عندما أصبح الغرب عاريا أمام العالم في دعمه المطلق للاحتلال

باريس: يوسف لهلالي

لقد أصبح الغرب عاريا أمام باقي العالم في تعاطيه مع القضية الفلسطينية المستمرة مند أكثر من سبعة عقود، واستمرار الكيل بمكيالين في التعامل معها في كل المناسبات والمحافل الدولية، وما لذلك من تأثير على السلم والتعاون في منطقة الشرق الأوسط وجنوب المتوسط، المعركة الطويلة التي تمت بمجلس الأمن بالأمم المتحدة والعجز عن اتخاذ قرار بسبب الفيتو الأمريكي بمساندة بريطانية ألمانية بينت الانحياز المطلق لإسرائيل، واختفى فجأة خطاب الدفاع عن الحقوق والمدنيين، وهو الخطاب الذي رددته أوروبا والغرب حول المدنيين الأوكرانيين عندما كانوا يتعرضون للقصف الروسي، في حين سقط منهم بضعة آلاف في غزة بواسطة القصف العشوائي للطيران الإسرائيلي الذي ادعى أنه يستهدف البنية التحتية العسكرية لحماس، وكأنه يتحدث عن جيش نظامي له قواعد عسكرية ثابتة.
هذه الحرب التي سوف يتعدى عدد ضحاياها المدنيين على الأقل العشرة آلاف جلهم من الأطفال والنساء أبرزت الوجه الوحشي واللاإنساني والقاتم للغرب الذي رمى بقيمه الإنسانية إلى المزبلة ليساند حكومة احتلال عنصرية واستيطانية، وهي الحكومة الوحيدة في العالم التي تمارس الاستيطان والطرد التعسفي للسكان الأصليين حتى اليوم، دون أن يتحرك العالم إلا إذا استثنينا بعض الإدانات المحتشمة هنا وهناك. ويتم قصف المدنيين والمدارس والمستشفيات ويتم قطع الماء والكهرباء والأدوية على المدنيين وحتى وسائل التواصل دون أن يتحرك ضمير الغرب أمام هذه الإبادة الجماعية بعد حصار لغزة دام 17 سنة.
الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس المعروف بديبلوماسيته وصداقته مع بعض الأوساط الإسرائيلية، لم يتحمل الصمت أمام هذه الإبادة ضد المدنيين، وحاول إيقاظ ضمير العالم ضد ما يرتكب ضد المدنيين، في خطابه أمام معبر رفح المصري في 20 من أكتوبر الماضي، لتهاجمه إسرائيل وكأنه ارتكب ذنبا أو ادعى شيئا لم يحدث، ويقاطعه إعلام الغرب ويمر على خطابه بسرعة فائقة، وهو ما يعكس عجز هذه المنظمة الأممية التي أصبحت مجرد دمية في يد الدول الكبرى تدين من تشاء وتغض الطرف عن مجرمي الحرب، ويتعرض أمينها لحملة لمجرد استنكاره لجرائم الحرب والتنكر للقانون الدولي.
الجولة الجديدة القديمة من المواجهات بين قوات الاحتلال والفلسطينيين، والتي بدأت يوم 7 أكتوبر الأخير، والعدد الكبير من القتلى والأسرى الذي خلفته في الجانب الإسرائيلي يتم الانتقام لهم اليوم من طرف قوات الاحتلال برمي الآلاف من الأطنان من القنابل عبر الجو، بالإضافة إلى قطع الماء والكهرباء والأدوية وقصف المستشفيات والمخابز وكل ما يرمز للحياة في غزة، وهو ما تعتبره الأمم المتحدة جرائم حرب، وهي القوانين التي يتم تجاهلها من الغرب ويدافع أغلب قادته عن الحق في الرد والقتل ضد الفلسطينيين، بل يتم تبريرها على اعتبار أن حركة حماس هي من بدأت المواجهة، في حين، منذ صول هذه الحكومة الأكثر تطرفا في تاريخ هذا الكيان، يتم الاعتداء، بشكل يومي، على سكان القدس والضفة الغربية، ويتم قمع جميع التظاهرات السلمية، وهو ما خلف عشرات الضحايا دون أن يتحرك العالم بل إن سياسة الاستيطان مازالت مستمرة ويتم استغلال الحرب على غزة من أجل طرد الفلسطينيين من أراضيهم خاصة البدو، بل إن المستوطنين يقومون بالاعتداء يوميا على السكان بحماية من جيشهم الذي أصبح متخصصا مند عقود في ممارسة كل أشكال التنكيل والعنصرية ضد الفلسطينيين ويمارس عليهم الضغط يوميا من أجل دفعهم إلى مغادرة أراضيهم التي يستولي عليها المستوطنون.
الفلسطينيون يواجهون جبهتين، جبهة العدوان الإسرائيلي الاستيطاني وجبهة الإعلام الغربي الذي تغذيه إسرائيل بالدعاية، والذي يكتفي في أغلب الأحيان بروايتها من خلال ربورطاجات رسمية تجلب التضامن وتحول الضحية إلى جلاد.
هذه السياسة التي تقوم بها إسرائيل تجد لها الدعم والمساندة من كل الغرب مع بعض الاستثناءات التي شكلتها على الخصوص كل من النرويج وأيرلندا وبعض الوزراء الإسبان الذين طالبوا بوقف هذه المذبحة.
بعض الأصوات القليلة بالغرب تنبهت إلى هذا الاندحار الأخلاقي وعارضت بقوة هذا الدعم المطلق لقوات الاحتلال، حزب معارض وحيد من فرنسا وهو «فرنسا الأبية «وزعيمه جون لوك ميلانشون الذي كان عليه مواجهة كل حكومة بلاده وأحزابها اليمينية المعارضة واليمين المتطرف، التي وقفت في صف واحد لدعم قوات الاحتلال وحقها في الانتقام من السكان المدنيين من أجل الرد على منظمة حماس وتحميلها مسؤولية هذه المأساة. وزير خارجية فرنسا في عهدة شيراك كان أقوى الأصوات التي واجهت سياسة الكيل بمكيالين في إعلام بلده، ما يقوم به الغرب هو «اغتيال المستقبل «يقول دومنيك دوفيلبان، هذا القول يلخص ما ينتظر العالم جراء هذه الحرب.
طبعا هذا الانقسام ما بين الغرب وباقي العالم تستفيد منه روسيا التي كانت تحت الحصار بسبب حربها على أوكرانيا كما تستفيد منه الصين، وهي دول تواجه الغرب وقيمه منذ عدة عقود، وسياسة الكيل بمكيالين التي ينهجها الغرب وعلى رأسه أمريكا ستدفع باقي العالم إلى تشكيل تحالف بين بلدانه ضد الكتلة التي تقودها واشنطن، وهو ما أصبح يطلق عليه اليوم الغرب وباقي العالم، اللذين لم يعودا يقتسمان نفس القيم والنظرة إلى العالم.

الكاتب : باريس: يوسف لهلالي - بتاريخ : 02/11/2023

التعليقات مغلقة.