ضبابية جائحة كوفيد-19 في العالم 2/1

الدكتور عبداللطيف البحراوي

كانت الحياة تسير بما تعودنا عليه منذ شهور وسنوات، العيش في أجواء العولمة التي غطت معظم بقاع الأرض عبر وسائل التواصل الحديثة ، والتي من خلالها يتتبع الأشخاص الأحداث الدولية في شكل أخبار وفيديوهات أينما كانوا.. قليلها سار وأغلبها مؤلم : هنا حرب مشتعلة ، وهناك مشاداة بين رؤساء دول .. هنا حراك اجتماعي وهناك تصفية عرق جماعية ، إلى غير ذلك من الأخبار المؤسفة وأحيانا مؤلمة .. وفجأة يستيقظ العالم بما فيه بلدنا المغرب على خبر يزيد الطين بلة : تفشي وباء فيروس لم يعرف في بداية انتشاره عن بطاقة تعريفه وطرق انتقاله بين الأشخاص أي شيء ، ولم يكن هناك أي علم بوجود هذا الفيروس الجديد ، ومرضه قبل أن ينتقل من مدينة ووهان الصينية في ديسمبر 2019 إلى دول أخرى ، وتحول إلى جائحة عالمية في ظرف وجيز، حيث تسرب إلى معظم الدول ثم القارات الست ، وكان انتشاره يختلف من دولة إلى أخرى حسب الإجراءات المتخذة محليا ، حيث نتذكر في البداية كيف أخذ فيروس (كورونافيروس) ينتشر في دول ثلاث بأوروبا، وهي: ايطاليا واسبانيا وفرنسا بشكل جنوني ، وبعدها أمريكا الشمالية والجنوبية وغيرها من دول العالم ، وصار يخطف العشرات تلو العشرات من الأرواح يوميا ، وخلق نوعا من الفزع والخوف الذي خيم على الأشخاص في معظم البلدان ، حيث أخذت أعداد الإصابات والوفيات تتصاعد فيها بشكل لم يسبق لأي وباء أن انتشر بهذا الشكل..
تضاربت الأخبار في البداية حول طريقة تسرب الفيروس من مختبر بمدينة ووهان بجمهورية الصين الشعبية ، وقيل إن طبيبا صينيا في مقتبل العمر كان يشتغل بالمختبر مرض كأول شخص ، ونقل عدواه إلى مخالطين له قبل أن يتوفى، وكانت وفاته أول وفاة شخص صيني طبيب بفيروس مجهول الاسم قبل أن يلقب باسم فيروس كوفيد- 19 . ادعى مسؤول صيني أن الفيروس انتقل إلى الصين عن طريق مجموعة من الجنود الأمريكيين الذين شاركوا في نشاط عسكري دولي أقيم بالمدينة المذكورة ، وتوالت الادعاءات والتهم عن مصدر العدوى ، حيث اتهم الرئيس الأمريكي رونالد ترامب المنظمة العالمية للصحة في تواطئها مع الحكومة الصينية في إخفاء مصدر العدوى ، وهدد آنذاك بقطع المساعدات التي تقدمها أمريكا إلى المنظمة .
في نفس السياق ، استمعت شخصيا إلى تصريح للمدير السابق لمعهد باستور بفرنسا البروفيسور مونتانيي لوك الحائز على جائزة نوبل مع مساعدته الفرنسية سنة 2008 بفضل اكتشافهما لفيروس الإيدز(فيروس نقص المناعة البشرية – VIH ) وذلك في مقابلة بقناة فرنسية ، صرح خلالها أن مصدر الفيروس الجديد (سارس-كوف2 — SARS-CoV-2 ) جاء من خلال اشتغال مختبر ووهان الصيني على نوع من كورونافيروس المعطل ، الموجود عند الخفافيش لصنع لقاح ضد مرض الإيدز (VIH ) ، غير أن المجمع العلمي بفرنسا رفض هذه الفرضية وانتقد البروفيسور على تصريحاته غير المبنية على المنطق العلمي . هكذا أخذ تضارب الأفكار والانتقادات يأتي من هذا الطرف أو ذاك ..
وفي خضم الجائحة ، خرج البروفيسور ديديي رؤولت بمدينة مرسيليا ليعلن أنه وطاقمه الطبي قاموا بتجربة استعمال دواء ضد مرض الملاريا ، المتفشي خصوصا بالدول الإفريقية ، في علاج المرضى المصابين بفيروس كوفيد-19، وهذا العلاج مركب من ثلاث أدوية وهي : الهيدروكسي كلوروكين وأزيتروماكس ومشتقات الباراسيتامول ، وصرح بان العلاج بهذه الأدوية أعطى نتائج جد مشجعة ( 13 ألف معافى)، إلا أن بعض الخبراء والأطباء الفرنسيين عارضوا البروفيسور في أفكاره وتجاربه ، ورغم هذه الانتقادات فإن كثيرا من الدول استعملت العلاج ومنها المغرب الذي قام باقتناء كمية كبيرة استعملت في المستشفيات العمومية ، وقام بتصديرها في إطار المساعدة لبعض دول افريقية ، إضافة إلى مساعدات اجتماعية أخرى . لقد شهد العالم في الشهور الأولى من تفشي المرض نوعا من الارتباك والهلع بسبب تسارع الإصابات والوفيات وعدم استعداد المستشفيات والمصحات لهذا الوباء المفاجئ الذي لم يسبق للمنظومات الصحية سواء المحلية أو القارية أن صادفت مثل هذا الوباء القاتل ، وفي ظل هذه الأجواء ، بدأت الحكومات في كل البلاد تبحث عن الحلول لمحاربة الجائحة بداية بالحجر الصحي وتطبيق الطوارئ الصحية ، وإغلاق المطارات وإيقاف عمليات السياحة والتنقل بالنسبة للأشخاص الذين كانوا في عطلة أو في مهام مهنية ، وإغلاق المدارس والجامعات والمعامل والمحلات التجارية والمطاعم والأسواق باستثناء أماكن المواد الغذائية لسد حاجيات الناس الضرورية .. وكأن كائنا مجهولا أعلن الحرب على المجتمع البشري .. وكان للمملكة المغربية سبق في بدء التعبئة ضد الوباء بشكل مبكر بحلول منتصف مارس عند ما بدأ الإبلاغ عن الحالات المحلية الأولى للفيروس التاجي ، وشملت الإجراءات التي نفذتها المملكة إلى حد كبير ضوابط اجتماعية واقتصادية واسعة النطاق في الأشهر الأولى ، منها لأول مرة ابتكارات تكنولوجية وطبية. بعد بضع أسابيع من بداية الجائحة ، شيئا فشيئا، بدأ الناس يتأقلمون مع الوضع الجديد مع الحفاظ على الإجراءات الاحترازية التي قررتها معظم الدول على شعوبها ، قبل حلول فترة الصيف التي صادفت في المغرب حلول عيد الأضحى ، والسماح للأشخاص بالخروج تدريجيا من مرحلة الحجر الصحي على المستوى الوطني .
بعد ما كانت حالة العدوى في المملكة شبه مستقرة ، لاحظنا ابتداء من شهر غشت ، صعود حالات الإصابات والوفيات بسبب الوباء ، وذلك راجع إلى تراخي الأشخاص في تطبيق الإجراءات الوقائية التي كانت في بداية الجائحة محترمة بشكل جيد من طرف المواطنين ، ويفسر ذلك بالضغوطات النفسية التي عانى منها الأشخاص كبارا وصغارا خلال الحجر الأول.. نفس المسار لاحظناه في معظم الدول الأخرى التي شهدت وتشهد حاليا تصاعدا مهولا في الإصابات والوفيات ، واضطر بعضها العودة إلى الحجر الصحي الشامل ، وتطبيق طوارئ صحية صارمة من أجل كبح انتشار الوباء .
في بداية الجائحة ، شاع الحديث عن شروع بعض الدول المتقدمة في علوم الفيروسات في البحث عن إيجاد لقاح ضد كوفيد-19 ، وأخذ السباق نحو تحقيق هذا الهدف الذي هو في الحقيقة أمر معقد ، شكل حربا كلامية ودعائية بين تلك الدول ، وهي في باطنها حرب سياسية وراءها إظهار العضلات وجلب الأموال بعقد صفقات قبل خروج اللقاح إلى الوجود..

الكاتب : الدكتور عبداللطيف البحراوي - بتاريخ : 02/12/2020

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *