فوضى دورات أكتوبر… هل دخلت المجالس زمن العبث السياسي؟

نورالدين زوبدي

شهدت دورات أكتوبر الأخيرة لمجالس الجماعات المحلية في المغرب مشاهد صادمة من الفوضى والتجاذبات الحادة، تجاوزت كل حدود اللياقة والمسؤولية. فقد تم رصد حالات تسلق فوق الطاولات، وارتداء ألبسة غير لائقة، وتبادل كلمات نابية تعكس غيابًا تامًا للتأطير السياسي والتكوين الجاد، وانحدارًا في الوعي الديمقراطي لدى عدد من المنتخبين.
هذه اللقطات، التي انتشرت على نطاق واسع عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، ألحقت ضررًا بالغًا بصورة المؤسسات المنتخبة، وأظهرت تدهورًا خطيرًا في مستوى النقاش السياسي داخل المجالس، ما يهدد بثقة المواطنين في هذه الهيئات التمثيلية.
ولفهم خلفيات هذا المشهد المقلق، لا بد من الإشارة إلى أن العديد من رؤساء الجماعات قاموا ببناء أغلبياتهم على أساس وعود مغرية وفضفاضة، غالبًا دون أفق واقعي لتنفيذها. ومع اقتراب نهاية الولاية، بدأ عدد من الأعضاء يشعرون بأن تلك الوعود لم تكن سوى وسيلة لكسب الولاءات، دون نية حقيقية للوفاء بها، ما ولّد شعورًا بالخداع والتهميش، ودفع البعض إلى التمرد داخل المجالس بأساليب تفتقر للنضج السياسي والمسؤولية.
كما أن بعض المنتخبين، ومع اقتراب نهاية ولايتهم، يسعون إلى الظهور بمظهر المدافع عن مصالح المواطنين، فيلجؤون إلى أساليب المعارضة الاستعراضية، من خلال الصراخ وافتعال التوتر داخل الدورات، في محاولة لإرسال رسائل انتخابية مبكرة. إلا أن هذه التصرفات لا تعزز صورتهم، بل تسيء إليهم وتُضعف صورة المجالس المنتخبة، وتحولها إلى فضاء للعبث بدل أن تكون مؤسسات لخدمة الصالح العام.
وفي سياق متصل، يفرض اقتراب الاستحقاقات الانتخابية واقعًا جديدًا داخل المجالس، حيث تبدأ التحالفات المبنية على المصالح الظرفية في الانهيار، وتنطلق محاولات إعادة التموقع من طرف أعضاء يسعون للظفر بمواقع أفضل مستقبلاً. هذا الواقع يغذي التوتر الداخلي، ويُحوّل المجالس إلى ساحات لصراع النفوذ بدل فضاءات للحوار واتخاذ القرار.
وما يزيد الوضع خطورة أن هذه الصراعات، بما تتضمنه من سلوكات متشنجة ومظاهر غير لائقة، تقدم صورة مشوّهة عن المجالس المنتخبة، وتزيد في إضعاف ثقة المواطن بها، بل وتُزكّي حالة العزوف السياسي والانطواء المجتمعي التي أصبحت سائدة، خصوصًا في الأوساط الشبابية. وهو ما يستدعي مراجعة عميقة وإعادة ضبط الإطار القانوني المنظّم لسلوك المنتخبين، بما يضمن هيبة المؤسسات التمثيلية ويمنع أي تشويه أو تبخيس لدورها الدستوري.
وفي هذا السياق، تتحمل الأحزاب السياسية قسطًا كبيرًا من المسؤولية، ليس فقط في اختيار من يمثلها داخل المجالس، بل أيضًا في مواكبة هؤلاء وتأهيلهم، وضمان تكوينهم في مجالات التسيير والعمل الجماعي. فضعف التأطير وغياب التكوين السياسي والمؤسساتي يساهمان بشكل مباشر في إنتاج ممارسات تفتقر للنضج والمسؤولية، وتُفقد المجالس المنتخبة معناها الحقيقي.
وفي نهاية المطاف، لا يمكن إنكار أن هذه المشاهد الفوضوية تعكس انطباعًا سيئًا لدى المواطن عن مستوى التدبير المحلي، كما تسائلنا حول الوضع الذي وصلت إليه الممارسة السياسية بوجه عام. صحيح أن التدافع السياسي مشروع، وأن الاختلاف في الرؤى جزء من الحياة الديمقراطية، لكن حين يتحول هذا التدافع إلى صدامات بدائية، وعراك لفظي وجسدي يفتقد للمشروعية والمسؤولية، فإننا أمام أزمة سلوك ومؤسسات تحتاج إلى وقفة حقيقية وإصلاح عميق.
ولا شك أن الصورة التي يحملها المواطن عن المجالس المنتخبة تتغذى من هذه المظاهر، وتُكرّس لديه اقتناعًا سلبيًا بأن العمل السياسي لا يُعبر عن مصالح عامة، بل عن صراعات ومصالح شخصية ضيقة. ومع كل دورة تنقل مثل هذه المشاهد، يتسع هذا الشعور، وتترسخ فكرة أنه لا أمل يُرتجى من سياسة فقدت معناها وقيمها التمثيلية.

 

الكاتب : نورالدين زوبدي - بتاريخ : 09/10/2025