني‭ ‬في‭ ‬حق‭ ‬قوة‭ ‬سياسية‭ ‬وطنية‭ ‬تحملت،‭ ‬ولا‭ ‬تزال،‭ ‬كلفة‭ ‬الوفاء‭ ‬للقيم‭ ‬النضالية‭ ‬الكبرى،‭ ‬وتؤمن‭ ‬بأن‭ ‬معارضة‭ ‬الحكومة‭ ‬لا‭ ‬تختزل‭ ‬في‭ ‬ضجيج‭ ‬المناسبات‭ ‬بل‭ ‬تتطلب‭ ‬رؤية،‭ ‬وتراكمًا،‭ ‬ومسؤولية‭ ‬تاريخية‮.‬‭ ‬فالذين‭ ‬يصرخون‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬خنادق‭ ‬الشعبوية،‭ ‬ويختزلون‭ ‬الموقف‭ ‬من‭ ‬الحكومة‭ ‬في‭ ‬ملتمس‭ ‬رقابة‭ ‬لن‭ ‬يُفضي‭ ‬إلى‭ ‬شيء‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬ميزان‭ ‬القوى‭ ‬الحالي،‭ ‬هم‭ ‬أنفسهم‭ ‬الذين‭ ‬يُجَرِّبُونَ‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬نزواتهم‭ ‬الطفولية،‭ ‬ويتصرفون‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬كانوا‭ ‬في‭ ‬معسكرات‭ ‬تدريب‭ ‬على‭ ‬المعارضة‭ ‬وليسوا‭ ‬أمام‭ ‬مسؤولية‭ ‬تاريخية‭ ‬في‭ ‬لحظة‭ ‬دقيقة‮.‬
فلا‭ ‬أحد‭ ‬يزايد‭ ‬على‭ ‬الاتحاد‭ ‬الاشتراكي‭ ‬في‭ ‬ملف‭ ‬ملتمسات‭ ‬الرقابة‮.‬‭ ‬هذا‭ ‬الحزب‭ ‬العريق،‭ ‬الذي‭ ‬قدم‭ ‬أول‭ ‬ملتمس‭ ‬رقابة‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬المغرب‭ ‬الحديث‭ ‬سنة‭ ‬1964،‭ ‬وساهم‭ ‬في‭ ‬تقديمه‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬لحظة‭ ‬مفصلية،‭ ‬يدرك‭ ‬جيدًا‭ ‬أن‭ ‬ملتمس‭ ‬الرقابة‭ ‬ليس‭ ‬لعبة‭ ‬إعلامية‭ ‬لالتقاط‭ ‬الصور‭ ‬أو‭ ‬زوبعة‭ ‬لإرباك‭ ‬المشهد‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬غياب‭ ‬أفق‭ ‬استراتيجي‭ ‬واضح‮.‬‭ ‬لأن‭ ‬الاتحاد‭ ‬الاشتراكي‭ ‬ببساطة‭ ‬ليس‭ ‬حزبًا‭ ‬انفعالياً،‭ ‬ولا‭ ‬يركب‭ ‬الموجات‭ ‬الظرفية‭ ‬لإشباع‭ ‬الغرور‭ ‬الحزبي‭ ‬أو‭ ‬دغدغة‭ ‬مشاعر‭ ‬قواعد‭ ‬مهزوزة‮.‬‭ ‬إنه‭ ‬حزب‭ ‬العقل‭ ‬والواقعية،‭ ‬لا‭ ‬يتهرب‭ ‬من‭ ‬المعارك‭ ‬الكبرى‭ ‬ولكنه‭ ‬يعرف‭ ‬متى‭ ‬يخوضها‭ ‬وكيف‭ ‬يضمن‭ ‬جدواها‮.‬‭ ‬فلا‭ ‬أحد‭ ‬يحق‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬يعطي‭ ‬للدروس‭ ‬في‭ ‬النضال‭ ‬لمدرسة‭ ‬نضالية‭ ‬دفعت‭ ‬الشهداء‭ ‬والمعتقلين‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬الديمقراطية،‭ ‬وقدمت‭ ‬بدائل‭ ‬دستورية‭ ‬واقتصادية‭ ‬واجتماعية‭ ‬منذ‭ ‬ستينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‮.‬
الذين‭ ‬يهاجمون‭ ‬الاتحاد‭ ‬الاشتراكي‭ ‬اليوم‭ ‬لأنهم‭ ‬لم‭ ‬يجدوا‭ ‬لأنفسهم‭ ‬موطئ‭ ‬قدم‭ ‬في‭ ‬خطاب‭ ‬سياسي‭ ‬راشد،‭ ‬يُفضلون‭ ‬توجيه‭ ‬سهامهم‭ ‬نحو‭ ‬الحزب‭ ‬الوطني‭ ‬التقدمي،‭ ‬بدل‭ ‬أن‭ ‬يحللوا‭ ‬أسباب‭ ‬فشل‭ ‬المعارضة‭ ‬ككل‭ ‬في‭ ‬فرض‭ ‬معادلات‭ ‬جديدة‭ ‬داخل‭ ‬البرلمان‮.‬‭ ‬فهم‭ ‬يعرفون‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬يملك‭ ‬35‭ ‬مقعداً‭ ‬لا‭ ‬يسقط‭ ‬حكومة‭ ‬تملك‭ ‬أغلبية‭ ‬مريحة،‭ ‬ويعلمون‭ ‬أيضاً‭ ‬أن‭ ‬ملتمس‭ ‬الرقابة‭ ‬اليوم‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬سوى‭ ‬مسرحية‭ ‬مكرورة‭ ‬بدون‭ ‬إخراج،‭ ‬لن‭ ‬تغير‭ ‬شيئاً‭ ‬من‭ ‬موازين‭ ‬القوة،‭ ‬ولن‭ ‬تزيد‭ ‬الشارع‭ ‬إلا‭ ‬عزوفاً‭ ‬عن‭ ‬طبقة‭ ‬سياسية‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تُقنع‭ ‬أحدًا‭ ‬بجدوى‭ ‬صراخها‮.‬‭ ‬إن‭ ‬الاتحاد‭ ‬الاشتراكي‭ ‬لم‭ ‬يرفض‭ ‬التنسيق‭ ‬حول‭ ‬المبادرة،‭ ‬لكنه‭ ‬رفض‭ ‬أن‭ ‬يُستدرج‭ ‬إلى‭ ‬مناورة‭ ‬سياسوية‭ ‬هدفها‭ ‬إظهار‭ ‬‮»‬بطولة‮»‬‭ ‬زائفة‭ ‬للبعض،‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬حزب‭ ‬يُفكر‭ ‬في‭ ‬مستقبل‭ ‬البلاد‭ ‬لا‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬اللايكات‭ ‬على‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‮.‬
أما‭ ‬من‭ ‬يربط‭ ‬الموقف‭ ‬الحالي‭ ‬بما‭ ‬جرى‭ ‬سنة‭ ‬2016،‭ ‬فهو‭ ‬لا‭ ‬يفهم‭ ‬شيئاً‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬أو‭ ‬يتعمد‭ ‬تزوير‭ ‬الذاكرة‮.‬‭ ‬فليعلم‭ ‬الجميع‭ ‬أن‭ ‬الاتحاد‭ ‬الاشتراكي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬من‭ ‬الأيام‭ ‬عائقاً‭ ‬أمام‭ ‬تشكيل‭ ‬حكومة‭ ‬ذات‭ ‬مصداقية،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬يدعو‭ ‬إلى‭ ‬تحالفات‭ ‬مسؤولة،‭ ‬ويعري‭ ‬نفاق‭ ‬من‭ ‬كانوا‭ ‬يصرخون‭ ‬في‭ ‬العلن‭ ‬ضد‭ ‬التحكم،‭ ‬ويتوسلون‭ ‬في‭ ‬الخفاء‭ ‬دعم‭ ‬الدولة‭ ‬العميقة‮.‬‭ ‬فليعد‭ ‬من‭ ‬يروج‭ ‬لهذا‭ ‬الزيف‭ ‬إلى‭ ‬أرشيف‭ ‬تلك‭ ‬المرحلة،‭ ‬وليتأمل‭ ‬من‭ ‬كان‭ ‬يعطل‭ ‬مشاورات‭ ‬تشكيل‭ ‬الحكومة،‭ ‬ومن‭ ‬كان‭ ‬يعقد‭ ‬صفقات‭ ‬في‭ ‬الكواليس،‭ ‬ومن‭ ‬كان‭ ‬يصمت‭ ‬صمت‭ ‬القبور‭ ‬حين‭ ‬كان‭ ‬يُداس‭ ‬على‭ ‬المنهجية‭ ‬الديمقراطية،‭ ‬ثم‭ ‬فجأة‭ ‬تحول‭ ‬إلى‭ ‬مناضل‭ ‬من‭ ‬ورق‮.‬
وما‭ ‬يتعلق‭ ‬بما‭ ‬وصفوه‭ ‬بـ»الوضعية‭ ‬الشاذة‭ ‬والغريبة‮»‬‭ ‬لقطاع‭ ‬الصحافة،‭ ‬فإن‭ ‬الاتحاد‭ ‬الاشتراكي‭ ‬لا‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬دروس‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬حرية‭ ‬الصحافة،‭ ‬ولا‭ ‬عن‭ ‬الاستقلالية‭ ‬التنظيمية‭ ‬للمهنة‮.‬‭ ‬هذا‭ ‬الحزب،‭ ‬الذي‭ ‬ارتبط‭ ‬اسمه‭ ‬بتاريخ‭ ‬الصحافة‭ ‬المغربية‭ ‬الوطنية‭ ‬والمستقلة،‭ ‬لا‭ ‬يُزايد‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الملف‭ ‬لأنه‭ ‬يعرف‭ ‬مخاطره‭ ‬وبُعده‭ ‬الاستراتيجي‮.‬‭ ‬لكن‭ ‬المضحك‭ ‬في‭ ‬خطاب‭ ‬من‭ ‬يُدين‭ ‬اللجنة‭ ‬المؤقتة‭ ‬اليوم،‭ ‬هو‭ ‬نفسه‭ ‬من‭ ‬كان‭ ‬صامتًا‭ ‬بل‭ ‬مباركًا‭ ‬عندما‭ ‬تم‭ ‬تمرير‭ ‬القانون‭ ‬في‭ ‬لحظة‭ ‬سياسية‭ ‬مشبوهة،‭ ‬ولم‭ ‬يُحرّك‭ ‬ساكنًا‭ ‬حينما‭ ‬كان‭ ‬ممثلوه‭ ‬داخل‭ ‬البرلمان‭ ‬يصوتون‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يدعي‭ ‬اليوم‭ ‬أنه‭ ‬‮»‬وضع‭ ‬شاذ‮».‬
الاتحاد‭ ‬الاشتراكي‭ ‬لم‭ ‬ينجر‭ ‬يوماً‭ ‬إلى‭ ‬خطاب‭ ‬الإثارة‭ ‬الرخيص،‭ ‬بل‭ ‬ظل‭ ‬وفياً‭ ‬لخطه‭ ‬الوطني‭ ‬الديمقراطي،‭ ‬يعارض‭ ‬حين‭ ‬تكون‭ ‬المعارضة‭ ‬ذات‭ ‬جدوى،‭ ‬وينتقد‭ ‬حين‭ ‬يكون‭ ‬النقد‭ ‬هادفًا،‭ ‬ويقترح‭ ‬البدائل‭ ‬لأن‭ ‬المعارضة‭ ‬ليست‭ ‬مجرد‭ ‬نفي،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬تأسيس‮.‬‭ ‬ومن‭ ‬يريد‭ ‬تدمير‭ ‬ما‭ ‬تبقى‭ ‬من‭ ‬السياسة‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬عبر‭ ‬ملتمسات‭ ‬عقيمة‭ ‬لا‭ ‬هدف‭ ‬لها‭ ‬سوى‭ ‬ابتزاز‭ ‬رمزي‭ ‬للمشهد،‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يتحمل‭ ‬مسؤوليته‭ ‬أمام‭ ‬التاريخ‮.‬‭ ‬فالمرحلة‭ ‬تتطلب‭ ‬أحزابًا‭ ‬تنقذ‭ ‬السياسة‭ ‬من‭ ‬الحضيض‭ ‬لا‭ ‬أن‭ ‬تُسهم‭ ‬في‭ ‬تعميق‭ ‬أزمتها،‭ ‬وتنتج‭ ‬خطابات‭ ‬الرداءة‭ ‬باسم‭ ‬المعارضة‮.‬
وأخيرًا،‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬الاتحاد‭ ‬الاشتراكي‭ ‬يتحمل‭ ‬اليوم‭ ‬ضريبة‭ ‬مواقفه‭ ‬المتزنة،‭ ‬ويُهاجم‭ ‬لأنه‭ ‬لم‭ ‬ينخرط‭ ‬في‭ ‬مناورات‭ ‬بلا‭ ‬طائل،‭ ‬فإنه‭ ‬فخورٌ‭ ‬بهذه‭ ‬المواقف،‭ ‬لأن‭ ‬السياسة‭ ‬لا‭ ‬تُقاس‭ ‬بالصراخ،‭ ‬بل‭ ‬بمدى‭ ‬قدرة‭ ‬الفاعل‭ ‬على‭ ‬تغيير‭ ‬الواقع‮.‬‭ ‬أما‭ ‬الذين‭ ‬اختاروا‭ ‬رمي‭ ‬الحزب‭ ‬الوطني‭ ‬العريق‭ ‬بدروس‭ ‬في‭ ‬النضال،‭ ‬فليعلموا‭ ‬أن‭ ‬التاريخ‭ ‬لا‭ ‬يُكتب‭ ‬بتغريدة‭ ‬أو‭ ‬ندوة‭ ‬صحفية،‭ ‬بل‭ ‬يُصنع‭ ‬بالتضحيات‭ ‬والمواقف‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تخون‭ ‬الذاكرة‭ ‬ولا‭ ‬تساوم‭ ‬المبادئ‮.‬
هذا‭ ‬هو‭ ‬الاتحاد‭ ‬الاشتراكي‭ ‬للقوات‭ ‬الشعبية،‭ ‬الحزب‭ ‬الذي‭ ‬علّم‭ ‬المغاربة‭ ‬معنى‭ ‬السياسة،‭ ‬ودفع‭ ‬من‭ ‬أجلها‭ ‬الدم‭ ‬والاعتقال،‭ ‬ولن‭ ‬يسمح‭ ‬لأي‭ ‬جهة‭ ‬كانت‭ ‬أن‭ ‬تُسفه‭ ‬تاريخه،‭ ‬أو‭ ‬تُشكك‭ ‬في‭ ‬صدقيته،‭ ‬ولأننا‭ ‬ببساطة‭ ‬حزب‭ ‬يصنع‭ ‬السياسة،‭ ‬لا‭ ‬يتسول‭ ‬أدوارها‮.‬

‭( *) ‬عضو‭ ‬المجلس‭ ‬الوطني‭ ‬لحزب‭ ‬الاتحاد‭ ‬الاشتراكي‭ ‬للقوات‭ ‬الشعبية‭

الكاتب : إيمان الرازي  - بتاريخ : 23/05/2025