حين يصبح الكذب سلطة قاهرة…
عبد السلام الرجواني
في المجتمعات المتقدمة حيث سلطة العقل والمعرفة، أسهمت وسائل الاتصال الحديثة في التثقيف الجمعي وتعميم المعلومة وتوط+يد الشفافية، وبالتالي في دعم الديمقراطية وتيسير التواصل بين الأفراد والمؤسسات. وعلى العكس من ذلك، لم تسهم نفس الوسائل، وما ارتبط بها من شبكات التواصل الاجتماعي في مجتمعاتنا المعاقة ثقافيا وفكريا، سوى في تعميم الإشاعة ونشر الأكاذيب، وبالتالي في تضبيب الرؤية وزرع الشكوك والإساءة المجانية للناس والمؤسسات. قصتنا مع شبكات التواصل الاجتماعي هي في جوهرها جزء من قصتنا مع الحداثة في مختلف تجلياتها، والتي لم نستوعب كنهها باعتبارها رؤية للوجود تحكمها قيم الحرية والإبداع والعقلانية، ولم ير فيها كثير منا سوى مظاهر البذخ والاستهلاك والتقليد الأعمى لنجوم هوليود وميادين كرة القدم في الملبس وحلاقة الرؤوس، بينما اعتبرها السلفيون زندقة وانحلالا أخلاقيا وفحشاء.
إن من أبدع الانترنيت والهواتف الذكية وأنشأ مواقع التواصل الاجتماعي فعل ذلك في سياقات اجتماعية وثقافية وعلمية جد متطورة، ولغايات تيسير التواصل وطي المسافات واختصار الأزمنة، ولجلب منافع اقتصادية وتجارية وثقافية. هكذا أدت ثورة تكنولوجيا الاتصال إلى تبلور الاقتصاد الرقمي والتعليم عن بعد والصحافة الرقمية والجامعات
الافتر اضية والتجارة عبر الانترنيت وأنظمة القيادة الالكترونية، وغيرها من الخدمات الميسرة عن بعد وبسرعات هائلة وعبر القارات. لكن الذي لم يبدع شيئا في هذا المجال، ووجد بين يديه السمارت فون والهاي فون، وتمكن ولوج الفايسبوك وتويتر وغيرها من العوالم العجائبية، لم يكن بوسعه أن يستوعب الوظائف التي وجدت من أجلها الهواتف الذكية والمواقع الاجتماعية، فما كان منه إلا أن عمل على تسخيرها لأغراض تناسب وعيه وثقافته. هكذا وجدنا أنفسنا أمام مفارقة صعبة تتمثل في امتلاك تكنولوجيا متطورة بمضمون متخلف. بدل تسخير التكنولوجيا من أجل التنوير والتقدم جعلنا منها أدوات للعبث الذي يفسد الوعي العام والذوق العام ويجعل الكذب سلطة فوق سلطة العقل والقانون والتفكير السليم.
الكاتب : عبد السلام الرجواني - بتاريخ : 07/05/2020