عدم اختصاص البرلمان في حل المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية

   الصافي مومن علي

على الرغم من كل المرافعات القانونية والأدبية وغيرها، التي كانت تدعو البرلمان إلى عدم مساسه بحياة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، فقد قام أخيرا بالمصادقة على القانون التنظيمي رقم: 16- 04 ، المتعلق بالمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، مقررا إعدام هذا المعهد، عن طريق حله، وتذويبه في المجلس المذكور.
ومن المحقق أن البرلمان كان مخطئا في تشريع هذا الحل، لثبوت عدم اختصاصه نوعيا في ذلك، على أساس أن الفصل 89 من الدستور لما كان يقضي بممارسة الحكومة، مهمة الإشـراف والوصـاية على الإدارات العمومية الموضوعة تحت تصرفها، فقد كان معنى ذلك أن المؤسسات العمومية التي تملك الحكومة حق البت في مصـيرها، هي التي تكون بالفعل تحت إشـرافها ووصـايتها، وأنه والحال أن المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية يعتبر بطبيعته خارج نفوذ إشرافها، بصـريح المواد: 1، 7، 12، من الظهير الملكي رقم :299.01.1 المحدث للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، تكون الحكومة بإصدارها لمشروع القانون التنظيمي القاضي بحل المعهد المذكور ، غير مختصة نوعيا في ذلك، وأن البرلمان لما صادق على هذا المشروع، يكون بدوره غير مختص دستوريا في تشريع هذا الحل. .
وبالفعل، فالفصل 89 من الدستور المحدد لطبيعة المؤسسات العمومية التي تملك الحكومة حق التصرف فيها، ينص بالحرف على ما يلي :
(( تعمل الحكومة، تحت سلطة رئيسها، على تنفيذ البرنامج الحكومي وعلى ضمان تنفيذ القوانين. والإدارة موضوعة تحت تصرفها، كما تمارس الإشراف والوصاية على المؤسسات والمقاولات العمومية.))
في حين أن مواد الظهير الملكي المحددة لطبيعة المعهد الملكي كمؤسسة استشارية خاصة، خاضعة للإشراف المباشر للمؤسسة الملكية ، تنص حرفيا على ما يلي :
فالمادة الأولى منه تنص على:
(( تحدث بجانب جلالتنا الشريفة وفي ظل رعايتنا السامية مؤسسة تسمى المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية …))
والفقرة الأخيرة من المادة السابعة تنص على :
(( يعرض عميد المعهد جميع قرارات المجلس على نظر جلالتنا الشريفة للمصادقة عليها.))
بينما المادة الثالتة عشرة منه تؤكد هذا الإشراف الملكي بتنصيصها على:
(( يجب ان يرفع عميد المعهد إلى جنابنا الشريف تقريرا سنويا مفصلا عن الأنشطة التي يقوم بها المعهد بعد مصادقة مجلس الإدارة عليه…))
غير أن ما يؤكد قطعا تبعية هذا المعهد إلى مجال الاختصاص الملكي الصرف هو المادة الثانية عشرة من نفس الظهير التي تقضي بدخول ميزانية المعهد الملكي ضمن ميزانية البلاط الملكي.
إذن، استناذا لكل هذه لمعطيات القانونية كان واضحا جدا أن المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية لا يدخل بطبيعته في المؤسـســات العـموميـة التابعــة لاختصــاص الحكومة، نظرا لثـبوت تبعيتـه المبـاشــرة لاختصــاص المـؤســســة الملكــية.
ومن هذا المنطلق كان مفروضا في البرلمان أن يقوم بتصحيح خطأ الحكومة، بإخراجه المعهد الملكي من دائرة المؤسسات اللغوية المقرر إدماجها في المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، غير أنه عوض ذلك قام بمجاراتها في خطئها، ما نتج عنه إصداره لقانون معيب، تكتنفه إشكالية الصعوبة القانونية في التنفيذ، على اعتبار أن مصادقته على هذا القانون، بل وحتى لو تم نشره في الجريدة الرسمية، فلن يكون ذلك كافيا لحل المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ، من منطلق أن حله رهين كليا بإرادة المؤسسة الملكية وحدها، وأنه والحالة هذه فطالما لم يصدر أي ظهير صريح يقضي بحل المعهد، فسيظل هذا المعهد قائما، ولن تؤثر فيه اطلاقا مقتضيات القانون التنظيمي المذكور، ما يجعل هذا القانون مجرد حبر على ورق ، فاقد تماما للحجية القانونية التي تجعله قابلا للتنفيذ.
وأعتقد أن هذه الإشكالية القانونية العويصة، أو بالأحرى هذه الورطة القانونية ، لن يتم رفعها إلا بأحد هذين الأمرين :
الأمرالأول: يتمثل في صدور ظهير ملكي يقضي بحل المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وكذا بنقل عقاراته ومنقولاته وكافة حقوقه والتزاماته إلى المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية.
وأنه في هذا السياق تجدر الإشارة إلى الملاحظة التالية وهي : أن ممتلكات المعهد، طالما كانت ناجمة عن الميزانية الخاصة للبلاط الملكي، فإنها بذلك تبقى من الحقوق المحضة للمؤسسة الملكية، التي يعود إليها وحدها حق التصرف فيها بالنقل أو بغيره، ومن هنا كان كل ما سطر في المادة 50 من القانون التنظيمي باطلا، لثبوت عدم دخول أشياء المعهد الواردة في هذه المادة، ضمن الأملاك التي تملك سلطتي: الحكومة والبرلمان ، حق التصرف فيها.
هذا، ورجوعا لمقترح الأمر الأول المتعلق بصدور ظهير ملكي بحل المعهد ، فإن البعض إن كان سيراه بمثابة حبل إنقاذ ممدود من الملك ، إلى هاتين السلطتين لإخراج قانونهما من إشكاليته القانونية التي يتربص فيها، فإن البعض الآخر قد يراه سابقة خطيرة ، تنم عن حدوث قلب كلي لموازين النظام القانوني في بلادنا ، أصبحت بموجبه السلطة الملكية خاضعة لسلطة البرلمان، على اعتبار أن هذا البعض سيؤول حل الملك للمعهد بتنفيذ جبري منه، للقانون التنظيمي الصادر من السلطة التشريعية، نظرا لقبول جلالته بهذا الحل، رغم ثبوت مساسه بحرمة الظهير الملكي، وثبوت أيضا تطاوله على اختصاصات المؤسسة الملكية.
أما الأمر الثاني: فيتجلى في صدور حكم حاسـم من المحكمة الدستورية يقضي بعدم مطابقة المواد : 6 ، 10 ، 13 ، 14 ، 49 ، 50 ، من القانون التنظيمي رقم : 04.16 لأحكام الدستور ، وذلك في كل ما قررته هذه المواد من حل للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، ومن إدماجها إياه في المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، وكذا في ما قررته من نقل عقاراته ومنقولاته وكافة حقوقه والتزاماته إلى هذا المجلس ، لعلة ثبوت عدم دخول المعهد ضمن المؤسسات اللغوية التي تملك سلطتي كل من : الحكومة والبرلمان حق التصرف فيها ، أو في أملاكها، وأنه نتيجة لذلك ستطبق هذه المحكمة – في ما أعتقد – مقتضيات الفقرة الثانية من المادة 27 من قانون المحكمة الدستورية ، مقررة فصل ما هو مخالف للدستور في هذه المواد ، عن القانون التنظيمي السالف الذكر ، الذي تأمر بتنفيذ باقي مقتضياته.
فهذا الأمر الأخير في تقديري هو الكفيل باعادة الأمور إلى نصابها، بشكل سلس دون أن يصحبه أي تأويل سلبي، أو أي توسع خيالي في التفسير.

الكاتب :    الصافي مومن علي - بتاريخ : 26/02/2020