دردشة حول تقريب القضاء من المواطن في ظل الجهوية الموسعة

لطيفة رحو (*)

يعتبر مرفق القضاء ضرورة مجتمعية بالنظر إلى دوره المفترض في تحقيق الأمن والاستقرار داخل المجتمع وتطبيق القانون سعيا إلى عدالة ممكنة. وهو الأمر الدي يجعل من مبدأ ‘’ تقريب القضاء من المواطن من الأساسيات والأولويات عند ربط مرفق القضاء بنظام الجهوية الموسعة، والتي تسعى إلى عقلنة التخطيط التنموي والاقتصادي لكل جهة على حدة. وتضع الانسان أو المواطن كأساس للتنمية احتراما للتباينات الجغرافية والبشرية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية بشكل يضمن ويستجيب إلى أكبر حد لحاجيات سكان الجهة.
وعند الحديث عن الحاجيات الاجتماعية لمواطني الجهة وحتى الاقتصادية خاصة في جانبها القانوني /القضائي، فإننا نكون أمام تحدي النجاعة المسطرية والحكامة في تقريب هؤلاء المواطنين من هذا المرفق بشكل يضمن الحقوق والحريات ، ويضمن قبل ذلك عدم جعل التقاضي نخبوي أو لمن استطاع إليه سبيلا .تماشيا مع ماكرسه خطاب جلالة الملك بتاريخ 09 مارس 2011 وانسجاما مع دستور 2011 وتحقيقا للرهانات الكبرى التي طرحها المغرب لتقويم البناء المؤسساتي للدولة .
وتحقيقا لكل ما ذكر على أرض الواقع يطرح أمامنا التساؤل حول إلى أي مدى يتحقق مبدأ تقريب القضاء من المواطن في ظل الجهوية المتقدمة ؟
وهنا لا مناص من الإجابة بأن الحديث عن الجهوية الموسعة أو المتقدمة ودورها في التنمية لا يمكن أن يتم بمعزل عن وجود مرفق قضائي مستقل وقريب من المواطنين كآلية من أولويات دولة الحق والقانون . وذلك لكونه المختص وحده في فض النزاعات الناشئة بين مواطني الجهة وتأمين حقوقهم والفصل بين مؤسساتها التجارية ومرافقها الإدارية فيما بينها وفي علاقتها مع المواطن.
وفي هذا الإطار يكون لزاما التنبه إلى ضرورة تقريب مؤسسات فض المنازعات التجارية والإدارية ، في مركز يلي مباشرة وجود مرفق للقضاء العادي قريب فعلا على مستوى الجهة لكل المتقاضين على حد السواء. واستحضارا لهذا المعطى نستحضر الواقع المعيش لمتقاضي بعض الجهات وكمثال على ذلك واقع الجهة الشرقية والحاق المحكمة الإبتدائية لجرسيف بالدائرة القضائية لوجدة .
وتوضيحا بعض الشيء لوضع التقاضي بالمنطقة المذكورة ، يكون أول عائق مطروح هو البعد الجغرافي بين المحكمة الإبتدائية لجرسيف كمحكمة درجة أولى ومحكمة الإستئناف بوجدة كثاني مرحلة من مراحل التقاضي وكمرحلة أولى عندما يتعلق الأمر بالاختصاص المسند لها مباشرة(الجنايات مثلا) هذا البعد الذي يصبح معه مبدأ ‘’ تقريب القضاء من المواطن’’ مجرد نظرية عسيرة التطبيق ومستعصية الفهم. ويصبح متقاضي المنطقة أمام تحدي الوقت والمواصلات والتكاليف للجوء إلى مرفق القضاء بحثا عن حق محتمل قد يتبدد بانعدام الإثبات أو عدم كفاية الأدلة أو غيرها من الصعوبات التي تعترض الممارسة التطبيقية للنصوص القانونية . وعندما تضطر المرأة/ الأم /الزوجة ( وأخص بالذكر غير العاملة) والمعنفة اقتصاديا- دون الخوض في غيرها من أشكال العنف- إلى استئناف دعواها المعفية من الرسوم القضائية أمام مرفق يبعد عنها بمآت الكلمترات بما يحمل ذلك من مصاريف تبليغ و تنقل ومصاريف مصاحبة من تغذية بالطريق ومستلزمات الأطفال المرافقين لها. فهنا بالضبط نسقط فيما قد يسمى بقضاء النخبة أو لمن استطاع إليه سبيلا . وما يقال عن المرأة بهاته الحالة يقال عن الحدث الجانح ووليه القانوني المتعسر اقتصاديا والمضطر إلى المثول أمام القضاء وممارسة حقه في محاكمة مكتملة الأركان الحقوقية والقانونية…..والأمثلة عدة.
واختصارا وحتى لا نقع في مطب التفاصيل ، نبقى أمام المبدأ اجمالا ونؤكد على ضرورة تقريب القضاء من المواطن أو كما عبر عنه جلالته بجعل القضاء في خدمة المواطن لا العكس. ولن يتحقق الأمر إلا بتحديث التقسيم الجهوي بما يضمن المساواة في بعدها الشمولي وحيثياتها وفق حق اللجوء إلى مرفق القضاء والاستفادة من خدماته . وفق خريطة يراعى فيها ضمان حقيقي لهاته المساواة حفاظا على أصل المبدأ .
واعتبارا لما ذكر نرفع شعار التقريب والمساواة الحقيقية قبل الرقمنة (كونها بدورها تطرح اشكالات عدة نظرا للبنية الهشة في المجال المعلوماتي لغالبية المواطنين).ونخلص إلى أن ارتكاز الجهوية المتقدمة في مبادئها على التقسيم الجغرافي والاقتصادي بشكل يضمن تساوي مقومات التنمية والإنتاج يبقى ناقصا وغير مجديا في غياب ضمان مرفق قضائي قريب من ساكنة الجهة . فالحكامة والعدالة المنصفة تستدعي بالضرورة عقلنة العمل القضائي وضمان نجاعتة في فك منازعات المواطنين بالجهة تحقيقا للأمن القضائي.
وحتى لا نقتصر على التشخيص والتنظير فإننا نقترح لربط القضاء بالحياة المجتمعية والاقتصادية على مستوى الجهة عمليا وفك العزلة في المجال القضائي:
أساسا: التفكير جديا في الحاق جرسيف بتازة ولو قضائيا اعتبارا للمسافة التي تربطهما والتي تبلغ 68 كلمتر في أقصاها و5 كلمترات لأقرب نقطة تابعة للمدينة .عوض ربطها بوجدة بمسافة 165 كلمتر واضطرار المتقاضي لتحمل مصاريف التبليغ والتنقل والمبيت ….في ظل صعوبة المواصلات وتضاريس المنطقة.
مرحليا : خلق غرف تنقلية استئنافية (مدنية وجنحية )، وغرف تنقلية تجارية وادارية تنعقد بالمحاكم الابتدائية تحقيقا لميكانيزم قضاءالقرب في مفهومه النظري العام.

(*) محامية بهيئة وجدة

الكاتب : لطيفة رحو (*) - بتاريخ : 26/08/2023

التعليقات مغلقة.